المحتوى الرئيسى

عولمة القيم في التفكير الليبرالي الجديد

10/23 12:22

التنشئة الاجتماعية عملية متواصلة، يقوم بها المجتمع من خلال آليات وأساليب محددة؛ لإكساب أفراده مجمل العناصر الثقافية التي تشكل هويته وتحافظ على ديمومته من معارف، واتجاهات، وقيم، ومعايير، ونماذج إدراكية.. تؤثر في سلوكهم في جميع محالات الحياة.

وتتضمن التنشئة الاجتماعية تنمية صورة الذات لدى الفرد، وإكسابه عناصر الهوية الاجتماعية، وتوعيته بها، وإدماجة في محيطة الثقافي والاجتماعي، وإعداده للأدوار الاجتماعية والمهنية، كعضو فعال ومواطن كامل المواطنة في المجتمع الذي ينتمي إليه.

والتنشئة الاجتماعية ركيزة أساسية في عملية تحليل متطلبات البيئة الحاضنة لإعداد الأجيال العربية القادمة لمواجهة تحديات العولمة والثورة المعرفية في مجالات تنقية المعلومات والاتصالات، ذلك أن السياقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، تلعب دوراً مهماً وبارزاً في تشكيل نمط منظومة القيم، فقد تُعلي هذه السياقات منظومة قيم النهضة والتقدم الداعمة للعلم والمعرفة والحرية والتنمية وتستدعيها في الإدراك العام، وقد تشكل أوضاعاً سلبية، تمثل كوابح للقيم والاتجاهات المستنيرة في المجتمع.

وتتجسد هذه السياقات في مؤسسات التنشئة المختلفة في المجتمع، باعتبارها من المؤسسات المعنية بهذه المهمة وهي المدرسة والأسرة، والإعلام، وكذلك، تتعدد فضاءات التنشئة الاجتماعية وتتكامل من آن واحد.. من فضاء مؤسسي مثل المدرسة والأسرة خاصة، إلى فضاء يضم مختلف مجالات ومكونات مؤسسات المجتمع، كالإعلام والنادي، والحزب، والنقابة، والمسجد والشارع.

على أن التنشئة الاجتماعية سيرورة دينامية، متفاعلة تفاعلاً تبادلياً بين الفرد ومؤثراته المحيطة به، فالناشئ لا يكتفي بتلقي المؤثرات الخارجية بشكل سلبي، بل يعتبر في تفاعل مع تلك المؤثرات ويستوعبها بطريقته الخاصة، ثم يستنبطها وتصبح من مكونات تصوراته الموجهة لسلوكه إزاء ذاته والآخرين والعالم الخارجي بصورة عامة.

لكن ما يمكن استخلاصه من الواقع العربي، أن المناخ السياسي والاجتماعي لعب دوراً سالباً في تشكيل منظومة القيم الفاعلة، والنماذج الإدراكية التي تشكل وعي الأفراد وسلوكهم، وذلك نتيجة لعدة عوامل أو أسباب عامة تاريخية واقتصادية وسياسية وثقافية، لذلك لا يمكن أن ندعي أن ثمة منظومة قيمية واحدة في المنطقة العربية، لأن هناك تمايزات لدول المنطقة لا بد من تقديرها واحترامها..

ويمكن ملاحظة تلك التمايزات أو الاختلافات، فيما يتبدّى من فجوات بين التنشئة التي يتلقاها النشء في مؤسسات التنشئة من ناحية، والتوجهات السياسية،لدى النخب والاحزاب والمجتمعات الثقافية، من ناحيه ثانية، وبين هذه المؤسسات جميعاً وبين نظرة الدولة نفسها للتنشئة الاجتماعية والسياسية.

وعلى الرغم من التمايزات أو الاختلافات بين الدول أو في داخل كل دولة على حده في عمليات وتوجهات وأساليب التنشئة الاجتماعية، فإن ثمة قاسماً مشتركاً بين منظومات القيم في العالم العربي.

ويتمثل ذلك فيما يطلق عليه دوركهايم "الأنومي"، وهي الحالة التي يفتقد فيها المجتمع امتلاك القيم والمعايير التي توجه سلوكيات وتفاعلات البشر في مختلف مجالات الواقع الاجتماعي، والتي ألقت بظلالها على دور الأسرة في التماسك الاجتماعي، حيث لا يمكن إغفال عامل آخر مهم من حيث تأثيره في تشكيل نمط التنشئة الاجتماعية في المنطقة العربية، وهو تعاظم هيمنة ظاهرة العولمة في العلم كله، وبخاصة من خلال أذرعها الطويلة المعتمدة على إنجازات ثورة المعلومات والاتصال، حيث تعمقت الظاهرة وتنامت وأصبحت تؤثر في كل شيء.

وكما يقول انطوني غدنز "إن العولمة تؤدي إلى إضفاء تحولات على جزء في المجتمع وفي السياسة وفي والاقتصاد"..

فالعولمة تحدث -إجبارياً- تكاملاً أو بالأحرى هيمنة، على أسواق الدول القومية وتقنياتها وثقافاتها إلى درجة لم يشهدها العالم من قبل، ومن شأن هذا الاندماج -أو الهيمنة- أن تؤدي إلى تفكك منظومة القيم الاجتماعية والثقافية في الدول الأضعف، وهي الدول النامية، ومن بينها الدول العربية، حيث تعاني تلك الدول من تأثير ظاهرة التفكك والخلل في نظمها الاجتماعية والسياسية وبرعت الأجهزة الاستراتيجية لليبراليين الجدد في العالم في استغلال "ظاهرة الخلل القيمي" وتعميقها لإحداث ما أطلقوا عليه "الفوضى الخلاقة".

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل