المحتوى الرئيسى

هل دخلت مصر في النفق المظلم فعلا ؟!

10/23 16:05

اقرأ أيضا: شرشوب الحكومة .. وحكومة شرشوب ! قرار حكومي يستوجب الترحيب رسائل من بورسعيد ! هل تتراجع مصر عن اتفاقية تيران وصنافير ؟! دلالات زيارة رئيس مخابرات بشار للقاهرة

كان الخبر صادما بقدر ما كان مروعا أمس ، عندما تناقلت المواقع أنباء اغتيال قيادة عسكرية رفيعة في الجيش المصري ، تسرب الخبر في الصباح باقتضاب ، في البداية لم نستوعب ولم نصدق ، وتريثنا طويلا لحين التثبت من صحة المعلومة الخطيرة ، حتى تكاثرت في الوكالات العالمية والمواقع الرسمية ، حدث بالفعل ، أن طالت يد الإرهاب العميد أركان حرب عادل رجائي ، رحمه الله ، قائد الفرقة التاسعة مدرعات ، وهذه هي المرة الأولى التي تقع فيها حادثة على هذا المستوى باستهداف قيادة عسكرية ، لم تعرف مصر مثل تلك الواقعة ربما في تاريخها الحديث كله .

حادث اغتيال الشهيد عادل رجائي يكشف عن تطور في نوعية أعمال العنف وأهدافها أيضا ، كما تكشف عن ازدحام الفضاء السياسي بمجموعات جديدة مجهولة الاسم والهوية وكلها تتبنى العنف سبيلا لتوصيل رسالتها أو صوتها ، أو محاولة فرض إرادتها السياسية ، وقد تعدد الأسماء لدرجة أن الباحث المتخصص نفسه لم يعد يستطيع أن يتذكر أسماءها إلا بعد جهد ، من أنصار بيت المقدس ، إلى أجناد مصر ، إلى حسم ، إلى العقاب الثوري ، إلى التوحيد والجهاد إلى كتائب حلوان ، إلى لواء الثورة ، وهذه الأخيرة هي التي تبنت عملية اغتيال العميد رجائي ، وهي لافتة مجهولة ، وتقريبا لم يسمع بها أحد من قبل ، ومع ذلك استطاعت أن تضرب هذه الضربة المفزعة والكبيرة ، وهذا يعني أن البلاد ربما تكون مقبلة على مرحلة أكثر خطورة من العنف السياسي .

الموجة الجديدة من العنف السياسي والذي تقوم بها خلايا معظمها أو كلها مرتبطة بالحركات الإسلامية ، تختلف جوهريا عن الموجة السابقة التي شهدتها مصر في التسعينات ، بين أجهزة أمن مبارك وبين الجماعة الإسلامية ، وهي موجة امتدت لقرابة عشر سنوات كانت هي الأخرى مروعة وسالت فيها دماء غزيرة ، ومئات القتلى ، سواء من رجال الأمن أو من أعضاء الجماعة ، غير أن الموجة الجديدة الحالية تختلف ابتداء في أنها ليست محصورة في تنظيم بعينه ، مثلما كان مع الجماعة الإسلامية والجهاد ومنشقيه "طلائع الفتح" ، وإنما في شظايا مجموعات جديدة وتنظيمات متعددة ولافتات متنوعة ، ومن الواضح أن لكل منها أجندته الخاصة وبرنامجه واختياراته ، وهذا ما يعقد الأمور في المواجهة ، أيضا من الواضح أن الموجة الجديدة يقوم بها جيل جديد غير معروف لدى الدولة وأجهزتها الأمنية ، وهذا يجعل الملاحقة شديدة الصعوبة وبحاجة إلى وقت أطول وجهد أمني واستخباراتي أكبر ، خاصة وأن الجيل السابق الذي كان ينتهج العنف اتجه للعمل السياسي بالكامل في أعقاب ثورة يناير وأغلبهم أسس أحزابا سياسية وأعلن طلاقا كاملا مع العنف كخيار سياسي ، أيضا هناك خلاف بين الموجتين في الوضع السياسي العام في الدولة ، ففي الموجة الأولى في التسعينات لم يكن هناك انقسام سياسي بتلك الحدة التي وصلت إلى الحالة الاجتماعية نفسها ، كما لم يكن هناك تنازع على الشرعية بأي مستوى من المستويات ، كما كان المناخ السياسي أكثر انفتاحا وخصوبة ويحتوي بذكاء تناقضات كثيرة من مختلف التيارات ويتيح لها متنفسا سياسيا وهامشا معقولا وقتها ، بما جعل مبارك ناجحا في عزل الجماعة الإسلامية ، وحصارها سياسيا واجتماعيا ، مما سهل أمر المواجهة نسبيا حتى نجح في ترويضها في النهاية .

أيضا ، في الموجة السابقة لم تكن المؤسسة العسكرية طرفا في الصراع بأي مستوى ، ولم يفكر التنظيم في استهداف أي جهة عسكرية أو شخصية عسكرية ، الوضع الآن مختلف ، لأنه من الواضح أن التنظيمات الجديدة تستهدف الجيش أيضا ، بل ربما تستهدفه بالأساس خاصة على النحو الذي نراه في شمال سيناء وواقعة اغتيال العميد رجائي واضحة في مؤشرها الخطير ، أيضا خريطة الاستهداف مع الموجة الجديدة  متسعة ، فأصبحت تتجه إلى رجال القضاء بكثافة حيث جرت أكثر من محاولة اغتيال نجحت إحداها في اغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات رحمه الله ، وهو تطور جديد لم يكن معهودا من الموجة الأولى .

أيضا ، أتاحت التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في أعقاب الربيع العربي ، وبروز حروب أهلية في سوريا والعراق وليبيا واليمن ، إلى تطوير الجماعات الإرهابية لقدراتها ، سواء على مستوى التدريب أو التسليح ، أو حتى الأفكار القتالية مثل ظاهرة العمليات الانتحارية ، كما أن التطورات التقنية في مجال الاتصالات أو الإعلام الاجتماعي وشبكات الانترنت أتاحت قدرة أوسع على التواصل وتبادل المعلومات والخبرات والتحرك والهروب ، وأي مقارنة بين مستويات العنف للموجة الجديدة مع الموجة السابقة كافية لاستبانة الفارق الكبير ، بما يجعل الموجة الجديدة أكثر خطورة ووحشية .

أيضا كان المناخ الدولي مختلفا بين موجة العنف الأولى والحالية ، لأن العالم كان يتعامل مع الجماعة الإسلامية وقتها كتنظيم إرهابي تتعاون أجهزة استخباراتية دولية وإقليمية عديدة في محاصرته وأحيانا اعتقال قياداته وتسليمها لمصر ، الآن الخريطة الإقليمية أكثر فوضوية ، بما يسمح بتحرك أعضاء تلك الخلايا بشكل أسهل ، كما أنه بلا شك لم يعد يحظى النظام الحالي في مصر بتعاطف دولي على مستوى الحقوق والحريات واحترام الديمقراطية ، وهو ما يؤثر جوهريا على إرادة تعاونه أمنيا مع الحكومة المصرية ، ويكفي النظر في المعاناة التي تجدها الديبلوماسية المصرية في تسويق تهمة الإرهاب على جماعة الإخوان ، سواء في أوربا أو الشرق الأوسط ، فالوضع مختلف ، وهو في المحصلة يضع عبئا زائدا على المؤسسة الأمنية في مصر ، لأنها مضطرة أن تعمل وحدها تقريبا .

الأكثر خطورة مما سبق ، أن الاحتقان السياسي الحالي في مصر ، والانقسام الخطير في بنية المجتمع شعبيا وسياسيا ، والذي يصل أحيانا إلى البيت الواحد ، والشارع الواحد ، والحي الواحد ، والقرية الواحدة ، وانسداد الأفق السياسي ، وانتشار الإحباط ، وتصدر الإجراءات الأمنية وحصار أي حراك شعبي بقوانين متشددة وإجراءات شديدة القسوة ، وغلق فضائيات وحصار صحف وإخافة أصحاب الرأي وتهديد منظمات المجتمع المدني وتهميشها ، كل ذلك يصنع بيئة إنسانية قابلة بسهولة لتوليد خلايا عنف ، يتحول المجتمع إلى ما يشبه المعمل الذي يضخ ـ بصفة يومية ـ أفواجا من الشباب المتجه للعنف ، وهذه هي الكارثة ، وفي ظل أوضاع اقتصادية بالغة السوء أيضا وتزيد من الضغط والإحباط خاصة لدى الشباب ، فإن عوامل "تفريخ" العنف في المجتمع هي أخطر من أي لحظة تاريخية أخرى مرت بها مصر ، وتصبح الدولة لا تواجه ما هو موجود الآن من عنف فقط ، بل وتواجه المجهول الذي يتولد كل يوم من رحم الأزمة .

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل