المحتوى الرئيسى

عثمان نواي يكتب: جرائم السلاح الكيميائي بين بشير السودان وبشار سوريا | ساسة بوست

10/22 17:36

منذ 1 دقيقة، 22 أكتوبر,2016

صدر الأسبوع الماضي تقرير لمنظمة العفو الدولية يدين نظام «عمر البشير» الحاكم فى السودان منذ 1989 باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في دارفور. إضافة إلى أسلحة محرمة أخرى مثل القنابل العنقودية التي اتهم النظام باستخدامها منذ بداية الحرب الأهلية في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق فى حدود السودان الجنوبية عقب انفصال جنوب السودان في2011. ونظام البشير هو أكثر النظم قمعًا التى حكمت السودان فى تاريخه الحديث؛ حيث قتل في دارفور خلال الحرب التي بدات في 2003 أكثر من 300 ألف شخص حسب تقارير الأمم المتحدة. والبشير هو أول رئيس دولة لا يزال فى منصبه يصبح مطلوبًا دوليًا من محكمة الجنايات الدولية، نسبة لارتكابه جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية فى دارفور. والآن تبرز الاتهامات باستخدام السلاح الكيميائى لتؤكد على الاتهامات السابقة. وبالرغم من أهمية التقرير إلا أنه أتى متأخرًا؛ إذ إن استعمال المواد الكيميائية والملوثة للمياه والأرض والتي تستهدف الإنسان مباشرة، قد رصدت منذ سنوات من قبل المنظمات المحلية. وقد بلغ المواطنون عن حالات الإصابة برشح جلدي غريب بمجرد انتهاء قصف الطيران الحربي للنظام، إلا أن المنظمات الدولية كانت تبحث عن أدلة قوية، نسبة للأهمية الكبيرة لخرق الحظر الدولي على استخدام الأسلحة الكيماوية.

الأسلحة الكيماوية تعد الأكثر خطرًا على البشرية بعد الأسلحة النووية، فهي قادرة على إحداث خسائر بشرية كبيرة في وقت قليل، كما أن التلوث الناتج عنها يدمر الأرض والبيئة لسنوات حسب نوع المواد المستخدمة. بالنتيجة فإن اتفاقية حظر استخدام  الأسلحة الكيميائية التي صادق عليها السودان، تمنع بتاتًا تصنيع أو استخدام السلاح الكيميائي في الحروب. كما أن المجتمع الدولي يتخذ تدابير صارمة باستمرار حيال أي شكوك حول استخدام أسلحة كيميائية أو حتى امتلاكها أو محاولة تصنيعها. وجزء كبير من المخاوف من أسلحة الدمار الشامل التي اتهم العراق بامتلاكها كان متعلقًا بتاريخ العراق في استخدام الأسلحة الكيماوية. ولا ننسى أن أمريكا كانت قد أوشكت على قصف الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيمائية مجازر الغوطة.

إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومقرها لاهاي، هي الهيئة الدولية المسؤولة عن التحقيق والتعامل مع الأسلحة الكيميائية والتخلص منها. وقد أجبر نظام الأسد على التخلص من أسلحته الكيميائية خلال العامين الماضيين بعد ضغوط دولية واتفاق ضمنته روسيا جنب نظام الأسد خطر القصف الأمريكي. ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية هي أيضًا الجهة التى من المتوقع أن تفتح تحقيقًا دوليًا فى الفترة القادمة في الاتهامات التي قدمتها منظمة العفو الدولية ضد النظام السوداني. وبالفعل قد قامت عدد من الدول الغربية على رأسها بريطانيا، إضافة إلى البرلمان الأوروبي والأمم المتحدة، قاموا بالمطالبة بتحقيق موسع حول استخدام السودان أسلحة كيميائية فى دارفور. إلا أن النظام السودانى ينكر استخدامه للسلاح الكيميائى. ويعول البشير مثل الأسد على روسيا حليفته الدولية الأساسية، إضافة إلى الصين فى تعطيل أي قرار أممي ضد السودان فى مجلس الأمن.

من المعروف أن نظام البشير وللاسف وبمساعدة من إيران وروسيا تمكن من بناء مصانع أسلحة عسكرية متقدمة من بينها الأسلحة الكيميائية. والآن بعد تقرير العفو الدولية، سيتم تحويل الملف لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي، وهذه ستكون ورقة ضغط  جديدة على النظام، ولكن لا يجب أن تعتمد القوى السياسية السودانية والمجتمع المدني على الضغط الدولي في هذه القضية.  فما زال نظام الأسد يستخدم الاسلحة الكيميائية فى سوريا، بالرغم من التفتيش والإعلان عن تسليم الأسد لكافة أسلحته، ولازال النشطاء فى مناطق عدة يبلغون عن حالات لاستخدام السلاح الكيماوي في  سوريا. إذن الضغط الدولي ليس هو الحل. إن حماية المدنيين في مناطق الحرب في السودان، كما هو الحال في سوريا لا يبدو ممكنًا، دون التخلص من النظام الحاكم في السودان، وهو ذات الخيار الذى يراهن الكثير من السوريين أيضًا على أنه الضمان الوحيد على إنهاء احتمال أي استخدام مستقبلي للسلاح الكيماوي ضد شعبهم.

إن السودان، وبفضل حكم البشير أصبح على قائمة الدول ذات التاريخ الأسوأ في الجرائم ضد الإنسانية في عصرنا الحديث، في قائمة تبدأ بألمانيا النازية، ولا تنتهي بإسرائيل، ونظام الأسد مرورًا بالتطهير العرقي في رواندا، وجرائم حرب البلقان. وأصبح السودان ضمن الدول التي مارست أبشع الجرائم ضد شعوبها، ودون أية محاسبة  للمجرمين، بالرغم من ازدياد قائمة الجرائم كل يوم. وبالرغم من الاهتمام الدولي الكبير بسوريا تراجع السودان في أجندة الأزمات الدولية، خاصة بعد انفصال جنوب السودان قبل 5 أعوام. كما أن قضية الإبادة الجماعية في دارفور ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بالقبض على الرئيس السوداني عمر البشير، تمت التغطية عليها من خلال محاولات النظام السودانى التعاون على المستوى الدولي والإقليمي فى الحرب على الإرهاب.

ومع استطالة الحرب فى سوريا تحت غطاء الحرب على الإرهاب، والتغاضى الدولى عن جرائم الأسد المدعومة من روسيا، فإن السودانيين بعيدًا عن الأضواء يعانون من ذات المصير. فالحرب فى دارفور بدأت منذ 15 عامًا، ومنذ الإدانة الدولية للبشير ونظامه عبر المحكمة الجنائية الدولية في 2009، لا يزال الرجل حرًا طليقًا يمارس المزيد من الجرائم بلا محاسبة. وفي المقابل فإن التدخل الدولي المكثف في سوريا لم يوقف نظام الأسد عن استخدام الأسلحة الكيميائية وغيرها من الأسلحة الفتاكة في قتل الشعب السوري، وبالمثل يفعل البشير بالشعب السودانى. ولا يبدو المجتمع الدولي في الحالتين حريصًا على حماية الشعوب، فقبول تعاون أنظمة مجرمة، مثل نظامي السودان وسوريا في الحرب على الإرهاب يمد عمر معاناة الشعوب. وبالتالي فإن السلاح الكيميائي في السودان أو سوريا، إن تم نزعه، أو لم يتم لا يكاد يشكل ذلك فرقًا كبيرًا في وضع نهاية للمجازر والقتل المستمر تحت أيدى بشار الأسد وعمر البشير.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل