المحتوى الرئيسى

خانة الديانة.. «سلك شائك» فى طريق مدنية الدولة!

10/23 10:22

اصطدم قرار الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، بإلغاء خانة الديانة من أوراق الجامعة، بحكم المحكمة الإدارية العليا الصادر عام 2009 بوضع علامة أمام خانة الديانة فى هويات أصحاب الديانات غير السماوية مثل البهائيين، فما زالت خانة الديانة فى الأوراق الثبوتية تعتبر حصنًا لا يستطيع أحد الاقتراب منه، وعلى رغم نص الدستور الجديد على أن مصر دولة مدنية تقوم على المواطنة وسيادة القانون، إلا أن خانة الديانة ما زالت مثل السلك الشائك يخشى الجميع الاقتراب منه، حتى جاء قرار الدكتور نصار ليكون بمثابة حجر تم إلقاؤه فى المياه الراكدة محدثًا زوبعة أثارت الرأى العام ما بين مؤيد ومعارض، ورغم أن الجميع أجزم أن القرار لا يعتبر انتصارًا حقيقيًا لمدنية الدولة المصرية، إلا أنه خطوة على الطريق، لابد أن تتبعها خطوات أخرى أهمها إلغاؤها من بطاقة الرقم القومى مع وضع ضوابط لضمان عدم التلاعب فى مسألة الزواج، إلا أنه سيظل من القرارات المهمة التى أحدثت فرقًا كبيرًا فى المجتمع المصرى.

لا أحد يستطيع أن ينكر وجود تمييز دينى على مستوى التعاملات اليومية فى مصر، فما زال بعض ضعاف النفوس يتعاملون مع المصريين على أساس الدين، فهناك شركات خاصة إما أن يكون معظم - إن لم يكن كل العاملين فيها - مسلمين أو مسيحيين حسب ديانة صاحب الشركة، وهناك تفرقة فى التعامل داخل بعض المصالح الحكومية على أساس الديانة حسب هوى الموظف المسئول، ولأن جامعة القاهرة جزء من مصر، فقد لاحظ الدكتور جابر نصار وجود هذه الشوائب بها، فأصدر قراره بإلغاء خانة الديانة، معللاً ذلك "حتى لا تتسمم العملية التعليمية"، وأكد فى مداخلات تليفزيونية أنه لاحظ أن بعض الكليات والمعاهد تطلب فى أوراق القبول الخاصة بها ذكر الديانة والملة، فما علاقة ذلك بالعملية التعليمية؟

قرار الدكتور نصار حرك الماء الراكد، فقامت نقابة المهندسين باتخاذ قرار مماثل بعد ذلك، حيث كان طلب الحصول على درجة استشارة بالنقابة لا بد أن يثبت به الديانة، فقررت النقابة تفعيل القرار بدءاً من شهر نوفمبر القادم بإلغاء هذه الخانة من كافة أوراقها، فى حين رحبت نقابة المحامين بالقرار ولكنها لم تتخذ قراراً مماثلاً حتى الآن.

وفى الوقت الذى رحب فيه الحقوقيون بهذا القرار رفضه الدكتور ياسر برهامى  نائب رئيس الدعوة السلفية متهمًا الدكتور نصار بأنه ينفذ أجندة أجنبية، داعياً الله بأن يهديه أو ينتقم منه!

فيما رأى نجاد البرعى مدير المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية، أمين المنظمة المصرية لحقوق الإنسان سابقاً، أن قرار الدكتور جابر نصار يعتبر خطوة على طريق مدنية الدولة، ولكنه ليس الأساس، فالأهم من ذلك إلغاء هذه الخانة من بطاقة الرقم القومى، لأنها أساس التعاملات اليومية، وهذا يتطلب صدور قرار من وزير الداخلية لتكريس مفهوم الدولة المدنية الذي يجب أن يترجم لقرارات على أرض الواقع.

كان النائب علاء عبدالمنعم قد تقدم فى شهر يونية الماضى، بمشروع قانون لمجلس النواب حول المواطنة وعدم التمييز موقع عليه من 69 نائباً، ونص القانون فى المادة الثالثة على إلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومى وكافة الوثائق والمستندات الرسمية، مشيراً إلى الاكتفاء بالإفصاح عن الديانة إذا كان الأمر يتعلق بترتيب آثار قانونية كالزواج والميراث، إلا أن مشروع القانون لم يخرج للنور، بينما عارضه بعض النواب فى حينها، تخوفاً من التلاعب فى مسألة الزواج واختلاط الأنساب، وهو ما أكده النائب عمر حمروش بعد صدور قرار الدكتور جابر نصار، مشيراً إلى أن حذف خانة الديانة سيؤدى إلى الغش فى الزواج والميراث، مؤكداً أن هذا الإجراء سيؤدى إلى فتن وقلاقل نحن فى غنى عنها، وهو أيضاً ما أكدته الدكتورة آمنة نصير عضو اللجنة الدينية بالمجلس، مشيرة إلى أنها رفضت مشروع القانون الذى تقدم به النائب علاء عبدالمنعم من قبل، لأنه سيؤدى إلى التلاعب فى أمور الزواج واختلاط الأنساب، ومخالفة الشرع من قبل بعض ذوى النفوس الضعيفة، فالشرع يحرم زواج المسلمة من صاحب أى ديانة أخرى، وفى حالة حذف خانة الديانة، سيتم التلاعب بهذا الأمر مما يؤدى لعواقب اجتماعية وخيمة.

إلا أن الناشط الحقوقى إيهاب سلام، المحامى، فيرى أن الحديث عن هذه الأمور سابق لأوانه، فإلغاء خانة الديانة اليوم من أوراق جامعة القاهرة وبعض النقابات يعد انتصارا للدولة المدنية، لأننا نريد تعزيز فكرة الانتماء للدولة المصرية، ويجب أن يتبع هذه القرارات إجراءات أخرى تمنع التمييز بين المصريين، كإلغاء خانة الديانة من الأوراق المدرسية والتعاملات اليومية، كذلك فعلى منظمات المجتمع المدنى مثل النقابات والهيئات القيام بإجراءات مشابهة، خاصة أن أوراق هذه الجهات لا يترتب عليها أى ضرر، أما فيما يتعلق ببطاقة الرقم القومى التى يخشى من استخدامها فى أمور تتعلق بمخالفة الشرع، فهناك ضوابط يمكن وضعها لهذا الأمر مثل شهادات إثبات الديانة فى حالة الزواج، ويمكن للمشرع أن يضع ضوابط أخرى إذا ما كانت هناك إرادة حقيقية لإلغاء خانة الديانة من بطاقة الرقم القومى.

وعن الضوابط يتحدث الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون العام، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية، مشيراً إلى أنه يمكن إلغاء خانة الديانة من كافة الأوراق الرسمية عدا شهادة الميلاد وبطاقة الرقم القومى، لأن شهادة الميلاد هى الوثيقة الأولى التى تثبت ديانة الشخص، وبطاقة الرقم القومى تستخدم فى الزواج والطلاق، ولهذا لا يمكن حذف خانة الديانة منهما.

وأضاف: أن قانون الأحوال المدنية ينص على إثبات خانة الديانة فى الأوراق الثبوتية، كما أن هناك حكما من المحكمة الإدارية العليا بإلزام الدولة بوجود خانة الديانة فى الأوراق الرسمية، مع وضع علامة أمام أصحاب الديانات غير السماوية، حتى لا يتخفى هؤلاء وراء الديانات الرسمية الثلاث ويتزوجوا من المسلمات، مثلما كان يحدث مع البهائيين الذين كان يتم إثبات أنه مسلم فى بطاقته ويمكنه الزواج من أى مسلمة، رغم أنه بهائى، وظل هذا الوضع قائماً حتى صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بوضع علامة أمام خانة الديانة فى أوراقهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل