المحتوى الرئيسى

اقتصاد مصر.. مرحلة عنق الزجاجة

10/23 17:31

من جديد، أطل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، على شعبه ليخبره أن البلاد لا تزال في عنق زجاجة، وأن إجراءات الإصلاح، التي تتخذها الحكومة المصرية حالياً، حتمية لإنقاذ الوضع الاقتصادي المصري، وأنه لا بديل عن اتخاذ إجراءات صعبة ستكون نتائجها «عظيمة» مع بعض «الصبر» على حد قوله.

على الرغم من أن مسألة الصبر نسبية، حيث لا تمانع فيها فئة من طبقات الشعب المصري، فيما ترفضها فئات أخرى، وخاصة الفئات المتضررة من تلك الإجراءات،  فقد كرر السيسي للشعب المصري إشاراته السابقة الخاصة بأن الإجراءات  تعد جزءاً من برنامج حقيقي يستهدف وصول الدعم لمستحقيه دون غيرهم، وخفض فاتورة خدمة الدين، مشدداً على أن موافقة صندوق النقد الدولي على هذا البرنامج تعد بمثابة شهادة على أن مصر تسير في الطريق الصحيح، مضيفاً أن الاقتراض من صندوق النقد الدولي أفضل كثيراً من الاقتراض من الدول.

قرض «النقد» الدولي وتوقعات النمو

وتتفق فئة من المصريين مع آراء الرئيس السيسي حيث ترى أن الإصلاحات التي تتخذها حكومته بالتزامن  مع أسعار النفط المنخفضة تساعد في تحسين استقرار الاقتصاد الكلي في البلدان المستوردة للنفط بمنطقة الشرق الأوسط عامة ومصر تحديداً. ورفع صندوق النقد الدولي مؤخراً توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في مصر إلى 3.8 % في 2016 مقارنة بتوقعات بنمو 3.3 % في تقريره الصادر في أبريل/نيسان الماضي. لكن تقريره، في إشارة إلى منطقة الشرق الأوسط إجمالاً، أضاف: "مع ذلك فإن النمو يظل هشاً بسبب المخاوف الأمنية والتوترات الاجتماعية والعوائق الهيكلية المزمنة". وخفض الصندوق توقعاته للنمو في مصر خلال 2017 إلى 4 % مقارنة مع توقعاته السابقة في أبريل/نيسان بنمو 4.3 %، بينما حقق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في مصر نمواً بنسبة 4.2 % في 2015، وفقاً لبيانات الصندوق.

كما وافق صندوق النقد الدولي مبدئياً على منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات، لدعم اقتصادها شريطة إجراء الحكومة المصرية حزمة من الإصلاحات لتخفيف حدة العجز في الموازنة، منها فرض ضرائب جديدة، وخفض الدعم على السلع الاستراتيجية، وتحرير سعر الصرف، لتقليل الفجوة بين السعر الرسمي للدولار والسعر في السوق السوداء، متوقعاً انخفاض عجز الموازنة المصرية من 98 % من حجم الناتج المحلي في 2015-2016 إلى 88 % في 2018-2019.

ويتضمن الاتفاق، اتخاذ البنك المركزي المصري إجراءات تهدف إلى تعزيز احتياطي النقد الأجنبي وخفض التضخم إلى معدل في خانة الآحاد، والتحول إلى نظام سعر صرف مرن يعزز القدرة التنافسية لمصر وصادراتها، ويجذب استثمارات أجنبية مباشرة، لتحصل مصر على الدفعة الأولى من القرض خلال 3 أسابيع، بعد إقرار المجلس التنفيذي للصندوق الاتفاق الجديد، وستحصل على 4 مليارات دولار خلال العام الأول، بمجرد إقرار قانون ضريبة القيمة المضافة، والبدء في تنفيذه، وهو القانون الذي أقره البرلمان المصري مؤخراً.

ومنذ الإعلان عن اتفاق المبادئ بين مصر وصندوق النقد الدولي بشأن القرض، والسوق المصرية والمتعاملون مع مصر ينتظرون تنفيذ أحد شروط هذا الاتفاق، وهو «تعويم الجنيه» المصري. فالحكومة المصرية تربط عملتها (الجنيه) بالدولار مع سعر ثابت هو السعر الرسمي في البنوك، لكن نقص العملة الأجنبية يجعل سعر الدولار في السوق السوداء أعلى بكثير.

ويرى المؤيدون لاحتمال تعويم الجنيه المصري أن الحكومة تثبت بذلك قوة عملتها الوطنية بالربط، وتخفض السوق السوداء قيمة العملة عبر رفع سعر الدولار مقابلها لتلبية طلب المستثمرين على الدولار، الذي لا يتوفر لهم عبر السوق الرسمي.

ولمواجهة زيادة تجارة الدولار في السوق السوداء قرر البنك المركزي المصري تفعيل أداة التعويم وفك ربط الجنيه المصري بالدولار جزئياً، ليعومه بنسبة 14 % في مارس/آذار الماضي، حيث يرى البنك المركزي المصري ومؤيدو السياسات الحكومية المصرية أن تعويم الجنيه من شأنه تقليل الضغط على البنك المركزي في ما يتعلق بحجم احتياطيات العملة الأجنبية فيه، ويرون أيضاً أن المنتجات المصرية ستصبح أرخص كثيراً في الأسواق الخارجية لأن الجنيه المصري ستنخفض قيمته كثيراً مقابل الدولار واليورو وغيرهما ومن ثم تصبح أكثر تنافسية. وفي المقابل ستصبح الواردات أغلى كثيراً ومن ثم سيصعب على المصريين شراء الكثير من السلع المستوردة لارتفاع أسعارها وهذا بالتالي سيزيد من استهلاك السلع المحلية، ويزيد من النشاط الاقتصادي الداخلي.

وأيضاً، بحسب آراء الاقتصاديين المؤيدين للقرار، فإن من أهم مزاياه هو الاتجاه نحو تقليص الفارق بين سعري الدولار في البنوك والسوق السوداء، حيث يعد وجود سعرين للدولار في أي اقتصاد أحد أبرز عوائق الاستثمار المحلي والأجنبي، ومن ثم ضرورة توحيد سعر صرف الدولار عند مستوى معين والقضاء على السوق السوداء وتوفير العملة الخضراء عبر القنوات الشرعية لها في البنوك ومحال الصرافة المرخص لها بالتداول في الدولار والعملات الأجنبية. هنا يضرب المؤيدون مثالاً بالصين التي خفضت عملتها المحلية – اليوان – 3 مرات متتالية خلال 73 ساعة، في منتصف أغسطس/آب الماضي، عندما واجهت تراجعاً في حجم صادراتها وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي.

وتتباين آراء خبراء السياحة مثل الاقتصاديين حول قرارات الحكومة المصرية بشأن الدولار وارتفاعه الجنوني.

فالمؤيدون يرون أن ارتفاع الدولار سيجذب السياح إلى مصر بأسعار منخفضة خاصة من الدول المتعاملة بالدولار، في ظل حاجة مصر إلى عودة حركة السياحة التي تضررت منذ مغادرة السائحين الأجانب بعد سقوط الطائرة الروسية في سيناء.أما المعارضون فيرون أن ارتفاعه لن يعود بالنفع، في ظل ارتفاع تكلفة التشغيل للفنادق التى ستلتهم الزيادة فضلاً عن أن أسعار الأغذية والمشروبات يتم شراؤها بالدولار  ما سيرفع التكلفة على سياح الاتحاد الأوربي.

ويرى المؤيدون أيضاً أن أسعار البرامج السياحية التى تعطى للوكلاء في الخارج ثابتة ولن تتأثر بارتفاع الدولار ، وسيكون لها أثر إيجابي على السياحة المصرية  لأنها ستقلل من تكاليف السياحة للوافدين من أمريكا وغيرها من الدول التى ترتبط عملاتها بالدولار كدول الخليج التى تعتمد عليه فى تحديد سعر البترول الداعم.

أما المعارضون يرون أن أغلب الفنادق السياحية تعتمد على الدولار فى تعاملاتها بشكل أساسى، ما قد يُعظم من عوائدها الفترة المقبلة إذا استمر الدولار فى ارتفاعه، ليؤثر ذلك فى نفس الوقت سلباً على نسبة إشغال الغرف لأن ارتفاعه أمام اليورو انعكاس لتأثر أوروبا بالأزمة ما سيضعف القدرة المالية للسياح.

 بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع الدولار إلى زيادة أسعار قيمة ما تستورده الفنادق من مستلزمات وأطعمة، وستقوم تلك بدورها برفع قيمة المنتج بنفس النسبة إن لم يكن أكثر.

شركات السياحة حالياً أيضاً تواجه مشكلة خاصة بالدولار وهى أن الفنادق تطلب الدفع بالدولار عند الحجز للأجانب.

مخاوف المعارضة من تعويم الجنيه

وخلافاً لآراء المؤيدين، تترقب أنظار الاقتصاديين المعارضين قرار البنك المركزي المرتقب بتعويم الجنيه كآخر التزام حكومي غير منفذ في روشتة إصلاحات صندوق النقد للاقتصاد المصري، حيث يشيرون إلى ارتفاع سعر الدولار إلى 16 جنيهاً مصرياً بالسوق السوداء الأسبوع الماضي. فبعد إغلاق معظم شركات الصرافة في مصر وسيطرة الحكومة على البعض الآخر لضبط أسعار صرف العملة أصبح لتحويل العملة أسواق أخرى مثل محلات الذهب التي تقوم حالياً بتغيير العملة الأجنبية.

وتحولت محلات عديدة مثل السوبر ماركت إلى التجارة في العملات الأجنبية وخاصة الدولار الأمريكي، فبدأ بعض أصحابها بتسويق العملة عن طريق «الحقيبة المحمولة» وهى وسيلة اتبعتها تلك الشركات مع زبائن العملة، وغدا صاحب الشركة يتجول بها في أي وقت وأي مكان، وهناك من يتعامل عن طريق طلب صاحب الشركة عن طريق الموبايل وتوصيل العملة «ديليفري» حتى باب المنزل.

ويحذر المعارضون من اتخاذ البنك المركزي قراراً غير مدروس بخفض جزئي لقيمة الجنيه أو تعويم كلي للعملة المحلية مقابل الدولار يعقبه ارتفاع كبير في معدلات التضخم وزيادة الأسعار بشكل عشوائي لا يتحمله المواطنون مما يترتب عليه زيادة معدلات الفقر واضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية والذي بدوره لا يصب في صالح الاقتصاد بأي شكل من الأشكال.

وطالب مراقبون الحكومة باتخاذ إجراءات وقائية وخطوات جادة مدروسة لحماية المجتمع من الأثار السلبية لقرار خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وسط مخاوف ومحاذير من أن يتأزم الموقف المصري بعد أن يرتفع سعر الدولار رسمياً في البنوك وتضرب مصر موجة غلاء عاتية بسبب الإجراءات الاقتصادية الجريئة عند البعض و العنيفة عند الآخرين.

هنا أيضاً يبدي المعارضون قلقاً من آثار ضريبة القيمة المضافة وزيادة أسعار الكهرباء، حسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، حيث بدأت الحكومة المصرية فعلاً برنامجاً لتحرير أسعار الكهرباء والمياه والغاز المنزلي، لترفع أسعارالكهرباء بمعدل يتراوح ما بين 17 و%40، ولم يستثنِ من الزيادة إلا الشريحة الأدنى، والتي يقدر استهلاكهابـ 50 كيلووات، وتقدر بخمسة ملايين مشترك. كما طال الغلاء طعام الفقراء مثل طبق الكشري الشهير برخصه، وعماد وجبات الفقراء المصريين، لتبدأ أسعار الطبق وتتفاوت وفقاً للمطاعم من 5 جنيهات حتى 45 جنيهاً للطبق العائلي، إلى جانب تقليل الكميات نتيجة لأزمة الدولار التي تسببت في ارتفاع الأسعار.

وفي سياق تأييد الاقتراض من صندوق النقد الدولي، يرى بعض المحللين أن مصر كانت في حاجة شديدة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي لأن عجز الموازنة بلغ نحو %98، وهناك اتساع في الفجوة ما بين الإيرادات والمصروفات، كما تشتتت ميزانية الدولة بين الرواتب والمشروعات الجديدة ومشروعات البنية التحتية.

ولا يعتبر المؤيدون للاقتراض من صندوق النقد الدولي مؤشراً على انهيار الاقتصاد المصري، ولكنه شهادة دولية بأنه اقتصاد جيد، ويمنح مصر فرصاً استثمارية متعددة من الخارج، كما أن مصر مضطرة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، لاسيما في ظل فقر الموارد التي كانت تعتمد عليها في السابق، ومنها السياحة وقناة السويس وتحويلات المصريين في الخارج، والصادرات، و كلها مصادر أساسية للدخل المحلي تأثرت سلباً في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.

ويعتبر المحللون المؤيدون أن قرض صندوق النقد الدولي يعد خطوة ضمن خطوات إعادة هيكلة الاقتصاد المصري، وزيادة معدلات النمو إلى 6 % و7 %، مؤكدين  أن مصر بدأت منذ عامين في تنفيذ خطة إصلاح اقتصادي أي قبل التفاوض على قرض صندوق النقد الدولي، حيث قامت بتخفيض الدعم الموجه للبنزين والكهرباء بالإضافة إلى إنشاء  نظام تمويني جديد ناجح ببطاقة التموين الذكية. و أقر مجلس  الشعب مؤخراً قانون الخدمة المدنية الذي سيعمل على تحجيم مبلغ الأجور في الموازنة العامة وذلك لأن التعيينات الجديدة ستقتصر على حاجة العمل الحقيقية فقط.

وفي الساحة الاقتصادية المصرية المثيرة للجدل دوماً، يرى المعارضون أن لدى الحكومة بدائل أفضل و لكنها تتجاهلها لتهرول نحو توقيع الاتفاق مع الصندوق رغم أنه يمكنها اتخاذ خطوات أخرى لحل الأزمات تشمل إعادة النظر فى الإنفاق الحكومي غير الضروري مثل سفر المسئولين إلى الخارج والاحتفالات في الداخل، و مراجعة قائمة المشروعات الكبرى وتأجيل بعضها وإلغاء البعض الآخر كمشروع العاصمة الجديدة، وتنفيذ مشروع قومي لتأهيل شبكة الصرف المغطي للأراضي الزراعية في الوجهين البحري والقبلي، وتشغيل المصانع المعطلة، والعمل بنظام الضريبة التصاعدية على الدخل بدلاً من ضريبة القيمة المضافة،  على أن يُعاد العمل بالضريبة على الأرباح الناتجة عن معاملات البورصة.

و يرى المعارضون أنه يتعين على الدولة وضع سقف معلن للدين العام لا يمكن تجاوزه لحماية الأجيال القادمة، وعليها محاربة الفساد فعلاً لا قولاً، ووضع حد أقصى لزيادة كمية النقود بمعدل يساوي زيادة الإنتاج لضمان الاستقرار النقدى، و إعادة النظر في نظام دعم القمح والخبز والسلع التموينية لمكافحة وردع المتلاعبين بأقوات الفقراء، ووضع قيود على الواردات إعمالاً لحقوق مصر كعضو فى منظمة التجارة العالمية، وتغيير نظام سعر الصرف بربط الجنيه المصري بسلة عملات بدلاً من الربط الحالي بالدولار الأميركي فقط، وإصدار تشريعات لتحقيق الكفاءة والعدالة، وبالذات تعديل قانون إيجارات العقارات القديمة وقانون العلاقة الإيجارية للأراضى الزراعية.

كما يرى المعارضون أن القرض سيذهب في مصروفات جارية كعجز الموازنة ومواجهة أزمة الدولار وهي بنود بلا عائد، وليس في الاستثمار لنحصل في المقابل على عائد منه، وأنه لن يكون كفيلاً بحل مشاكل مصر مدللين على ذلك بأن مصر حصلت خلال العامين والنصف السابقين على مساعدات ومنح وقروض بأكثر من 22 مليار دولار من بعض الدول الخليجية ولم ير المصريون مردوداً اقتصادياً لها. و خلال ذات المدة الزمنية لجأت الحكومة إلى الاقتراض الداخلي ليبلغ رقماً غير مسبوق، ومن المتوقع أن يبلغ في يونيو/تموز من العام 2017 نحو 3.3 تريليون جنيه أي ما يعادل 110 % من الناتج المحلي الإجمالي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل