المحتوى الرئيسى

العميد عادل رجائى.. المقاتل يصعد إلى الجنة | المصري اليوم

10/24 01:17

كان يوم الأربعاء 11 سبتمبر عام 2013 يوماً كئيباً منذ ساعاته الأولى، كنت فى مهمة عمل بشمال سيناء مع زميلى مصور «المصرى اليوم» الموهوب تحسين بكر، وبينما نحن نتناول طعام الإفطار بالفندق الذى نقيم فيه فى حلول التاسعة صباحاً، جاءت الأخبار المأساوية، إنه استهداف مكتب المخابرات الحربية بمدينة رفح بسيارة مفخخة، مما أدى إلى تدمير شبه كامل للمبنى واستشهاد عدد من العسكريين والمدنيين وإصابة آخرين.

هرعنا إلى المكان، وفور وصولنا كانت المدرعات والدبابات كثيرة حول المكان، والشوارع خالية من المارة، وأصوات طلقات الرصاص وسارينة سيارات الإسعاف تملأ الأجواء، اقتربنا من موقع التفجير وقلوبنا ترتجف من الخوف، فربما تصيبنا زخة رصاص قاتلة، إلا أن الخوف تحول إلى سكينة وطمأنينة فور أن نادى علينا شخص من بعيد رافعاً يديه «تعالوا تعالوا.. متخافوش»، طلبنا تصوير الموقع والحديث مع الضباط والجنود، إلا أن قائد مكتب المخابرات طلب الانتظار لحين جمع أشلاء الضحايا وانتشال من هم تحت الأنقاض.

وقف الرجل الذى نزعت كلماته الخوف من قلوبنا عند الوصول بجوارى، رجل طويل القامة يرتدى الجاكيت الواقى من الرصاص والخوذة وعلى كتفية ثلاث نجمات ونسر، تعرفنا وتبادلنا الهواتف، وأخبرنى أنه العميد عادل رجائى، قائد العمليات العسكرية بمدينة رفح، وأنه وصل منذ فترة قصيرة للقيام بهذه المهمة بعد تصاعد العمليات الإرهابية بعد ثورة 30 يونيو، كانت بيده كاميرا صغيرة عليها فيديوهات للمبنى من الداخل بعد تفجيره بلحظات، حيث قال: «أنا أول واحد وصلت هنا بعد الانفجار»، شاهدنا الفيديوهات التى وصفت من خلالها جزءا مما كتبت فيما بعد، ثم حكى لى تفاصيل ما حدث كاملاً، ومنحنى القائمة الأولية لأسماء شهداء الحادث والمصابين، ثم طلبت منه التوسط لدى قائد المكتب ليبدأ الزميل المصور عمله فلم يتأخر واستجاب لطلبى.

انهمك زميلى المصور فى عمله ووقفت جانباً مع هذا القائد نتحدث عن أحوال سيناء وأسباب تدهور الوضع الأمنى فيها، وأتذكر أنه قال: «الوضع هيستمر كده شوية لإن الإرهابيين اللى دخلوا سيناء من بعد 25 يناير لحد 30 يونيو مش قليل»، ولكنى قلت له إن هذا الواقع المرير قد يكلف القوات المسلحة كثيرا من الدماء التى تنزف يومياً من شرايين رجال الجيش فقال: «إوعى تفتكر إن العسكرى أو الضابط اللى هنا متضايق أو خايف، كل واحد هنا بيشوف زميله استشهد قدامه بيبقى زعلان إنه نازل إجازة لإنه عايز يفضل طول الوقت يقاتل ليقتص لزميله الشهيد، أنا نفسى بكون أول واحد فى الصف قبل الجنود، رغم إنى ممكن أقعد فى المكتب أدير العمليات عبر اللاسلكى، لكن هنا كله مقاتل واحد، أنا كنت فرحان جداً لما اتنقلت لرفح فى نشرة التنقلات، لإنى قرأت كتب كتير عن أمجاد وبطولات الجيش فى سيناء فى الحروب اللى فاتت وأمنيتى اللى بتمناها من ربنا طول الوقت إنى أتشرف بالشهادة فى الأرض دى».

سألته متعجباً عن مساعدته لنا رغم انشغاله بالحادث الأليم، فقال: «إنتم الصحفيين الوحيدين اللى غامروا ووصلوا للمكان ولازم أساعدكم لإنكم بتنقلوا الصورة للناس فى كل مصر، وكمان يا سيدى أنا زوجتى الصحفية سامية زين العابدين وعارف هى بتتعب قد إيه فى شغلها عشان كده مقدر مجهودكم»، استأذنا فى الانصراف على وعد بلقاءات أخرى، وهو ما حدث بالفعل مراراً وتكراراً، فقد كان مكتبه ملاذاً لى كلما زرت رفح، وفى إحدى المرات ذهبت لعمل تحقيق عن الأنفاق فى رفح، فخرج الرجل معى بنفسه ليطلعنى على الأنفاق التى تم هدمها وشرح طريقة الهدم ومدى خطورة هذه الأنفاق على سيناء ومصر كلها، وتأخرت فى هذا اليوم فى رفح ودخل الليل وبدأ حظر التجول ولم أجد طريقة للعودة إلى العريش للمبيت فعرض الرجل علىَّ المبيت معه، إلا أن هذا الأمر لم يكن فى مقدورى لارتباطى بموعد كتابة التحقيق وتسليمه، فلم يفكر لحظة قبل أن يتخذ قراراً بخروج مدرعة من طراز «فهد» تقلنى إلى العريش فى جوف الليل وتعود لموقعها مرة أخرى، إنه موقف لن أنساه أبداً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل