المحتوى الرئيسى

"كالجحيم".. هكذا يرى الشباب المصري التجنيد بالجيش

10/22 21:12

تعني فترة الخدمة بالجيش بالنسبة للعديد من الشباب المصري هجر المعتقدات الأخلاقية التي يؤمنون بها، وفترة من الإذلال، والعمل كعمالة رخيصة، والخوف من أن يتم إرسالهم إلى سيناء المخيفة.

يتحدث عمر –طالب الفلسفة بجامعة القاهرة– عن عواقب اعتراضه على دورة التربية العسكرية الإلزامية بالجامعة قائلاً: "حياتي كلها متوقفة الآن بسبب هذا القرار".

تتألف دورة التربية العسكرية في معظمها من مجموعة من التدريبات العسكرية، وتهدف إلى تعليم الانضباط والولاء، وهي بمثابة شرط مسبق لفترة التجنيد الإجباري بالجيش المصري التي يضطر الشباب بين سن 18 والـ 30 إلى قضائها، وذلك مع أن التطوع بالجيش يبدأ من سن 16.

لا يمكن لطلبة الجامعات في مصر التخرج بدون اجتياز هذه الدورة، كما أنهم ملزمون بالتقدم للتجنيد بالجيش فور تخرجهم. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن للشباب السفر إلى الخارج بدون الحصول على الموافقة الأمنية من السلطات العسكرية. وينتهي هذا الإلزام للشباب بالتقدم للتجنيد بعد سن الـ30.

يضيف عمر قائلاً بغضب "لا يمكنني التخرج والحصول على شهادتي، ولا يمكنني السفر أو حتى استخراج جواز سفر".

وفي شهر سبتمبر/أيلول، قام عمر بنشر تصريح له على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، يشرح فيه طلبه من الجامعة أن يتم إعفاؤه من دورة التربية العسكرية، وكيف أن جابر نصار –رئيس جامعة القاهرة– قد رفض طلبه. هذا الطلب عَرَّض عمر للعديد من العواقب، يقول عنها "هناك العديد من التهديدات، ولعائلتي أيضاً.. تم التحقيق مع والدي أثناء وجوده بعمله، وذلك بسبب قراري".

ويزعم عمر أن حسابه على فيسبوك قد تم اختراقه بعد تصريحه بخصوص دورة التربية العسكرية، وأنه حين قام بتسجيل الدخول لحسابه وجد أن جميع منشوراته بخصوص اعتراضه على الالتحاق بالدورة قد تم تعديل خصوصيتها ليراها هو فقط، وبالتالي لا يراها أي من أصدقائه، وتساءل عمر قائلاً "لا أعلم كيف يمكن لذلك أن يحدث، فأنا لم أقم بذلك بالتأكيد".

ويضيف عمر عن علاقة اجتياز هذه الدورة بالتخرج قائلاً "لا أعتقد أنه يحق للمؤسسة العسكرية أن تتدخل بهذا الشكل في الجامعة، ناهيك عن قيامها بتحديد من يمكنه التخرج بالفعل بناءً على اجتياز الدورة. عندما التحقت بالجامعة تخصصت بالفلسفة، وتوقعت أن أدرس بعض المواد الأكاديمية عنها، ولكني لم أسجل في دبلومة عسكرية".

لا تُجبَر النساء في مصر كالشباب على الالتحاق بالجيش، وهو ما يراه المنتقدون مثل عمر تمييزاً على أساس الجنس. واتهم آخرون مؤسسة الجيش مرات عديدة بممارسة العنف الجنسي ضد النساء في شكل كشوف للعذرية أجرتها القوات المسلحة على المعتصمات بعد شهر مارس/آذار 2011، وتم إعلان عدم قانونيتها في ديسمبر/كانون الأول 2011.

ومع ذلك فهناك بعض النساء اللاتي يطالبن السلطات بالسماح لهن بالانضمام للجيش، وعلى رأسهن مجموعة باسم "مجندة مصرية". تزعم هؤلاء النسوة أنهن بذلك سوف يقمن بواجبهن الوطني، ويخدمن بلادهن. وإلى الآن، تظل المجالات الوحيدة التي يمكن للنساء بها العمل بالجيش هي مجالات متعلقة بالغذاء والتمريض وعلم النفس.

وفي هذه الأثناء، لا يعلم عمر –المؤمن بالسلام وأحد دعاته– ماذا سيفعل حين يحين وقت خدمته بالجيش ويضطر لقضاء سنة على الأقل بالجيش عقب تخرجه. ويقول عن ذلك "التجنيد الإجباري هو كابوس بالنسبة لي. فهو يمثل كل القيم التي لا أوافق عليها".

ليس عمر وحيداً في مخاوفه هذه، فالعديد من الشباب المصري يشاركه هذه المخاوف. من هؤلاء الشباب مصطفى، الذي تخرج مؤخراً من كلية الحقوق بجامعة القاهرة، ويطمح أن يصبح محامياً لحقوق الإنسان.

اضطر مصطفى مؤخراً إلى القيام بالرحلة الكئيبة إلى مركز التجنيد. وبعد انتظاره ليوم كامل تحت الشمس، أعلن الضباط أن على الحاضرين من حملة الشهادات العليا الحضور في يوم آخر. وقال مصطفى بغضب عن ذلك "نحن عبيد لهم، حرفياً."

يتم تجنيد مئات الآلاف من الشباب المصري سنوياً بالجيش، ولا يتم إعفاء المتقدمين للتجنيد سوى في بعض الحالات، تتعلق هذه الحالات عادةً بكون المتقدم هو الابن الوحيد بأسرته، وتتعلق أحياناً بأسباب طبية. ولا يعتقد مصطفى أنه سيتم إعفاؤه من الخدمة.

بعض الحالات الأخرى للإعفاء تكون أكثر غموضاً، ومن الممكن أن تسبب للشباب ضرراً بحياتهم أكثر من الفائدة التي يجنونها نتيجة لإعفائهم من التجنيد. منها -طبقاً لتامر الذي قضى سنة من الخدمة بالقوات المسلحة وحسبما أخبر "ميدل إيست آي"- ما يتعلق بالفحوصات الطبية التي تتضمن اختبارات المثلية الجنسية.

يقول تامر عن هذه الاختبارات "تقوم بالانحناء، والمباعدة بين رجليك، ويقومون بفحص شرجك. إن كان حجم فتحة الشرج أكبر من الحجم الطبيعي، يفترضون حينها أنك شاذ، ويتم إعفاؤك. مما يخبرنا الكثير عن العقلية الطبية للقوات المسلحة"، وأشار متهكماً إلى زعم الجيش المصري سابقاً اختراع جهاز يعالج أمراض الإيدز والتهاب الكبد الوبائي.

وأضاف تامر "لا أعرف أي شخص تم إعفاؤه لهذا السبب. ولكن الإشاعات تقول أنه يتلقى شهادة إعفاء حمراء اللون توحي لأصحاب العمل بأن الشاب يمارس الشذوذ".

تحدث أيضاً شاب يُدعَى زين –أحد المهتمين بالتكنولوجيا ويعمل حالياً بشركة برمجة ناشئة- إلى ميدل إيست آي عن تجربته في الجيش. قال زين إنَّ الضباط يسألون المتقدمين للتجنيد عما إذا كانوا ينتمون أو أيٌ من أفراد عائلاتهم إلى جماعة الإخوان المسلمين. ومع أنه يمكن إعفاء الشباب في حالة إجابتهم بالإثبات، إلا أنه من الحكمة ألا يقوم الشباب بذلك نظراً للحملة الأمنية الحالية ضد أعضاء الجماعة. ويقول زين إنَّ هذه ربما تكون طريقة ما لوضع هؤلاء الشباب تحت مراقبة جهاز أمن الدولة بمصر.

يشارك مصطفى –خريج كلية الحقوق– زين في مخاوفه الأمنية. فمع أن مصطفى ليس عضواً بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أنه ناشط سياسي ليبرالي، ويخشى أن تعرضه نشاطاته بالماضي إلى مضايقات من قبل الضباط بالجيش أو أمن الدولة، ويقول عن ذلك مشيراً إلى عدد من المجازر التي شارك فيها الجيش منذ عام 2011 "هذا نتيجة لتدخل الجيش بالسياسة بشكل مباشر في السنوات الماضية. بالطبع أنا قلق، فكل هذه الذكريات عن أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، والحوادث الأخرى التي قام فيها الجيش بتفريق اعتصامات المدنيين، مازالت كل هذه الذكريات عالقة برأسي".

يحاول العديد من الشباب تجنب التجنيد بطرق أخرى، أحياناً بتأخير تخرجهم حتى سن التاسعة والعشرين، وأحياناً أخرى بالسفر للخارج حتى سن الثلاثين، ثم العودة بعد أن يكونوا قد أصبحوا غير مؤهلين للخدمة بالجيش. فكر عمر في القيام بهذا، ولكنه قرر في النهاية بأنه سيضيع وقتاً كثيراً بهذا الشكل وسيضر بمستقبله كثيراً، وقال عن نفسه "لست شخصاً يهرب من الدفاع عن حقوقه".

بالنسبة لعمر ولغيره من الشباب، فالجيش هو مؤسسة تمييزية بالأساس، تقوم بالتمييز على أساس الجنس والطبقة الاجتماعية والعرق. فإن كان الشاب من حملة الشهادات العليا، وهو ما يكون عادةً معتمداً على الطبقة الاجتماعية للشاب، فإنه يخدم حينها سنة واحدة فقط بالجيش. أما إن كان الشاب لم يتلق التعليم على الإطلاق، فإنه يخدم لثلاث سنوات. ويرى عمر أن هذا تمييز صريح.

طبقاً للبنك الدولي، كان لدى مصر عام 2014 حوالي 835000 فرد بالجيش. وبالنسبة لمن قضوا سنوات تجنيدهم وخدمتهم بالجيش، فالتجربة أقل ما يُقال عنها أنها كانت مذلة ومرهقة إلى أبعد حد.

يعتبر تامر وزين نفسيهما محظوظين لأنهما لم يقضيا فترة تجنيدهما بسيناء.

وبدلاً من ذلك، قضى تامر وزين مع زملائهما فترة التجنيد كعمالة رخيصة للضباط الكبار، إذ كانت مهمتهم هي قضاء احتياجات هؤلاء الضباط. بينما كانت مهمة آخرين هي بيع منتجات الجيش كالمعكرونة وغيرها، أو المشاركة في بناء البنية التحتية للجيش. وعادةً ما يتلقى المجندون مبلغاً رمزياً يبلغ من 250 إلى 300 جنيه مصري (حوالي 28-33 دولاراً) شهرياً مقابل عملهم.

ويقول تامر عن ذلك "إنَّ الأمر يشبه الجحيم. أنصح كل من أقابله ولم يقض فترة تجنيده بعد أن يفعل كل ما يلزمه الأمر حتى يتجنب التجنيد بالجيش، وإن وصل الأمر إلى دفع الرشاوي وغيرها من الأشياء التي أعارضها عادةً".

أقر زين بنفس الأمر، وقال إنَّ سنة الخدمة خاصته كانت تشبه السجن، وذلك مع أنه استطاع أن يقضي خدمته في عمل أقل جهداً، وذلك بسبب علاقة عائلته بأحد كبار الضباط. وقال "لم يتم الاستفادة من أي من مهاراتي، كان عملي معظم الوقت هو التنظيف والقيام بالأعمال المنزلية".

خلال النهار، كان زين يقوم بقضاء "خدمته"، والتي كانت عبارة عن مجرد وقوفه بالشمس ممسكاً بسلاح. ثم بعد ذلك، كان يتم تجنيده لقضاء احتياجات أحد كبار الضباط. ويقول إنَّ أي شاب لن يريد أن يعرف الضابط إنه يمتلك سيارة، وإلا سينتهي به الأمر بالعمل كسائق لعائلة الضابط.

وكان تامر يقوم بأعمال مشابهة لزين، إذ يقول "قمت في أحد الأيام بتنظيف سجادة والوقوف بجانبها لمنع أي شخص من أن يدوس عليها سوى اللواء وضيوفه، أقسم لك أن هذا ما حدث فقط. وفي اليوم التالي قمت بإعداد الشاي والقهوة للضيوف".

أشار الشباب أيضاً إلى أن الإهانة على يد ضباط الجيش هي جزء لا يتجزأ من حياة المجند اليومية.

ويحكي تامر عن هذا الأمر قائلاً "ما زلت أذكر عندما سبَّني أحد الضباط بسبب شكلي غير المنضبط. كان الأمر ببساطة بسبب احمرار عيني. أخبرته أنني كنت مستيقظاً طوال الليل أقوم بعملي. فسألني إذا ما كنت أعمل بملهى ليلي؟ وعندما أخبرته بأنني أعمل بمكتبة أمتلكها، أخبرني أنه يمتلك سجناً، وسألني عن رغبتي في أن أذهب إليه؟!".

وروى زين أيضاً ما يرى أنه كان ظلماً بحق أخيه، والذي خاض تجربة مختلفة عنه مع علاقات العائلة الواسعة. إذ إن أخاه يعمل طبيباً، ولديه إصابة بظهره، وكان يجب إعفاؤه طبياً من الخدمة بالجيش، إلا أنه لم يتم إعفاؤه لاحتياج الجيش لأطباء لعلاج الضباط.

أما المجندون الأقل حظاً، فإنهم غالباً ما يقضون خدمتهم في سيناء، الوجهة التي يخافها معظم المجندين. وهو الأمر المفزع الذي يشغل عقل مصطفى أثناء انتظاره لمعرفة مكان خدمته بالجيش.

طبقاً لزين وغيره، فالعدد الكبير للمجندين يجعلهم لا يتلقون تدريباً جيداً، ومن ضمنهم المجندون الذين يتم إرسالهم للخدمة بسيناء. وخلال السنوات القليلة الماضية، قُتِلَ عشرات المجندين في سيناء، وأشار المعارضون بأصابع اللوم تجاه مؤسسة الجيش التي لا تُعِدهم بالشكل الكافي لمثل هذه المواجهات المسلحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل