المحتوى الرئيسى

سارة المغازي تكتب: هل كل امرأة أنثى | ساسة بوست

10/23 18:24

منذ 11 دقيقة، 23 أكتوبر,2016

«لو أن المرأة بجانبي كانت قطة لكانت تستلقي في سلة وثيرة بالقرب من مدخنة، لا تكاد ترفع جفنيها من الترف أو لكانت متكومة في حضن صاحبتها، تموء مستأنسة وتلوح بذيلها كما يحلو لها. لو أنني كنت قطة لكنت أجلس متلهفة عند إفريز النافذة طوال اليوم، أرقب السيارات العابرة ولكنت هربت من المنزل نحو العالم الواسع في الخارج عند أول فرصة سانحة».

كتبت ألف شفق هذه الكلمات في كتاب (حليب أسود) وهي تصف امرأة تجلس بجانبها على سطح الباخرة. كانت المرأة تمثل كل ما لا تفعله ألف؛ ترتدي فستانًا يكاد يتفتق عند الصدر مبدية أنوثتها بكل ثقة، تضع طلاء أظفار أحمر يتألق في أصابع قدميها وترتدي صندلًا مفتوحًا كالوشم على قدميها. وصفتها ألف «بالنسبة إليها تجيء الأنوثة كالطبيعة٬ كالتثاؤب والعطاس هكذا بلا تعب.. أما أنا فالأنوثة أمر علي مراقبته ودراسته.. علي أن أتعلمه وأحاكيه ورغم ذلك لا أستطيع أبدًا احتواءه».

كانت هذه الكلمات غريبة بالنسبة إلي من الكاتبة لأنها بالنسبة لي رمز للأنثوية. رواياتها تمتلئ برقة المشاعر وجمال عيون ترى الجمال في كل شيء. هذه الرقة المكتوبة جعلتني أراها فاتنة في نحافتها الزائدة، وأجد في عيونها الشاحبة غموضًا ساحرًا. وحبها للأسود شيء مميز بها فقط لا غير. لكنني أتفهم شعورها جيدًا وأعرفه. والحقيقة أن نسوة كثيرات احترن في فهم كلمة (الأنوثة) وتطبيقها. هل هي الدلال والتغنج والنظرات التي تهزم إرادة أي رجل؟ هل هي (ضحكة عيونها) و(القد المياس) و(كعب الغزال)؟ لو دخلت أرض النساء لتعجبت من الشرف والإنجازات التي يتفاخرن بها. قد تجد الفتاة الذكية صاحبة القلب الشجاع تجلس تغزل صوفًا على قارعة الطريق في حين يمر موكب امرأة تتقن الرقص بين المارة وتتهامس الأمهات والعجائز بحسرة على بناتهن الفاشلات. ولأن أرض النساء واسعة مترامية الأطراف يوجد في كل زواية فيها فتيات بأشكال وألوان لا تتطابق واحدة مع أخرى. لذلك فإن إصرار الجيل القديم على تعليم البنات شكلًا موحدًا للأنوثة يفشل عادة ويجعل الفتاة تشعر بكم أكبر من الخزي. أنت لا تعرف شعور أن يتيه الإنسان في معرفة هويته. يسأل الرجل (ما معنى رجل) أو الفتاة (ما معنى أنثى). دائمًا ما فكرت هل هذا سؤال يصلح؟ هل هناك طفل يتوقف ويسأل نفسه (من هو الطفل)؟ إنه يركل ويصرخ ولا يستجيب لنداء الطعام ويملأ أرجاء البيت بالضحك. كل الأطفال يفعلون ذلك. يستجيبون للعب والمرح حتى لو كانت أمهم ميتة منذ بضعة أيام. جوهر الشيء لا يتغير ولا يُنسى ولا حتى يُدرس. نحن نولد وبداخلنا كتالوج مفصل لذاتيتنا نمارسه بلا وعي.

شاهدت منذ فترة إعلانًا دعائيًّا إلا أنه أثر فيّ كثيرًا وأكاد أجزم أنه فعل في كثير من الفتيات اللاتي حرص أهلهن على اهتزاز ثقتهن بأنوثتهن. أتوا بمجموعة من المراهقات والصبيان وسألوهم «لو قلت لك اركض كفتاة فماذا ستفعل»؟ فبدأت المجموعة بفعل حركات خرقاء وضحكات خجولة من الفتيات. بدا الأمر وكأن فعل الركض ليس مدرجًا في قائمة الأنثوية. ثم أتوا بمجموعة ثانية من فتيات صغيرات وسألوهن نفس السؤال، فكانت النتيجة أنهن انطلقن بقوة أجسادهن وقذفن الكرة بأقصى ما تستطيع أذرعهن أن تفعل. كانت النتيجة فتيات جميلات نجحن في فعل المطلوب منهن. لم يظهرهن هذا بمظهر أكثر خشونة ولم ينتقص من جمال وجوههن وظرف أرواحهن. ما فهمته جيدًا في هذا الإعلان والذي أعترف أني فهمته لأول مرة أن كل ما أفعله حقيقة في كل تصرفاتي هو «أنثوي» بمعنى الكلمة. وأنه حينما أحب وأتحمس لأشياء فهذا لأن الفتاة تحب ذلك. ذات مرة كنت أحكي لأمي عن حلمي في تسلق جبل إفرست والسفر بسفينة حول العالم فوجدتها تبتسم وتقول «أتعرفين.. لو كنتِ ولدًا لكنتِ ولدًا رائعًا». هذه الكلمات كانت كالحلوى والعلقم في فمي. سعدت كثيرًا أنها تعترف بأن أحلامي مباحة ورائعة لكن من يتبنَّها يخرج من أرض النساء. شعرت أنني أقف على باب الأرض منفية خارج حدودها. أنظر أمامي للشمس والعالم الواسع والمغامرات اللامحدودة فتتألق عيني ويركض قلبي إلى هناك. لكني أشعر بغربتي عن نفسي وأتساءل لمَ أنا عاجزة عن أن أكون «فتاة». أدركت بعدما شاهدت هذا الفيلم القصير كم كنت ظالمة لنفسي طوال الوقت.

إن الأمهات يقلقن غالبًا على بناتهن المختلفات لأن الرجل لا يحب المفاجآت. هو يملك كتابًا صغيرًا يعرفه بكائن المرأة وقد قرأه وأعجبه واكتفى به. لو اكتشف أن لهذا الكتاب أجزاء أخرى يتم شحنها من بلاد بعيدة وعوالم زمنية مختلفة لربما عجز عن الفهم لذلك فهو يفضل الجانب المريح الآمن الذي تعلمه. لكن الأمر ليس معقدًا بتلك الدرجة. حينما تقرأ موضوعًا فإنك تدرك جوهره من البداية حتى لو كان الكتاب مليئًا بالقصص المختلفة. جوهر الأنوثة هو الحنان والقدرة على الحب وإضفاء الجمال على الأشياء ولذلك كان منها الأم. وجوهر الرجولة هو الشجاعة والمسئولية وحماية من داخل عرينه ولذلك كان منه الأب. ضع تحت تلك المعاني ألف تطبيق وألف قصة. حينما تفعل ذلك فأنت تستمتع بحكايات الكتاب بذكاء وتهدم نظرة الجهلاء التي تجعل من امرأة مليئة بالقسوة والأنانية «متفجرة الأنوثة»، وتجعل من رجل جبان غير قادر على الاعتراف بأبوته لولده «معشوق النساء».

لكني أتفق مع شيء؛ أن الاسترجال والتخنث هما ردود أفعال «افتعالية» غير طبيعية. يفعلها أحد الجنسين لأنه يرى في هويته ضعفًا لا يحميه. كأن تجد امرأة تصرخ وتشتم في الشارع. هي تحتمي بالرجولة وليست تحبها أو تتبناها. بل بالعكس أنا أرى مدى الألم الذي يملأ تلك المرأة وأجدها غالبًا تبكي بعد معركة نفسية عنيفة؛ لأنها بذلت مجهودًا كبيرًا في دفن أنوثتها ومجهودًا أكبر في الافتعال. ستدركين الفارق حينما تنظرين لما تفعلين. لو أنك تحبين لعب الكرة والتسلق والملاكمة لأنك تكونين سعيدة فأنت «تفعلين الأنوثة» وقد رأيت (هداية ملاك) الملاكمة المصرية التي لم تستطع ضرباتها القوية أن تغلب عذوبتها ورقتها. لو تفعلين ذلك ليرى معشر الرجال مهارتك وقوتك فأنتِ «تفتعلين الرجولة». الإنسان عمومًا يلجأ إلى الافتعال حينما يكون متوترًا أو خائفًا. لذلك فالعلاج ليس في افتعال الثقة لأنكِ ستأتين بحركات غبية غالبًا، إنما في علاج مصدر التوتر والخوف ذاته. أن تعالجي أفكارك الداخلية عن نفسك وتعملي على تكوين صورة داخلية واضحة لأفضل وأسوأ ما فيك. حينما تعرفين نفسك فلست مضطرة لتصديق حكم الآخرين ولا الخوف منهم. سيهدأ غضبك الداخلي ويبدأ ذكاؤك الأنثوي في ممارسة نشاطه كسيد حقيقي للمكان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل