المحتوى الرئيسى

كارثة الفانتوم وجامعة الاستنزاف! (3-4) | المصري اليوم

10/23 22:31

تاريخ الزعماء لا يختصر فى هزيمة أو نصر.. ناصر قائد العروبة هو أيضا من أضاع مصر فى 1967 واليمن ثم ثاب إلى رشده قبل وفاته وخطط للحرب.. السادات بطل الحرب والسلام هو صاحب نظرية الانفتاح الاستهلاكى وأنهى حكمه بأكبر حركة اعتقالات للمثقفين فى مصر.. مبارك حوكم بسبب الفساد واستغلال النفوذ لكن لا يمكن أن تلغى دوره كمفتاح النصر فى حرب أكتوبر 1973..

لا نستطيع أن نكون منصفين فى أحكامنا.. روميل النازى مازالت معاركه فى الصحراء تدرس لطلاب الكليات العسكرية.. لكننا نهوى الشائعات ونصدق الخصوم ونقول كلاما وعكسه وسأضرب لكم مثالا بالصحفى الكبير عادل حمودة، فقد حاور فى صيف 2014 اللواء عبدالسلام المحجوب محافظ الإسكندرية الأسبق، وأحد ثعالب المخابرات العالميين، وأكد المحجوب فى حواره لصحيفة «الفجر» أن اشرف مروان لم يكن يوما جاسوسا لإسرائيل وأن السادات استخدمه كطعم ابتلعه اليهود..

أكثر من ذلك كان المحجوب هو الذى يتولى تدريب أشرف مروان داخل رئاسة الجمهورية فى سرية تامة ولم يكن يعلم بالمهمة سوى الرئيس وعبدالقادر حاتم فقط الذى ذكر نفس التفاصيل فى كتاب الإعلام والخداع الاستراتيجى عام 1977.. لكننا فوجئنا بعد ذلك بالأستاذ «عادل حمودة» نفسه بعد عامين ينشر كتابين لصحفيين إسرائيليين يثبتان أن مروان كان جاسوسا لإسرائيل!! هل هى أمانة صحفية أن تكتب وجهة نظر عدوك مع أن المشرف على تجنيده بالمخابرات أقسم لك أنه «وطنى».. والأمثلة كثيرة..

الهدف من هذه السطور هو الكشف عن كيف انتزعت القيادة المصرية، ممثلة فى الفريق فوزى وزير الحربية، والفريق عبدالمنعم رياض، رئيس الأركان، القوات المسلحة من حالة الإحباط والخوف من عدو أسطورى إلى جسارة المواجهة وتغيير عقيدة القتال من القبول بالهزيمة من عدو يفوقك إمكانيات ومهارة ومساندة دولية، وعليك أن ترضى بنصيبك وبالقضاء والقدر، إلى الرغبة فى الثأر والانتقام..

التاريخ دروس للحاضر وزاد للمستقبل.. خصوصا التاريخ العسكرى.. فعندما يقول موشى ديان إننى لو حاربت مصر 20 مرة بنفس الطريقة سأهزمها.. ويؤكد أن المعلومات عندما جاءتهم أن السادات يستعد للحرب ضحكوا.. ثم عادت المعلومات فى مايو وأغسطس وسبتمبر 73 تؤكد ثم تنفى.. فسرها الإسرائيليون بأن الجنرالات المصريين يهدئون الرأى العام الغاضب ومظاهرات الطلبة.. ولم يدركوا أنهم سقطوا فى فخ المصريين إلا بعد فوات الأوان..

لقد كان لعبور المصريين ألف معنى.. أهمها أنه كان أكبر تعويض لهزائم 48، 56، 1967 والأهم أنه محا للأبد التفوق الجوى الأسطورى للإسرائيليين وغير أهم مفهوم فى الحرب الحديثة وهو أن الطيار الذى ينتصر وليست الطائرة.. نسفت 73 التى مازلنا مختلفين حولها، أهم نظرية غرسها رجال الدين والسياسة وعلماء السلالات البشرية أن إسرائيل ولدت لتبقى وأنها إذا بقيت سيتحول العرب إلى هنود حمر..

إن 6 أكتوبر ليس يوما من شهر ولا شهرا من عام.. وإنما هو بداية أيام وشهور وسنوات نفتحها بإرادتنا وقوتنا وبالعلم الذى نطوره ويطورنا وبالسلاح نسيطر عليه ونندفع به حماية لأرضنا ومستقبل أبنائنا.. لكننا للأسف حولناه إلى يوم للتشكيك ومناصرة الشاذلى على أحمد إسماعيل وناصر على السادات وتمادينا وزعمنا أنه تمثيلية أو نصر بطعم الهزيمة.. يا خسارة..

أعود لمبارك وأؤكد أنه طوال روايته لإعادة بناء سلاح الطيران يوضح الدور المميز للمشيرين الجمسى ومحمد على فهمى ودورهما الفذ فى حرب أكتوبر الذى بدأ منذ حرب الاستنزاف..

منذ بداية تولى مبارك رئاسة أركان القوات الجوية كان هدفه كما قلت الثأر من موردخاى هور، قائد السلاح الجوى الإسرائيلى.. واعتبارا من 22 يونيو 1969 تاريخ تقلده رئاسة أركان القوات الجوية وحتى 73 كان همه الأكبر تلقين الطيارين أن الهزيمة كانت للتقصير وليس للقصور أو لأنه مهزوم بالفطرة.. كانت هذه نقطة البداية.. تنبهت القيادة المصرية إلى أن الضربة الإسرائيلية الكاسحة كانت بسبب ثغرة رهيبة فى عوامل الإنذار المبكر والإعاقة «الدفاع الجوى» وهنا يبرز الدور الرائع للمشير محمد على فهمى الذى أتناوله فى حينه وكذا رئيس هيئة العمليات المشير الجمسى..

استنهض مبارك همة الطيارين المصريين منذ كان مديرا لكلية الطيران حيث أحيا تجربة مبهرة لطائرات ميج المصرية عام 1956 الذى شهد العدوان الثلاثى على مصر.. وهو العام الذى شهد تدمير السلاح الجوى المصرى أيضا بأكمله على الأرض وهى «الضربة الأم» التى اقتبسها هور بعد ذلك..

خرجت 4 طائرات كانبرا بريطانية «الأحدث آنذاك» باعتراف أنتونى إيدن فى طلعة استكشافية بتشكيل مصرى من الميج 17، 19 يطاردها بكل كفاءة ويجبرها على العودة وأصيبت إحدى الطائرات البريطانية بعطب فى جناحها وعادت المقاتلات المصرية سالمة.. إذن نحن نقدر، حتى ونحن متخلفون تكنولوجيا، على النصر..

وبدأ المبدأ الجديد الذى أرساه الراحل عبدالمنعم رياض يسود القوات المسلحة المصرية بما فيها سلاح الطيران.. المقاتل أهم من السلاح..

بدأ مبارك عملية تضميد الجراح كمدير الكلية الجوية.. التخلص من الأثر النفسى البغيض لـ67 بدأ بالتحفيز.. ثم استعراض العمليات البطولية للمقاتلات يومى 5، 6 يونيو و14، 15 يوليو.. وهى معارك لم يسمع عنها أحد.. هدف القوات الجوية كان شرح حقيقة هامة غابت عن إسرائيل المغرورة أو المنفوخة زهوا بالنصر الرخيص الذى حققته فى 6 أيام.. هذه الحقيقة هى أن العدو حطم الطائرات لكنه لم يحطم الطيارين والفنيين.. كان الدرس الأول للطيارين الجدد هو عرض نماذج من بطولات 67 التى طمست بفعل الهزيمة فكانت بمثابة نار أشعلت الصدور بالغيرة من الشهداء وطلب الموت فداء لمصر..

الرائد شلش والنقيب فتحى يصدر لهما أمر يوم 7 يونيو 67 بالتصدى لعملية إسقاط مظليين فى سيناء من طائرات نقل إسرائيلية فى حماية الميراج الحديثة.. يقلعان ويسقط فتحى بمفرده 3 طائرات ميراج ويستشهد قبل وصوله لقاعدته لنفاد الوقود ويسقط شلش طائرة محملة بالجنود وأخرى ميراج..

الرائد طيار مدحت المليجى تنجو طائرته من الضربة الأولى فى 5 يونيو ويقلع بالسوخوى يوم 6 يونيو إلى عمق إسرائيل ويقصف مطاراتها ويدمر سيارات ومنشآت ومخازن وقود ويستشهد.. الرائد حشمت والملازم أول طيار سعد يشتبكان بطائرتى ميج 19 مع دورية من 12 طائرة ميراج قرب مطار الملز ويسقطان خمس طائرات وتهرب الطائرات الإسرائيلية ويهبط حشمت وسعد بالمظلات..

يؤكد مبارك أن السلاح الجوى المصرى المنتصر فى حرب أكتوبر تخرج من جامعة حرب الاستنزاف التى زودته بشهادة تفوق فى التدريب والابتكار وتطويع التكنولوجيا الغربية لخدمة طائرات روسية لأول مرة فى التاريخ.. لكن الثقة الحقيقية للطيار المصرى كانت فى ديسمبر 1969 عندما واجهت الميج 21 لأول مرة أحدث طائرة فى العالم وهى الفانتوم أو الشبح الطائر أو وحش السماء، كما سمتها إسرائيل، لتلقى الرعب فى قلوب الذين آمنوا من المصريين.. كان أسلوب إسرائيل هو الاختراق فى العمق من رأس البر.. ظهر تشكيل معاد من الفانتوم وتصدى له قائد سرب مصرى هو الرائد سامح ومعه شباب تخرجوا من جامعة الاستنزاف أيضا.. أصدر سامح أمرا لتلميذه الملازم أول عاطف بأن ينحرف بعيدا ثم يظهر فجأة أمام طائرة الفانتوم.. نفذ عاطف الأوامر وأسقط الفانتوم.. وأصاب الآخرون أجزاء من مقاتلات إسرائيلية اضطرتها للعودة لقواعدها..

فى يوليو 1970 وجه الطيران المصرى أقوى صفعة لغرور تل أبيب التى أحزنها سقوط طائرتين فقررت عقاب الطيران المصرى وأرسلت سربين من الفانتوم لاقتحام مجالنا الجوى فأسقط الدفاع الجوى ومقاتلاتنا 16 طائرة فانتوم أى ربع ما تملكه إسرائيل آنذاك منها.. ساعتها فقط أدرك الأعداء أن المصريين تغيروا كثيرا..

الفضل للمشير محمد على فهمى فى إنشاء سلاح الدفاع الجوى عام 1969 وجعله سلاحا منفصلا بعد أن كان تابعا للمدفعية قبل 1967.. طور المشير فهمى شيئين فى غاية الأهمية هما التناغم بين المدفعية المضادة وصواريخ سام 6 ونظرية البالون التى قيل إنها بدائية، ولكن المشير فهمى جعلها اكثر فعالية لمواجهة الطيران المنخفض، وكانت تستخدم فى كل العالم ثم أحيلت للتقاعد بعد 1945.. فهمى حدث سلاح البالونات ودرب الأفراد على نفخها ورفعها لأماكن محددة تسمح لطائراتنا بالهبوط الآمن فى المطارات وتعوق طائرات الأعداء من الاقتراب منخفضة عن الرادار وأجهزة الإنذار المبكر..

Comments

عاجل