المحتوى الرئيسى

فرح أنطون.. رواية هزت مصر كلها (1)

10/23 22:42

فرح أنطون مفكر وسياسى وفيلسوف، كتب كثيراً جداً، لكن روايته «الدين والعلم والمال» نجحت فى 1903 أن تهز أركان مصر كلها. ولعل مطالعة سريعة لها يمكنها أن توضح آفاق الصراع الاجتماعى فى مصر المحتلة التى كانت رأسماليتها فى بداياتها الأولى. فلنحاول أن نعيش فى هذه الأجواء مع رواية «الدين والعلم والمال»، المدن الثلاث (مطبعة الإسكندرية 1 يوليو 1903). وأبدأ بدهشة بالغة، فهذه الرواية الأهم لم يلتفت إليها أى باحث ممن كتبوا عن فرح أنطون. ويمكن القول إن السبب فى أهمية الرواية هو نفسه السبب فى تجاهلها، وهو أن «فرح» قدّم عبر الرواية شروحاً مبسطة وراقية للفكر الثورى. ومن البداية يوجه «فرح» سهامه، فعلى الغلاف عبارة ذات مغزى هى «فليحذر العالم من يوم يصير فيه الضعفاء أقوياء، والأقوياء ضعفاء»، ويتحدث «فرح» فى المقدمة عن شكل وتسمية هذا المطبوع، وهل هو كتاب أم رواية، ويقول: «لقد سميناه رواية على سبيل التساهل، لأنه عبارة عن بحث فلسفى اجتماعى فى علاقة المال والعلم والدين، وهو ما يسمونه فى أوروبا بالمسألة الاجتماعية، وهى عندهم فى المنزلة الأولى من الأهمية لأن مدنيتهم متوقفة عليها» (المقدمة). ومحور «الرواية» (الكتاب) شاب اسمه «حليم» جاء من أقاصى البلاد ليشاهد المدن الثلاث التى تحدّث بذكرها الجميع. و«حليم» هذا شاب فى نحو الثلاثين من العمر (تقريباً فى سن فرح آنذاك، فهو مولود 1874)، وقد جاء سائحاً لمشاهدة هذه المدن الثلاث التى سمع بها وهو فى بلده، وكان رجلاً قد درس علوم المتقدمين والمتأخرين ووقف على المبادئ القديمة والحديثة وصار يطلب ضالته بينها على غير فائدة، فلا المدنيات القديمة تعجبه لأن حقوق الضعفاء كانت مهضومة وبناءها قائم على القوة. ولا المدنيات الحديثة ترضيه لأنها جعلت الحياة عراكاً هائلاً وجهاداً عظيماً بين الناس.

ولكن ذلك لا يعنى أن فرح (حليم) يبقى بغير هدف لا القديم يعجبه ولا الحاضر يعجبه، ذلك أنه «وهو خلال الدراسة كان قد لمع فى ذهنه عصر يسميه مؤرخو اليونان العصر الذهبى، ويسميه كتّاب المسيحية عصر الفردوس الأرضى تبقّى منه فى فكره أثر كان يلمع فى ذهنه كلما رأى زحام الحياة والجهاد بين أفرادها». وبعد ذلك يأتى بنا فرح (حليم) إلى حوار جرى بين القوى المتصارعة الثلاث أمام رئيس الاجتماع، وهو رئيس جمهورية المدن الثلاث الذى افتتح الجلسة قائلاً: «نحن الآن مستعدون للاستماع للشكاوى التى اجتمعنا للنظر فيها بصدق وحسن نية. فنهض زعيم العمال وقال: إن شكوى العمال هى من طمع أرباب الأموال، فالعمال يتعبون وينتجون وأرباب الأعمال يتمتعون ويتلذذون، فمن العدل أن يتشارك العمال مع أرباب الأموال فى الأرباح. ويرد ممثل أصحاب الأموال (وهنا نلاحظ أن فرح يقدمهم لنا وهم يتمتعون بدهاء وخبث ويتمسكنون وكأنهم هم المظلومون) فيقول: «إن شكوانا ليست من العمال أنفسهم، فإننا نحب عمالنا كما نحب أولادنا، كيف لا وهم شركاؤنا فى أعمالنا، وإنما تأتى شكوانا من بعض الطامعين المضللين الذين يثيرون خواطر العمال ضدنا، ويحرّضون طبقتهم للعمل ضد طبقتنا، فلتعمل الحكومة على إبعاد هؤلاء المحرضين عن العمال وسيجدون أن السلام سيستقر بيننا وبين عمالنا». وهنا طلب أحد ممثلى فريق العلم الكلمة وقال: «إذا صح أنه متى رفعت يد الذين يسمونهم محرضين بين العمال وأصحاب الأموال فإن السلام سوف يستتب فى الحال، فقد زال نصف شكوى أهل المال. وإنما يتبقى عليهم فى هذا الموضوع أن يبحثوا هل سيؤدى هذا السلام بين أصحاب المال والعمال إلى إقرار حالة من هناء العمال وراحتهم وسعادتهم أم يتحول هذا السلام إلى موت أدبى ومادى مثل السلام الذى يعم سكان القبور». ومضى ممثل أهل العلم قائلاً: «إننا نحن أهل العلم نفتخر بأننا حللنا فى هذه المسألة محل أهل الأديان، وصار همنا الأول التفكير فى كيفية إنهاض أحوال الشعوب وترقيتها، وليس كما فعل أهل الأديان الذين أصبحوا مثل الملوك الذين يخلعون أنفسهم. ولذلك تراهم يكثرون من التزلف للأغنياء وأرباب الأموال ويجارونهم فى كل شىء حتى فيما يخالف مبادئهم الدينية وينقض أساس أديانهم ويعملون على إلهاء الشعب فيشغلونه بالأوهام والأحلام حتى لا يتمسك بمصالحه الحقيقية» (صفحة 14).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل