المحتوى الرئيسى

كيف نوقف انهيارنا العظيم المتمادى؟

10/23 21:07

نشرت صحيفة الحياة اللندنية مقالا للكاتب جمال خاشقجى يقول فيه إن قبل 5 أعوام، انقسمت دول المنطقة بين مناصر للربيع العربى، وخصوم له متوجسين منه. انغمس الفريقان فى تحولات المنطقة غير المسبوقة، كل تبعا لاجتهاده، من دون اتفاق بينهما بل مع قدر كبير من التنافس، والنتيجة هى ما نعيشه جميعا الآن، وأستعير جملة رائعة صاغها الزميل الكبير حازم صاغية فى مقالته الأسبوعية بهذه الصفحة قبل أيام تصف واقع الحال الذى نعيشه بأنه «انهيارنا العظيم المتمادى»، فما السبيل لوقف هذا «الانهيار العظيم المتمادى» العابر للحدود والذى كلما توقعنا أننا رأينا أسوأه، يسفر عمّا هو أسوأ؟

لا وقت للتلاوم، ونحن ننتظر صور أحدث هجرة من هجرات أبناء المنطقة، والتى اتسمت بأنها هجرات للسنّة الذين شكلوا تاريخ المشرق العربى، بكل امتداداته التاريخية لزمن الحضارة والازدهار ومقاومة الغزاة. نعم جميعنا ينتظر صور الهجرة الكبرى لسنّة الموصل، تلك المدينة العظيمة التى عقدت فيها يوما نية الجهاد وتحرير الأقصى من الصليبيين، وشهدت مع حلب، رفيقتها فى التاريخ والشهادة، أهم حركة إحياء سنّى قبل ألف عام.

ويضيف خاشقجى أنه على الرغم من حلكة الليل، فإن ثمة أملا، بأن «الإخوة الكبار» بصدد إعادة ترتيب علاقاتهم والانتقال من التنافس إلى التنسيق، ولكنهم فى حاجة إلى إعادة رسم خطوط التماس التى فرقتهم. قبل خمسة أعوام كان الموقف من الربيع العربى والثورات وما تبع ذلك من مواقف حيال الإسلاميين الذين تصدروا المشهد، هو ما حدد المواقع والتمترس خلفها. اليوم اختلط المشهد، وتداخلت التحالفات وتبدلت. ظهر ذلك فى الخلاف السعودى ــ المصرى إثر قصة التصويت الشهيرة بمجلس الأمن، إذ بدت مصر وكأنها فى المعسكر الآخر الذى يواجه السعودية، حليفها المفترض، ثم أصرت على إظهار «استقلالها» باستقبالها رئيس الاستخبارات السورية على مملوك بغرض «تنسيق المواقف سياسيا بين سوريا ومصر وكذلك تعزيز التنسيق فى مكافحة الإرهاب الذى يتعرض له البلدان»، كما ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، بعد أن صرخت قائلة: «لن نركع لغير الله» (عبارة خارج السياق والزمان).

فى المقابل، وقبل ذلك بأيام يجتمع فى الرياض وزراء خارجية دول مجلس التعاون وتركيا فى ورشة عمل جادة، يتباحثون وينسقون المواقف ويضعون الخطط لمعالجة قضايا المنطقة الجارية والدامية والمهددة للأمن القومى العربى، أو بالأحرى «أمن المنطقة القومى»، فالأتراك باتوا شركاء مع السعوديين والخليجيين على أرض العرب من الموصل شمالا حتى اليمن جنوبا، وللأسف غابت عن الاجتماع مصر، على الرغم من أنها معنية به وبكل تفاصيله.

ويرى الكاتب أن الأسابيع الأخيرة شهدت أقبح صور الانهيار فى حلب، وأن ما يجرى فى ليبيا اليوم من أحداث يكشف كيف أن الاختلافات الأيديولوجية التى حكمت علاقات «الإخوة الكبار» فى المنطقة كانت عبثية، فرئيس وزراء حكومة الإنقاذ خليفة الغويل والذى قاد انقلابا على حكومة الوفاق المدعومة من المجتمع الدولى كان وحكومته شركاء مع الإسلاميين و«الإخوان»، ولا تزال مجموعة من الميليشيات الإسلامية بشرق ليبيا تدين له بالولاء، فى الوقت نفسه مد يده للتصالح مع القائد العسكرى خليفة حفتر المعادى بشدة للإسلاميين و«الإخوان»، والمدعوم مصريا، ويجمعهما اليوم العداء مع حكومة الوفاق التى يقودها السراج المدعوم من السعودية وتونس والجزائر والمغرب، إضافة إلى المجتمع الدولى، فمن مع من فى ليبيا؟ وأين الأيديولوجيا؟ إنها الفوضى التى غلبت الجميع، فتجلى ذلك فى ليبيا، والتى تشكل خريطة «انهيارنا العظيم المتمادى» وهى التى ينبغى أن تتفرغ القوى للقضاء عليها.

ومن هنا يوصى بأنه كان على الأخ الأكبر أو «الإخوة الكبار» أن يدعموا عملية التغيير التاريخية فى الجمهوريات العربية بترشيدها وتسهيل الخلافات الطبيعية التى ستطرأ بين قوى سياسية عاشت عقودا تحت حكم قمعى ماتت فيه السياسة وافتقد الجميع مهارات التوافق والديموقراطية. للأسف اختار كل «أخ كبير» مجتمعا أو متضامنا مع إخوة كبار آخرين يوافقونه الرأى فريقا فى تلك الجمهوريات البائسة، لم ينتصر أحد، وكانت النتيجة التى نراها اليوم، وتجسدها الحال الليبية بتشظياتها التى تولد منها تشظيات أخرى كل بضعة أشهر.

الآن وقد سادت روح التعاون بين «الإخوة الكبار» فالفرصة مواتية لتعديل مسار التاريخ، لترسم خطوط الاتفاق والانقسام الحالية حول من مع «التوافق» ومن هو ضده؟ من يشارك فى خطة لإحلال سلام مجتمعى يجمع كل الفرقاء فى اليمن وسورية وليبيا ومن يريد نصرة فريق على آخر؟ ويشمل ذلك الأخذ على يد من يعطل اتفاقا توافقيا، فطرف واحد يمكن أن يخرب عمل جماعة.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل