المحتوى الرئيسى

منير نايفة: ضعف البحث العلمي أبعد العرب عن نوبل

10/24 14:21

باستثناء العالم المصري أحمد زويل، فإن العلماء العرب أخفقوا في الحصول على جائزة نوبل في أي من المجالات العلمية الثلاث (الفيزياء والكيمياء والطب)، رغم ترشح بعضهم لهذه الجائزة. هذا الشح في الجوائز العربية ما كان ليكون لو كانت جائزة نوبل موجودة قبل عدة قرون، عندما أبهر العلماء العرب والمسلمون العالم.

لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الأمر حاورت الجزيرة نت (عبر البريد الإلكتروني) عالم الذرة الفلسطيني المولود في قرية شويكة بجوار طولكرم سنة 1945 الأميركي الجنسية منير نايفة، بروفيسور الفيزياء في جامعة إلينوي الأميركية الحاصل على 23 براءة اختراع في صنع جزيئات النانو سيليكون، والمرشح السابق لجائزة نوبل.

 يقول الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء ستيفن وينبيرغ "لأربعين عاما لم أشاهد ورقة واحدة تستحق القراءة لفيزيائي أو عالم فلك يعمل في دولة مسلمة"، ما تعليقك على ذلك؟

أتفق مع وجهة نظر وينبيرغ، ولكن هذا ليس عارا على الباحثين في العالمين العربي والإسلامي، فالعقل العربي متقدم مثل العقل الغربي أو حتى أفضل منه، وأي مراجعة لتاريخ العلوم في العصور الوسطى تعطي دليلا واضحا على ذلك.

في الوقت الحاضر نرى إبداع العلماء والطلاب من الأصول العربية عندما يعملون جنبا إلى جنب مع العلماء في الغرب تحت نفس الظروف، ولذلك أرى في الواقع أن المشكلة هي الظروف السيئة للبحث التي يواجهونها في دولهم، والتي لا تقترب من الظروف الموجودة الآن في الغرب أو تلك التي كانت أيام الإمبراطورية الإسلامية في العصور الوسطى.

إن ما نطلبه من الباحثين في العالم العربي أو الإسلامي هو القيام بمعجزات، ولكن للأسف لا توجد معجزات في مجال البحوث العلمية أو في أي ميدان آخر.

 يقول المؤرخ والباحث الأميركي مارتن كرامر "لو كان هناك جوائز نوبل قبل ألف عام لذهبت تقريبا حصريا للمسلمين"، ويقول الباحث هيليل أوفيك من جامعة تكساس في أوستن "إن العلوم العربية كانت الأكثر تقدما في العالم حتى نحو القرن الثالث عشر"، فما أسباب ذلك؟

أتفق تماما مع وجهة نظر كريمر وأوفيك. حتى أنني أجريت بعض الأبحاث، وكتبت مقالات حول هذا الموضوع ووصلت إلى نفس النتيجة.

ولكي نفهم أسباب ذلك يجب أن نعرف حقيقة ما جرى في تلك الحقبة من الزمن، ففي تلك الحقبة من العصور الوسطى كانت هناك إمبراطورية متكاملة في كل جانب من الجوانب، مثل الولايات المتحدة الآن، ثم تفكك العالم العربي والإسلامي إلى 55 من الدول المستقلة والصغيرة والضعيفة، والتي لا يوجد أساسا أي تكامل أو تعاون حقيقي بينها.

وفي تلك العصور تم إنشاء الجامعات في المدن الرئيسة كما تم تجهيز أكثر من 24 مرصدا أو معهدا متخصصا مدعوما بأحدث الأجهزة في أماكن متعددة من الإمبراطورية، ووظفت هذه المراصد ثلة من أكثر العلماء والمهندسين البارزين مما جعلها مؤهلة لأن تصبح "معاهد تقنية" كما توصف بلغة العصر الحديث.

كما ازدهرت تجارة الكتب وأنشئت معاهد البحث وقدم الخلفاء الدعم المالي للباحثين، وكان من الواضح أن عرب القرون الوسطى امتلكوا موهبة عظيمة وتوجهات كبيرة للإمساك بزمام أي مجال من مجالات العلوم والتقنية في عهدهم، وتمثل ذلك في قدرتهم على البحث والحصول على الأدب الأجنبي القديم وترجمة ودراسة وإثبات المكتشفات والمضي بها إلى أعلى رتبة في سلم التطوير.

 في المقابل لماذا لم ينهض العلم الحديث في الدول العربية؟ وكيف تقيم اهتمام العرب على المستوى الرسمي والمجتمعي بالبحث العلمي؟

لا يسعنا إلا أن نلاحظ أن الوجود العربي خجول في التقنيات الحديثة ومنها تكنولوجيا النانو، وفي ظل تفاقم الحواجز التي تفرضها الأسواق والمساهمة العربية المحدودة في هذا الإطار، فإنني أخشى أن المؤشرات الأولية تدل على أن هذه التكنولوجيات ستتسبب في إحداث فجوة وانقسام تكنولوجي عالمي عربي أكثر عمقا.

أرى أن البحث العلمي في العالم العربي والإسلامي ما زال في مرحلة الطفولة، كما أنه يعاني من ضعف الإنفاق العلمي، في حين تحتل الدول العربية المراكز الأولى في مجال الإنفاق على الأسلحة.

ففي الوقت الذي ينفق فيه العرب نحو ستمئة مليار دولار على الأسلحة وفقا لعدة إحصائيات، فإن حجم الإنفاق على البحث العلمي لا يتجاوز ستين مليون دولار في كل الوطن العربي.

وعلى سبيل المثال فإن تكلفة ما صرفته الجامعات العربية على البحث العلمي طيلة خمسين سنة هو 2.5 مليار دولار، بينما صرفت جامعة إلينوي على البحث العلمي خلال عام واحد 1.5 مليار دولار.

ويبدو أن الاختلاف يأتي في النظرة ذاتها تجاه موضوع البحث العلمي، فما زال العرب يتعاملون مع البحث العلمي على أنه نوع من الترف والرفاهية، بينما ينظر العالم المتقدم علميا إليه على أنه المستقبل.

 لماذا فشل العرب حتى الآن في تسجيل حضور واضح في ترشيحات نوبل العلمية؟

ليست هناك فرصة سهلة للعلماء في العالم العربي والإسلامي لإجراء بحوث رائدة في العلوم والتكنولوجيا في المسرح العالمي، فحتى أحمد زويل المصري الأصل تلقى جائزة الكيمياء لعمله في الولايات المتحدة الأميركية.

وكما قلت سابق أرى أن المشكلة هي الظروف السيئة التي يواجهونها في أبحاثهم والتي لا تفي أو تأتي بالقرب من الظروف الموجودة الآن في الغرب، فهناك صعوبات ومعوقات متعددة تعيق البحث العلمي العربي، من أهمها: عدم توفير البنية التحتية اللازمة للبحث العلمي، فهناك نقص واضح في الأجهزة العلمية مثل المختبرات والأجهزة ويرافقه غياب للتقنيين وقلة عدد الباحثين والمختصين وندرة تكوين فرق بحثية متكاملة.

أما المكتبات فهي ليست على المستوى المعاصر، فهناك نقص في المراجع والدوريات العلمية ودور النشر، أضف إلى هذا أن طلب وتبادل المعلومات بين المكتبات العربية والعالمية ضعيف، وعدم توفير مناخ علمي نزيه ذي حرية أكاديمية وسياسية بعيد عن الروتينيات وخالٍ من تأثير الواسطة أو القرابة أو الرشوة في الاستحقاقات والوظائف.

وهناك أسباب أخرى منها غياب السياسات والإستراتيجيات العلمية الوطنية الواضحة، وعدم وجود علاقة ترابط وطيدة بين مراكز البحث العلمي والوحدات الإنتاجية، وغياب القطاع الخاص عن المساهمة في الإنتاج العلمي، وعدم وجود إستراتيجية لتسويق أبحاث الجامعات وابتعاد الجامعات عن إجراء البحوث المساهمة في حلِّ المشكلات الوطنية.

وأخيرا نجد أن هذه المعوقات -بالإضافة إلى عدم وجود الحرية الأكاديمية والاضطهاد- تؤدي إلى هجرة الأدمغة العربية إلى الدول الصناعية المتقدمة مما يزيد المشكلة تعقيدا.

كي يستعيد العرب إسهاماتهم في مجال العلوم والابتكار عليهم  حل مشاكل و صعوبات ومعوقات البحث العلمي ابتداء من فهم الوقائع والتعامل معها بحكمة، ولذا أرى ضرورة الاستفادة من الخبرات العربية الموجودة في الخارج لتقليص الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العالم الإسلامي والدول المتقدمة.

يذرف العالم العربي الدموع على هجرة الأدمغة إلى الغرب، ويطلق المبادرات بين الحين والآخر من أجل عودة تلك الثروات المهاجرة إلى أرض الوطن، لكنه -بالرغم من ذلك- يتجاهل الكم الهائل من العقول المتغربة في أرض الوطن، التي أُهملت وطُمرت تحت أطنان من ركام الخمول وعدم المبالاة.

فعلى الرغم من أهمية الاستفادة من المغتربين، عن طريق وضع برامج تعاونية معهم ومع المؤسسات الأجنبية التي يعملون لديها -وبالتالي نتحول من هجرة العقول إلى كسب العقول- فإن الأكثر أهمية العمل على كشف وتسريع الثروات العقلية الهائلة من الموهوبين والمبدعين والعقول الفعالة الموجودة في الداخل، ومن الضروري في المقام الأول أن نتأكد من أن هذه "النفائس" لن تتحول إلى ما يشبه "العقول المتحجرة" حيث يصبح استردادها عندئذ أكثر صعوبة وكلفة.

وباعتقادي أن في الوطن العربي ثروة عظيمة تعلو على كل الماديات، ألا وهي الإنسان العربي ذو النفَس الطويل، حيث إنك أينما تضعه يبدع، لذلك يجب استغلاله ودعم ثقته بنفسه ووطنه.

إن المشكلة تتفاقم الآن، والعالم يتجه بقوة نحو مجتمعٍ واقتصاد قائمين على المعرفة المبنية على المعلومة وعلى تقنية النانو (التكنولوجيا الرقمية) حيث تلعب فيها العقول دورا حيويا بارزا، وهذا يدل -بالتأكيد- على أن الحاجة إلى الموهوبين والمبدعين الآن أصبحت أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

وأشك في إمكانية عكس هذه المعوقات دون التكامل السياسي والاقتصادي الرئيسي للموارد، جنبا إلى جنب مع عملية ترميم ضخمة للتعليم العالي في الدول الإسلامية والتركيز على البحث والتطوير.

إنني أعتقد أنه إذا استمر الوضع الراهن على ما هو عليه الآن، فإن العالم العربي سيتجاوزه الزمن، والنظام الشامل القائم على المعرفة أكثر كلفة في المدى القصير، لكنني أعتقد أنه وسيلة فعالة للكشف عن العقول واستخدامها بفعالية وتطويرها، وربما يتحول ليكون أقل كلفة في المدى البعيد.

 ترشحت لنوبل لكنك لم تحصل عليها، فهل تخضع جائزة نوبل لمعايير أخرى غير المعايير العلمية؟

Comments

عاجل