المحتوى الرئيسى

توم هانكس يواصل الاحتراق في جحيم دان براون- مراجعة نقدية لـ Inferno

10/23 21:59

رواية "ملائكة وشياطين" Angels & Demons التي كتبها دان براون وصدرت عام 2000 كانت محطة ميلاد شخصية "روبرت لانجدون"، أستاذ علم الرموز الدينية والتاريخية في جامعة هارفارد، الذي يتورط في ألغاز متعلقة بتخصصه الأكاديمي. لكن الأرقام القياسية للمبيعات تحققت عام 2003 بفضل الرواية الثانية "شفرة دافنشي" The Da Vinci Code خصوصا بعد الجدل الذي أثارته دينيا وسط الطوائف المسيحية.

هوليوود كعادتها في التخطيط التسويقي، قررت أن تبدأ بالرواية الأنجح والأشهر، وحشدت لشفرة دافنشي طاقم من الطراز الأول. الكل انتظر الكثير والكثير مع تواجد توم هانكس في دور البطولة، واختيار رون هوارد صاحب أفلام Apollo 13 - A Beautiful Mind للإخراج، لكن مع عرض الفيلم في صيف 2006 خيبت النتيجة الآمال.

الإيرادات كانت أكثر من ممتازة عالميا، لكن أغلب الجمهور اعتبر الفيلم معالجة سيئة ومجحفة جدا للأصل الأدبي. أما النقاد فقد هاجم أغلبهم الفيلم، وهو رأى أتفق معه لدرجة تصنيف الفيلم كأحد أضعف أعمال رون هوارد كمخرج، وتوم هانكس كممثل. رغم ذلك ولأن شباك التذاكر هو الفيصل، عاد نفس الفريق لتنفيذ فيلم "ملائكة وشياطين" عام 2009 محققا إيرادات أقل، وان كانت مغرية لمواصلة السلسلة.

في 2009 أيضا صدرت الرواية الثالثة "الرمز المفقود" The Lost Symbol التي أخفقت في تحقيق نفس الأمجاد في المبيعات، لتتخطاها لاحقا الرواية الرابعة "الجحيم" Inferno عام 2013، ومن جديد قررت هوليوود أن تعيد ترتيب أوراقها طبقا للأكثر مبيعا، فاختارت الأخيرة محورا للفيلم الثالث.

السؤال الرئيسي بسيط، بالنظر لحصاد وسمعة أول فيلمين: هل سيحاول فريق العمل تقديم شيء مختلف، لتحقيق تحسن ملموس في المحاولة الثالثة، أم أن الفيلم ببساطة مجرد محطة تجارية معدومة الطموح؟

يؤسفني أن الاحتمال الثاني هو الصحيح، والنتيجة فيلم أقل وأقل من كل ما سبق. لا يوجد شيء هنا يوحي بمحاولات إتقان، ويبدو أن فريق العمل أصيب بنوع من التبلد، وأصبح يتعامل مع السلسلة باعتبارها سلسلة مغامرات من الدرجة الثانية.

توم هانكس اختيار غير مناسب من البداية لشخصية "روبرت لانجدون". حقيقة مؤلمة لكنها حقيقة. هانكس يلمع عادة كنجم في دور الرجل البسيط العادي النبيل، الذي تجبره الظروف على التعامل مع معطيات غير عادية. القائمة طويلة وتتضمن مثلا (Apollo 13 - The Green Mile - Saving Private Ryan - Cast Away - Captain Phillips - Sully).

اقرأ أيضا: الدراما تُقلع بهبوط إجباري للحقائق في Sully

هنا في دور الأكاديمي المخضرم المتخصص في مجالات معقدة، الباحث باستمرار عن المغامرات والمتاعب، يبدو هانكس تائها. ومع مسار أحداث لا يسمح له باستعراض عضلاته كممثل في مساحات عاطفية وإنسانية، يحترق هانكس الذي نعرفه أكثر وأكثر، تاركا ظل باهت يتحدث ويجري ويقفز طوال الوقت على الشاشة دون أثر يذكر.

سيناريو ديفيد كويب يضاعف الأعباء في هذه النقطة. بطلنا متفوق على من يطاردونه دون تبرير مقنع. شرطة، قتلة محترفين، سيارات، طائرات، كاميرات تجسس، في مطاردة باهتة بعد مطاردة باهتة تم تنفيذها بشكل كسول وفقير، لدرجة تجعل أحد المشاهد التي يهرب فيها البطل خلال أحد المطاردات، أقرب لمسلسلات المغامرات الرخيصة الإنتاج، منها إلى فيلم هوليوودي ضخم.

حتى محور الألغاز والرموز، الذي خلق مساحة تشويق جيدة في الفيلمين السابقين، وترك الجمهور في حالة اندماج وتعطش للوصول لحل اللغز، أصبح هنا أقل وأقل، ليفقد "لانجدون" كشخصية كل ما يميزه عن أبطال هوليوود التقليديين.

هذه المرة تشاركه المغامرة الطبيبة "سينا بروكس"، وامتدادا لسمعة السلسلة في إهدار المواهب التمثيلية، تقوم فيليستى جونز بالدور دون أن تضيف شيء يذكر لرصيدها، وهو نفس ما يمكن قوله عن الممثل الهندي عرفان خان، والفرنسي عمر سي.

رون هوارد رغم تاريخه الكبير كمخرج، لم يقدم بصريا ما يستحق الإشادة، ولولا بعض مواقع التصوير الثرية في روما واسطنبول، لأصبحت الصورة طوال الوقت مملة وفقيرة، خصوصا مع الاستخدام الرديء والمتكرر لخدع "الجرافيك"، في تنفيذ مشاهد هلاوس بصرية، يمر بها البطل من وقت لأخر.

إجمالا Inferno فيلم هوليوودي ضعيف، يمكن تقبل وجوده من أسماء صغيرة، لكن يصعب تقبله من أسماء ثقيلة بهذا الوزن. بعض الأفلام سيئة يسهل ملاحظة النوايا الجادة والجهد المبذول فيها، حتى إذا كانت النتيجة النهائية عمل رديء. بعض الأفلام سيئة لأن صناعها لم يهتموا من الأصل بضخ جهد كبير فيها، وهذا للأسف الحال هنا.

فيلم "شفرة دافنشي" حقق 758 مليون دولار عالميا عام 2006، ثم تراجعت الإيرادات بمقدار الثلث مع "ملائكة وشياطين" الذي حقق 486 مليون عام 2009. أكتب هذه السطور قبل بداية عرض Inferno في أمريكا وغيرها من الأسواق الرئيسية، وأتوقع أن يحقق بدوره تراجعا ملموسا أيضا.

هذا عن التوقعات، أما أمنيتي فهي ألا يحقق ما يكفي لتنفيذ فيلم رابع!.. يمكنني بالتأكيد تقبل فيلم متوسط أو رديء من وقت لآخر، من نجم بوزن توم هانكس، أو مخرج بتاريخ رون هوارد، لأن لكل جواد كبوة، لكن اختيار نفس الكبوة عمدا للمرة الرابعة، أمر يصعب تقبله أيا كانت المبررات.

على كل، تبقت رواية واحدة في السلسلة، وهو ما يعني أننا سنحصل على العفو قريبا في جميع الحالات!

مطاردات مملة وأداء تمثيلي باهت، في فيلم مغامرات محبط حتى مع سقف التوقعات المنخفض بسبب أول فيلمين.

نرشح لك

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل