المحتوى الرئيسى

اللواء جمال محفوظ.. سليل العلم والشهادة

10/24 22:05

اعتاد الضباط الإنجليز الذهاب لقرية دنشواى بالمنوفية وغيرها لصيد الحمام، وفى يوم من أيام سنة 1906م ذهب عدة ضباط إنجليز إلى دنشواى لصيد الحمام فكاد أحدهم أن يحرق جرن القمح بالخرطوش الذى يصيد به الحمام، فتصدى له شيخ طاعن فى السن اسمه «حسن على محفوظ» يحذره من احتراق الجرن، ولكن الضابط لم يكترث وأطلق الخرطوش من بندقيته فأصاب زوجة مؤذن المسجد وأحرق الجرن أيضاً، فهجم حسن محفوظ على الضابط وأخذ منه بندقيته وأقبل الأهالى يصيحون «الخواجة قتل المرأة وحرق الجرن»، وأحاطوا بالضباط الإنجليز. وفى الوقت نفسه وصل شيخ الخفراء ورجاله لإنقاذ الضباط الإنجليز من يد الأهالى فتوهم الضباط أن الخفراء يريدون بهم شراً فأطلقوا عليهم الرصاص الذى أصاب شيخ الخفراء فصاح الأهالى يرددون «شيخ الخفراء قُتل» وحملوا على الضباط الإنجليز بالعصى والطوب والحجارة فجرح بعضهم وهرب بعضهم ركضاً فمات أحدهم من شدة الحر والتعب. هذا جزء من قصة دنشواى الأليمة التى أعدم الإنجليز فيها ظلماً وبهتاناً أربعة من أبناء دنشواى، منهم بطلنا الشيخ حسن على محفوظ، الذى هربت أسرته كلها من محافظة المنوفية إلى الغربية هرباً من بطش الإنجليز. وهناك نشأ ابنهم العالم الكبير وإمام الدعاة فى عصره الشيخ على محفوظ، عضو هيئة كبار العلماء وأحد أعظم دعاة القرن العشرين، وهو أول من طبق قاعدة أن «الداعية يذهب إلى الناس ولا ينتظرهم كى يأتونه»، وأن الداعية إذا لم يتحرك بدعوته مات وماتت دعوته، وأن الداعية مثل السكر إذا لم تحركه فى العصير لا يمنحه حلاوته وعذوبته. وهو الذى أسس قسم الوعظ والإرشاد فى كلية أصول الدين، وهو من القلائل الذين ألفوا كتباً كثيرة فى فقه الدعوة الإسلامية وعلومها التى كانت وليدة تحبو وقتها وكبرت ونضجت على يدى هذا الداعية العظيم. وهو أول من اهتم بما يسمى فى علوم الدعوة الإسلامية بـ«الدعوة الفئوية»، فقد كان يذهب للأطباء ويحاضرهم فى عياداتهم، وهو أول من حبب ورغب الأطباء فى دعوة الإسلام، فقد شرح القرآن كله تفسيراً وبياناً من خلال عيادة د. سالم باشا بعابدين حتى أتمه، وفعل مثل ذلك فى عيادة د. العبادى، ومات قبل أن يتمه كما جمع أرباب المعاشات فى درس أسبوعى لهم. وامتد نشاطه الدعوى للطبيبات والممرضات داخل المستشفيات لأول مرة فى تاريخ مصر والأزهر، وخصص لهن درساً ثابتاً فى مستشفى فؤاد الأول للولادة المعروف الآن بمستشفى الجلاء للولادة، ومن أوائل من أعطى الدروس الدينية فى الإذاعة، ومن أوائل من حارب البدع وذهب إلى القرى والنجوع داعياً وهادياً ومبشراً وشارحاً ومخلصاً للإسلام مما علق به من خرافات وخزعبلات، وقد كتب كل ذلك فى كتابه الرائع «الإبداع فى مضار الابتداع»، وقد أحصى لنفسه ألف خطبة جمعة قوية كتبها فى أحد كتبه ليسترشد بها الدعاة ولم تكن التسجيلات قد انتشرت وقتها. هذا هو الابن على محفوظ لشهيد دنشواى حسن محفوظ، فماذا عن الحفيد، إنه اللواء أ. ح جمال الدين على محفوظ الذى نشأ فى بيت العلم والفقه والرجولة والشهامة. لقد أحب الداعية على محفوظ أن يخرج ابنه ضابطاً مقاتلاً لعله يكون من الذين يُخرجون الاحتلال الإنجليزى من مصر ويثأر لجده بطل دنشواى الذى أعدمه الإنجليز وقد جاوز السبعين من عمره. تخرج اللواء «جمال» من الكلية الحربية عام 1942 وخدم حياته كلها فى سلاح المدفعية وشهد كل حروب مصر بدءاً من حرب فلسطين سنة 1948 وحتى حرب أكتوبر الذى كان من أعظم فرسانها، حصل فى هذه المسيرة على زمالة كلية الحرب العليا وماجستير العلوم العسكرية وماجستير العلوم السياسية من جامعة القاهرة فضلاً عن عشرات الدورات التخصصية العسكرية فى مصر وبريطانيا وروسيا. ظل الرجل منزوياً عن المكائد والنفاق الرخيص والتسلق بغير مؤهلات الذى ساد الجيش فى فترة المشير عامر، حتى انتبه عبدالناصر وعبدالمنعم رياض لكفاءته العسكرية وعلمه وكتبه الكثيرة، فعينه بعد هزيمة 5 يونيو 1967م مديراً للتوجيه المعنوى للجيش المصرى، فحمل على عاتقه نقل الجيش من حالة الإحباط واليأس إلى حالة جديدة غير مسبوقة من حب الشهادة والإقبال على الموت والارتباط بالله، وكانت هذه بداية لمنظومة الوعظ الدينى فى الجيش المصرى. لقد لعب جمال محفوظ الدور الأكبر فى تحويل الجندى المصرى إلى طاقة إيمانية تهز الجبال، وساهم بدور كبير فى جعل «الجهاد فى سبيل الله» عقيدة للجيش، و«النصر أو الشهادة» شعاراً للقوات المسلحة المصرية، والاستعداد لصيحة «الله أكبر» التى اقترحها الفريق الشاذلى وعبدالمنعم واصل، والتى هزت أركان الجيش الإسرائيلى، ففى هذه الصيحة سر لا يعلمه إلا الله، وحينما صدح الجنود بها على طول قناة السويس فى أكتوبر 1973 هزت الجنود الإسرائيليين من الداخل وكأنها الزلزال. لقد تغير كل شىء بعد النكسة عما قبلها، لقد كان لجمال محفوظ الدور الأكبر فى إقناع د. عبدالحليم محمود والأزهر كله بالحضور الدائم مع الجنود فى الجبهة وغيرها، وذلك للصلة الوثيقة والثقة المتبادلة بينهما ومعرفة كل منهما بالآخر، فجمع القرآن مع السلطان، والمصحف مع السيف، والكتاب مع الحديد، والبندقية وحب الشهادة، وروعة التخطيط مع حسن التوكل على الله. وكل ذلك انعكس إيجابياً على مسار الحرب والقتال، ترى أثر ذلك فى كل الأبطال، تراه فى أمثال العقيد إبراهيم عبدالتواب بطل كبريت الذى أبى أن يستسلم وظل محاصراً لعدة أشهر رغم نفاد المؤن وقلة الذخائر والمياه، يقضى وقته بين جنوده صائماً أو مع المصحف تالياً أو فى قيام الليل عابداً وقائماً حتى لقى ربه شهيداً.وقد ألف اللواء محفوظ عشرات الكتب التى تتحدث عن الاستراتيجية العسكرية الإسلامية والخطط الحربية فى معارك الإسلام المختلفة وعبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية وغيرها.. حتى أسعد المكتبة الإسلامية والعسكرية بكتبه غير المسبوقة التى يحتاج إليها الباحثون والعسكريون حتى اليوم. سلام على الشهداء والأبطال فى كل مكان، سلام على اللواء جمال محفوظ الحفيد، وعلى الأب العالم العظيم على محفوظ، وعلى الجد الشهيد حسن محفوظ.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل