المحتوى الرئيسى

قطاع الطاقة العالمي : معاييرُ تتبدل

10/23 17:31

ما هي التوقعات الخاصة باتجاهات الطاقة على المدى الطويل؟. وما هي التصورات المستقبلية لأسواق الطاقة العالمية خلال العقدين المقبلين؟. وأيضاً كيف ستكون معادلة العرض والطلب التي ترسم بدورها الخطوط العريضة لقطاع الطاقة في السنوات الـ 20 المقبلة؟.

في مطلع العام 2015، أصدرت شركة بريتش بتروليوم (BP) تقريرا جديدا حول آفاق مستقبل الطاقة منذ الآن وحتى العام 2035 حيث توقعت  أن يرتفع الطلب العالمي على الطاقة بنسبة تبلغ     37 % بين العامين 2013 و2035، أي بمعدل 1.4 % سنويًا.

وجاء في التقريرت هذه التوقعات أنه على الرغم من الضعف الشديد الذي تشهده الأسواق العالمية للطاقة، فإن استمرار التوسع الاقتصادي في قارة آسيا، وتحديدًا في الصين والهند، سيؤدي إلى مواصلة النمو على الطلب العالمي على الطاقة في غضون السنوات الـ 20 المقبلة.

وقد وضع النسخة الجديدة من تقرير آفاق مستقبل الطاقة للعام 2035 كل من سبنسر دايل، رايس، كبيرالخبراء الاقتصاديين في مجموعة  BP، وبوب دادلي، الرئيس التنفيذي للمجموعة.

ويرى سبنسر دايل أن هناك دليلا قوياً على أن المعايير في أسواق الطاقة هي دائمة التغير، ولذلك فإن من الصعب وضع الخيارات الاستراتيجية التي تواجه هذا القطاع ، وصناع السياسة على حد سواء.

وقد بين التقرير أن الطلب على النفط سيشهد نموًا قدره 0.8 % في كل عام حتى العام 2035. ويشير أن هذا الطلب سيشهد ارتفاعًا من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ فقد وصل استهلاك النفط من الدول الأعضاء في هذه المنظمة  ذروته في العام 2005، ومن المتوقع أن يشهد هبوطًا في العام 2035 إلى أدنى مستوياته منذ العام 1986. ويتوقع التقرير أيضًا أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مستهلك للنفط في العالم. كما يتوقع أن الولايات المتحدة ستصل إلى حد الاكتفاء الذاتي من انتاج النفط بحلول الثلاثينيات من القرن الحالي بعد أن كانت تستورد 60 % من حاجاتها الإجمالية للنفط حتى العام 2005.  

وحسب ابتقرير سيكون الطلب على الغاز، هو الأسرع نمواً بين كافة مشتقات الوقود الأحفوري من الآن وحتى العام 2035، بحيث سيرتفع بمقدار 1.9 % كل عام نتيجة للطلب المتزايد عليه من دول آسيا.

ويرى التقرير أن زيادة انتاج الغاز وخصوصًا في روسيا ودول الشرق الأوسط ستلبي نصف الطلب العالمي المتزايد على الغاز، بينما يتم تعويض النصف الآخر من الطلب من الصخر الزيتي. وفي حلول العام 2035، ستواصل أمريكا الشمالية التي تعد المنتج الوحيد تقريبًا للصخر الزيتي في العالم، انتاح نحو ثلاثة أرباع الكمية المطلوبة من الصخر الزيتي.

ونتيجة لزيادة نمو الطلب على الغاز، سيزيد تداول الغاز في جميع مناطق العالم، وفي مطلع العشرينيات من القرن الحالي ستتفوق دول آسيا والمحيط الهادي على أوروبا باعتبارها أكبر شبكة مستوردة للغاز في العالم.  كما يشير النمو المتواصل للغاز الصخري أن الولايات المتحدة ستتحول من أكبر مستورد للغاز، إلى أكبر مصدر له في السنوات القليلة القادمة.

وسوف تتم تلبية الزيادة في الطلب المتزايد على الغاز من خلال زيادة انتاج الغاز الطبيعي المسال الذي سيشهد نموًا كبيرًا في السنوات القليلة المقبلة بحيث تنمو قدرة الغاز الانتاجية بحوالي    8 % خلال الفترة حتى العام 2020، مما يعني أيضًا أنه وبحلول العام 2035 سيسيطر الغاز الطبيعي المسال على التداول في أسواق الغاز متجاوزاً كافة  مشتقات الوقود الأحفوري الأخرى.

وستشهد الأسواق أثارًا أخرى تترتب على زيادة حجم تداول الغاز الطبيعي المسال، فمن المتوقع أن تثمر هذه الزيادة عن زيادة تكامل وترابط أسواق الغاز حول العالم. ويتوقع أيضًا أن توفر تنوعًا أكبر في إمدادات الغاز ليصل إلى الأقاليم المستهلكة مثل أوروبا والصين.

ويرى قادة مختصون أن التغيُّرات في مصادر الطاقة العالمية، هي التي  سترسم ملامح استثمارات النفط والغاز المستقبلية، كما يرون أن الغاز الطبيعي يشهد أعلى طلب عالمي بين أنواع الوقود الأحفوري بزيادة 50 بالمئة في الاستهلاك بحلول 2040.

وحث خبراء في قطاع الطاقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، شركات النفط والغاز على إظهار مرونة وخفة عاليتين في منهجيات العمل، داعين إلى التكيف مع تنوع مصادر الطاقة المعروضة سريع التغير، وذلك من خلال البقاء في طليعة المنافسة عندما يتعلق الأمر بالابتكار والتقنيات المتخصصة.

وفي هذا السياق، قال علي الجنابي، نائب الرئيس ورئيس مجلس الإدارة في شركة شل أبوظبي، إن التغيّر الحاصل في مشهد الطاقة يحتّم على مجتمع النفط والغاز، أن يتبنى استراتيجيات انتقالية فعّالة داخل حقول النفط وخارجها، وذلك بالرغم من أن الوقود الأحفوري سيواصل تصدّر المشهد في مزيج الطاقة العالمي.

وأضاف الجنابي متحدثاً قبيل مشاركته المرتقبة في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك 2016) المزمع انعقاده في نوفمبر القادم: «ما من شك في أن الوقود الأحفوري سيستمر في كونه المصدر الرئيسي للطاقة خلال العقدين القادمين، ولكننا بالتأكيد سنظلّ نشهد حدوث تغيّرات كبيرة في مصادر الطاقة».

وأشار الجنابي إلى أن اللجوء إلى مصادر انبعاثات الكربون العالية، مثل الفحم، «قد ينخفض انخفاضاً حاداً في ظلّ المساعي التي يبذلها مجتمع النفط والغاز للبحث عن سبل تحدّ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، في حين أن مصادر الطاقة الأنظف من الفحم، كالغاز الطبيعي، سوف تلعب دوراً متزايد الأهمية على هذا الصعيد».

وقال: «سيساهم مشهد الطاقة المتغير هذا في رسم ملامح المقاصد الاستثمارية في المستقبل، وسوف يمكّن «أديبك» الجهات المعنية صاحبة المصلحة في قطاع النفط من تحديد الفرص المتاحة بما يتماشى مع التحول العالمي الحاصل نحو مصادر طاقة أكثر استدامة، باعتباره منبراً للتبادل المعرفي يجتمع حوله في مكان واحد خبراء كبار من أنحاء العالم».

وكان تقرير مشهد الطاقة العالمي 2015 قد توقع أن يصبح الغاز الطبيعي أسرع أنواع الوقود الأحفوري نمواً، وأن يزداد استهلاكه بنحو 50 بالمئة بحلول العام 2040. ويقول التقرير إن الشرق الأوسط والصين سوف تكونان من أهم مراكز النمو في الطلب على الغاز في العالم، وإن كلتيهما سوف تفوق الاتحاد الأوروبي في استهلاكه.

ويشير التقرير كذلك إلى أن خُمس الزيادة المتوقع حدوثها في الطلب العالمي على الغاز سوف تكون بحاجة إلى النقل مسافات طويلة عبر خطوط أنابيب ومشاريع لتسييل الغاز الطبيعي ذات تكاليف استثمارية عالية. وسيكون التحكّم في تكاليف هذه المشاريع أمراً حيوياً من أجل تحديد المكانة التنافسية لكل من النفط والغاز في المستقبل، وفقاً لخبراء.

لا بد من استراتيجيات مستدامة

وفي السياق ذاته، قال حاتم نسيبة، رئيس توتال للتنقيب والإنتاج في دولة الإمارات وممثل مجموعة توتال في الدولة، إن توتال ملتزمة بتحسين الطاقة، موضحاً أن هذا الأمر يعني «استراتيجيات مستدامة تُعنى بجوانب عدّة بدءاً من إنتاج النفط بتكلفة منخفضة إلى استكشاف تطبيقات جديدة للغاز الطبيعي، وذلك كجزء من جهودنا المتواصلة لتلبية الاحتياجات المتزايدة من الطاقة في العالم، مع الحفاظ على البيئة والحد من بصمتنا الكربونية».

وأضاف نسيبة، الذي سوف يشارك في ترؤس جلسة نقاش رئيسية خلال مؤتمر أديبك 2016، الذي يقام بين 7 و10 نوفمبر في مركز أبوظبي الوطني للمعارض: «يتيح أديبك لأصحاب المصلحة البقاء على اطلاع على أحدث المستجدات وأفضل الممارسات عبر جمع كبرى الشركات العاملة في قطاع النفط والغاز في مكان واحد يشكّل ملتقىً لتبادل الأفكار والرؤى التي تضمن مستقبلاً زاهراً للقطاع».

وترى انتصار الكندي المسؤولة الكبيرة في شركة «تنمية نفط عُمان» أن على قطاع النفط التركيز على الاستدامة حيث قالت مديرة التنقيب في الشركة، أن على شركات النفط في دول مجلس التعاون الخليجي التركيز على الاستدامة الاقتصادية إذا ما أرادت الحفاظ على قيمة الموارد الطبيعية الكامنة بالمنطقة في المستقبل، وأن ضمان استدامة الأعمال تمثّل هدفاً بعيد المدى لدى شركة تنمية نفط عمان، معتبرة في الوقت نفسه أن التحديات العالمية الراهنة التي تواجه قطاع النفط «تؤكد أهمية مسارعة القطاع إلى تحقيق الاستدامة».

 وتُعدّ شركة تنمية نفط عُمان من الشركات الرائدة في تقنيات تحسين انتاج واستخلاص النفط، إذ تبتكر الشركة حلولاً للمشاكل والصعوبات التي تواجه قطاع صناعة النفط، كان آخرها المشروع الكبير «مرآة» الشمسي الحراري الهادف لإنتاج بخار فائق السخونة يمكن حقنه في آبار النفط لجعل استخراج النفط الخام اللزج، المعروف بالزيت الثقيل عملية أكثر سهولة وأقل تكلفة. وتبلغ قيمة هذا المشروع 600 مليون دولار، ومن المقرر أن يدخل مرحلة العمل في العام 2017.

لا بد من إحداث التغيير

ويمكن للعائدات المادية من تلك المشاريع تعويض حالة عدم الاستقرار التي تشهدها أسواق النفط العالمية، وذلك في وقت تشهد فيه ميزانية السلطنة للعام 2016 انخفاضاً مقداره 33 بالمئة في عائدات النفط والغاز، لتصل إلى 6.15 مليار ريال عماني، مقارنة بـ 9.16 مليار ريال عماني لعام 2015.

وشدّدت الكندي على أهمية أن تقوم شركات النفط في جميع أنحاء المنطقة بإحداث التغيير في طريقة عملها إذا أرادت أن تنجح في ظل المناخ الاقتصادي الحالي، وقالت إن نجاحنا في المحافظة على إستدامة الأعمال يتطلب الوفاء بمتطلبات نشاطاتنا وعملياتنا الرئيسية، التي تشمل السلامة، وسلامة الأصول، والإنتاج، والاستثمار المبكر لفرص التنقيب، علاوة على إدارة الآبار، وتحقيق التميز التشغيلي، مع تخفيف الأثر البيئي، لافتة إلى أن بالإمكان إنجاز ذلك كله عبر الاستمرار في تطوير الأعمال وفرض رقابة صارمة على التكاليف، وتوطيد العلاقة مع المقاولين، والاستفادة من التقنيات الحديثة.

 ومن المقرّر أن تمثّل انتصار الكندي شركة تنمية نفط عمان في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول (أديبك) 2016، أكبر حدث للنفط والغاز بالشرق الأوسط، والمزمع إقامته في شهر نوفمبر المقبل، كما أنها عضو في اللجنة التنفيذية للحدث.

وقد برزت مرونة قطاع النفط كقضية مهمة مطروحة أمام صانعي القرار والمستثمرين في القطاع، حيث واجه قطاع النفط العام الماضي سنةً مليئة بالتحديات، وفقاً للتقرير العالمي لتوجهات الطاقة 2015 الصادر عن منظمة «أوبك»، رافقتها توقعات اقتصادية متفائلة في أسواق البلدان غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لا سيما الصين، التي بدأت تشهد زيادات سريعة في الطلب.

ومع ذلك، تُظهر التوقعات استمراراً في نمو الاقتصاد العالمي، يُنتظر أن يظلّ النفط فيه أهم مصدر من مصادر الطاقة. ويمكن لموردي النفط في دول مجلس التعاون الخليجي توقع الاستفادة من هذا النمو في ظلّ استقرار التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط، في حين يُرجّح أن تكون تنمية الموارد النفطية ذات التكلفة العالية، مثل النفط الصخري، أكثر هدوءً، نظراً لتشكيك المستثمرين بجدواها على  المدى البعيد.

ومن المنتظر أن تكون استجابة قطاع النفط الخليجي للتغيرات الحاصلة في السوق، سواء على الأمدين القريب أو البعيد، نقطة نقاش ساخنة خلال «أديبك»، الذي يجمع خبراء دوليين كباراً من جميع مجالات القطاع لتبادل المعارف والخبرات.

ومن المتوقع أن يستقطب الحدث أكثر من 2,300 جهة عارضة، و8,500 موفد، و700 متحدث، علاوة على 100,000 من المهنيين المختصين من 135 بلداً. ويعتبر «أديبك»، على نحو متزايد، الدور الذي يلعبه النفط جزءاً من مزيج واسع من مصادر الطاقة، وهو يتخذ من شعاره للعام 2016 «استراتيجيات المشهد الجديد في قطاع الطاقة» أساساً لوضع أجندة حافلة لبرنامج المؤتمرات الموسع المصاحب للحدث.

وانتهت الكندي إلى القول: «علينا أن نغتنم هذه الفرصة التي فرضتها القيود الاقتصادية الحالية لتغيير الطريقة التي نعمل بها، وبذلك نحافظ على تفاؤلنا بشأن التوقعات، في ضوء التقدم الذي نحرزه، وخططنا المتينة التي نواصل السير وفقها، والتزامنا المستمر بالتنمية المستدامة».

وفي ضوء انخفاض تكاليفها تتوقع «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» ازدهار الطاقة الشمسية الكهروضوئية في أفريقيا وهو ما يجعلها إحدى الوسائل الأقل تكلفة لتلبية احتياجات الطاقة وتعزيز فرص الحصول عليها في القارة السمراء.

وجاء في تقرير «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (IRENA) بعنوان «الطاقة الشمسية الكهروضوئية في أفريقيا: التكاليف والأسواق»، أن الاستثمار في قطاع الطاقة الشمسية الكهروضوئية في أفريقيا يشهد زخماً أكبـر من أي وقت مضى بفضل الانخفاض السريع في تكاليف تقنيات هذا القطاع. ويشير التقرير إلى أن التكلفة المركبة لمشاريع الطاقة الشمسية الكهروضوئية على مستوى المرافق الخدمية في أفريقيا قد انخفضت بنسبة 61% منذ عام 2012، إذ تبلغ هذه التكلفة حالياً 1,30 دولار أمريكي لكل واط مقارنة بالمعدل العالمي البالغ 1,80 دولار لكل واط.

Comments

عاجل