المحتوى الرئيسى

أحمد عبد الصبور يكتب: خاويه علي عروشها | ساسة بوست

10/22 17:13

منذ 1 دقيقة، 22 أكتوبر,2016

ربما كانت إحدى طموحاتي كشاب مصري في مقتبلِ حياتهِ أن يمُنَ اللهُ عليَ بتركْ مصرْ. وأن استقرَ بدولهً أوروبية تعاملني كإنسانٍ يستحقُ الحياة، وأحصلَ عليى جنسيتها، وهذه أمنيه كثير من شبابنا الآن. أفضت في الحديث مع شخصينِ قد بلغا من الكبر عتيًا، قد أضاف  اللون الأبيض على شعريهما نوعًا من الهيبة، لا يصنعه إلا مرورُ الزمن وتعاقب التجاربِ والخبرات.

تكلمت مع كل منهما على حدة.

أولهما نهرني بشدة، وأفاض علي في اللوم والتأنيب، وأشار إلى أنني وضيع القيمة، أو «صفر على اليسار»، كما يقولون «بجانب الوطن الذي يضم 90مليونا أعلى مني قيمه وأحسن مني مكانه..وأن وطني سيستمر بدوني أو بغيري…كما استمر عندما سافر هو إلى الأردن في شبابه…كما استمرت أوروبا عندما ودعت خيرة شبابها في حربها العظمى الأولى والثانية..ثم أفاض في الحديث عن رحلته الكئيبة وقت طيش الشباب إلى الأردن …وعن عملهِ هناكْ في المزارع وكيف ذاق مرارة الذلِ والغربة..ثم رجع إلى مصر، وقد غلبه الحنين لأرضها والاشتياق لوقت شبابه وطفولته… بعد أن انتهكت صحته وتأذى جسده، وفقد جزءً لا يستهان به من كرامته.

حدثني عقلي أنه حاول وفشل …فلم لم يترك لي أن انالَ شرف المحاولة كما نالهُ؟ ربما صلحت أموري واستقرت أحوالي كما حلمت! ربما كان ظالمًا لي! أو أن الزمن أفقده داخله متعة المحاوله أو حب المخاطرة.

أما الثاني فكان ألين منه رأيًا وأعطف علي منهُ حديثًا…وتقرب منيَ إلىَ حدِ الصديق…وقال: يا فتاي إن ذهب عنا شبابنا الآن فمن لنا من بعدهم؟ ومن سيحوطنا بالعناية؟ من سيحمل عن هذا الوطن آلامه بعد أن اهتزت شعلة حبهِ في الصدور! وأوضح أنه يعلم ما توسوس إلينا به عقولنا… وأن الفرج قريب، وأن النصر قادم وأن الله غالب.

ربما كان في في شبابه ثائرًا رافضًا لكل ظلم …ولكن الزمن أسكته وبقي في داخله شهابًا من ثوره، وبعضًا من الحق، ورفضًا للظلم.

ذكرني قوله عن هجر الشباب لوطنهم بقوله تعالى «أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِي هَٰذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا».

تصور معي وطن معظمه من الشباب وقد هجرهُ معظمهم…واضطرهم الحال إلى المخاطرة بأعز ما وهب إليهم..وأغلى ما تملكوا عليه حياتهم.

إن دول أوروبا بما فيها من تقدم مادي ومعنوي وصحي تعاني حاليًا الأمرين جراء قله عدد الشباب وتدعو إلى الهجرة إليها لتعميرها ..كل لا يطلق عليها اسم القارة العجوز كما هي الآن.

وفي وطننا وفي موضع عزتنا وكرامتنا قد نضطر إلى الهروب منه إلى الموت !

ربما كان أكثر السيناريوهات كآبة، ولكن وجوده أهلهُ أن يذكر وأن يوضع في الحسبان.

ربما كان الحديث أحق أن يقال للحكام العرب قاطبة، أن رفقاً بنا،لا تقدمونا إلى البحر كقربان، ولا تجعلونا طعامًا للأسماك، ولا تجعلونا سكانًا للغرف المظلمة مع خيرة من أنجبت بلادنا، وربما كان حريًا بكم أن تتذكروا «أمل دنقل» حين قال «إن الودعاء الطيبين هم الذين يرثون الأرض في نهايه المدى لأنهم لا يشنقون».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل