المحتوى الرئيسى

رب ضارة نافعة!

10/24 22:05

يعيش المصريون منذ شهور أزمة اقتصادية، وما يترتب عليها من أزمات مجتمعية وسياسية، ويعبر عنوان هذا المقال عن الأمل فى أن تكون تلك الأزمة الاقتصادية بداية لعمل حكومى جاد وغير تقليدى وقرارات حاسمة بحيث تتحول «الضارة إلى نافعة».

فعلى مدار الأيام القليلة الماضية بدا أن سياسة الدولة فى مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة قد بدأت فى الوضوح نسبياً! فقد صدر عن مجلس الوزراء قرار يوم الخميس 20 أكتوبر الحالى بالموافقة على قرارات اللجنة الوزارية الاقتصادية الصادرة يوم الأربعاء الماضى، والمتضمنة ترشيد وضغط الإنفاق فى كافة بنود موازنات جميع الوزارات والمصالح الحكومية والشركات ووحدات الجهاز الإدارى للدولة بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% دون المساس بالأجور والرواتب والموازنة الاستثمارية، وخفض التمثيل الخارجى فى البعثات التابعة للوزارات بنسبة 50% والاستفادة من الكوادر الموجودة بوزارة الخارجية فى إنجاز أعمال هذه البعثات.

وليس من شك أن ذلك القرار، على قدر التردد والتأخير فى إصداره، يعتبر بداية لخطة تقشف حكومية تقوم على أساس علمى للتطوير المؤسسى للجهاز الإدارى للدولة وتستهدف إعادة تأسيسه ورفع كفاءة وإنتاجية وحداته بناء على رؤية غير تقليدية لدور الدولة ككل فى بناء الوطن وإدارة منظوماته الإدارية والتنفيذية، فى ضوء توجهات لا بد من الأخذ بها لتحقيق المنافع للمواطنين وفق معايير ومستويات جودة تعادل ما هو موجود فى العالم اليوم!

ولا بد قبل الاسترسال فى حديثنا اليوم من تعليق أساسى بشأن قرار تخفيض الموازنات الحكومية، فلقد اقتصر القرار على «وخفض التمثيل الخارجى فى البعثات التابعة للوزارات بنسبة 50%» دون التطرق إلى موازنة وزارة الخارجية ذاتها!! والمفهوم والمنطقى أن يطبق قرار التخفيض على موازنة تلك الوزارة فى ضوء مراجعة صريحة لمدى الحاجة لجميع السفارات والقنصليات المصرية فى الخارج بناء على تقييم المردود السياسى والاقتصادى لكل منها بحسب قيمة وأهمية كل دولة لمصر! وكما تفعل كثير من الدول ليس عن قصور الموارد ولكن رغبة فى الترشيد ورفع القيمة المضافة لأجهزتها الدبلوماسية فى العالم إلى إسناد مسئوليات العمل الدبلوماسى والقنصلى فى بعض الدول إلى سفارتها أو قنصليتها فى بعض الدول الصغيرة أو قليلة الأهمية والعائد فى العلاقات السياسية والاقتصادية، إلى ممثليها الدبلوماسيين فى دولة أكبر قريبة من تلك الدول الصغيرة.

إن القضية المحورية فى أى خطة حكومية لإدارة الإنفاق العام بمنطق إيجابى ليست مجرد تخفيض الموازنات ولكن ترشيد الإنفاق وتنمية الموارد العامة، بما يكفل تخطى الأزمات الاقتصادية والمجتمعية، التى كثيراً ما تتحول إلى أزمات سياسية لو امتد بها الوقت دون مواجهة!

وفى إطار مواجهة الأزمة الاقتصادية الحالية، لا بد للدولة من تبنى برنامج ثورى غير تقليدى لوضع الجهاز الإدارى للدولة فى إطاره الصحيح ضمن آليات تنفيذ «استراتيجية التنمية المستدامة 30-20». فذلك الجهاز بأوضاعه الحالية هو عبء ثقيل على جهود التنمية، حيث يتكون من 34 وزارة، 231 هيئة منها 63 هيئة مستقلة و48 هيئة اقتصادية و120 هيئة خدمية، و23 مصلحة حكومية، و23 محافظة يتبعها 297 مديرية خدمية.

وقد حصرت خطة الإصلاح الإدارى المعلنة على موقع وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى مجموعة سلبيات تمثل تحديات لأهداف التنمية هى؛ تعقد الهيكل التنظيمى للدولة، تضخم العمالة وارتفاع تكلفتها وانخفاض إنتاجيتها وعدم وجود آليات ونظم عملية لقياس الإنتاجية فى الأساس، حيث يبلغ عدد الموظفين فى جهاز الدولة الإدارى 6 ملايين و363 ألف موظف، منهم ما يقرب من مليون يشغلون وظائف الخدمات العامة والحرفيين، ويتقاضون جميعاً أكثر من 207 مليارات جنيه، بخلاف أجور العاملين فى الهيئات العامة الاقتصادية، كذلك تعانى وحدات جهاز الدولة الإدارى من غياب الشفافية وانتشار الفساد، وكثرة التشريعات وتعديلاتها وتضاربها، والمركزية الشديدة وسوء حالة الخدمات العامة، ثم ضعف إدارة الأصول المملوكة للدولة، وقد أوضحت وزارة التخطيط أن من أهم عيوب الجهاز الإدارى للدولة غياب معايير إنشاء وتعديل الوحدات التنظيمية وعدم وجود أهداف محددة وتضارب الصلاحيات والمسئوليات، والدولة الآن بصدد العمل الجاد لحل جانب من مشكلة عجز الموازنة العامة وترشيد الإنفاق، يجب عليها إدراك أنه لم يعد مقبولاً غياب استراتيجية شاملة تحدد أسس ومعايير التشكيل الوزارى وتحقق درجة كافية من الاستقرار الإيجابى فى تكوين واختصاصات الوزارات وتمنع عمليات الفك والدمج والإحداث والإلغاء المتعاقبة مع كل تشكيلة وزارية جديدة، وتضع قواعد لتوجيه عمل الحكومة بكل وزاراتها وهيئاتها ومجالسها، كذلك لم يعد مفهوم «الإصلاح الإدارى» مناسباً الآن، والمطلوب «إعادة بناء وهيكلة» النظام الإدارى فى الدولة وليس فقط الجهاز الإدارى من منظور استراتيجى يتكامل ويتزامن مع عملية إصلاح مجتمعى شامل بأبعاده الدستورية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

والأمر كذلك، فإنه لم يعد مقبولاً ولا مجدياً أن تنطلق محاولات الإصلاح أو التطوير أو إعادة الهيكلة من دون مراجعة صادقة وصريحة للدور الذى ينهض به جهاز الدولة، الذى نرى أن يتركز فى وضع الاستراتيجيات العامة والسياسات الرئيسية لتنظيم حركة المجتمع ووضع معايير وأولويات إدارة الموارد الوطنية وتنسيق مساهمات وعلاقات وأدوار طوائف المجتمع المختلفة فى القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدنى والأنشطة الأهلية وتحقيق التكامل بينها وبين دور الدولة شاملاً قطاع الأعمال العام فى استثمار موارد المجتمع وتحقيق غايات التنمية.

وفى إطار خطة الإصلاح الإدارى فإننا ندعو الحكومة لتفعيل مجموعة المبادئ الحاكمة للإصلاح الإدارى التى تصدرت الخطة، وأهمها اعتماد الجدارة والكفاءة فى التوظف والترقى والأجور، دور أكبر للمواطن فى تحديد الأولويات وتقييم الخدمات، مع الإيمان بقدرة وكفاءة الإنسان المصرى على إدارة التغيير، اعتماد معايير الجودة والتميز فى تقديم الخدمات العامة، اعتماد اللامركزية فى إدارة الشئون العامة للدولة، التوسع فى استخدام التكنولوجيا فى الإدارة العامة، إتاحة المعلومات المتعلقة بالخدمات العامة، الشراكة مع القطاعين الأهلى والخاص.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل