المحتوى الرئيسى

تعددية حزبية.. أم مجرد ظهير سياسى للرئيس؟ | المصري اليوم

10/22 01:09

أريد أن أضع خطاً فاصلاً وواضحاً بين ما كتبته ونشر فى هذه الزاوية خلال الأسبوعين الأخيرين، تحذيراً من مخاطر الدعوة إلى ديمقراطية غير حزبية، وبين الدعوة - التى تصاعدت خلال الفترة نفسها تقريباً - إلى تشكيل حزب يكون بمثابة ظهير سياسى للرئيس عبدالفتاح السيسى.. يواجه معه المخاطر التى يتعرض - ونتعرض جميعاً - لها، نتيجة لاستغلال قوى الشر ما تعانيه البلاد من صعوبات اقتصادية، يعود معظمها إلى الإرهاب الأسود، الذى تمارسه هذه القوى، مدعومة بالأسلحة والمتفجرات وبأجولة الدولارات التى تضخها فى خزائنها دول إقليمية ودولية، وبإمبراطورية إعلامية مسلحة بكل ما هو سوقى ومبتذل وفاحش وكاذب من الأخبار والتعليقات والشائعات، يتوهم الذين يخططون لإطلاقها أن باستطاعتهم إسقاط النظام القائم، وإحداث فوضى شاملة تلحق مصر بالدول الفاشلة التى تحيط بها من كل جانب.

من الناحية الشكلية، قد يبدو أنه لا فارق بين ما دعوت إليه وحذرت منه وبين ما يدعو إليه هؤلاء، الذين لا أشك فى إخلاصهم للوطن وفى حرصهم على ملء الفراغ السياسى الذى تستغله قوى الشر، لكى تواصل تحريضها على التخريب والدمار، الذى لا تملك برنامجاً سياسياً غيره، إلا أن ذلك لا ينفى أن هناك خيطاً رفيعاً بين الرؤيتين، يدعونى إلى أن أضع هذا الحد الفاصل والواضح بينهما.

وليست الدعوة إلى أن يشكل الرئيس السيسى حزباً يكون ظهيراً سياسياً له، جديدة.. إذ سبق أن تصاعدت على مشارف وأثناء حملة الانتخابات النيابية فى العام الماضى، وتحمس لها عدد ممن رشحوا أنفسهم خلالها، إلى الحد الذى دفع بعضهم - من دون خجل - للإعلان عن أنهم يخوضونها لكى يشكلوا حزباً للرئيس، تكون أولى مهامه السعى لتعديل دستور 2014، لأن نصوصه تعطى لمجلس النواب سلطات تجعله يتغول على سلطة الرئيس، وتحول بينه وبين تنفيذ برنامجه، ولم يتوقف هؤلاء عن دعوتهم إلا بعد أن نُبهوا إلى أن الدستور فى المادة 140 منه ينص على أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة، وإلى أن تنازل مجلس النواب عن سلطات منحها إياه الدستور إلى الرئيس، أمر يسىء إلى الطرفين، وينسف الدستور قبل تطبيقه، وقبل أن يجف المداد الذى كتب به.

ومن البديهى أن ذلك لا يحول بين الذين يريدون تشكيل حزب لدعم الرئيس، أن يفعلوا ذلك من دون أن يكون الرئيس نفسه عضواً بهذا الحزب، وهو أمر لا أجد داعياً له أو فائدة من ورائه، ليس فقط لأن معظم الأحزاب المدنية القائمة، والممثلة فى مجلس النواب تضع الخطوط العامة لسياسة الرئيس السيسى، ولكن - كذلك - لأن نص المادة 140 من دستور 2014، كان قائماً بالنص نفسه، فى المادة 133 من دستور 2012، ومع ذلك فإن تخلى الرئيس الربانى محمد مرسى عن الموقع الذى كان يشغله قبل انتخابه رئيساً، وهو رئيس حزب الحرية والعدالة، وقسمه المغلظ على أن يحترم القانون والدستور لم يمنعه من تلقى التعليمات والأوامر من مكتب الإرشاد العام لجماعة الإخوان المسلمين، التى لم يكن لها وجود قانونى آنذاك وإلى الآن، ولم يحل بينه وبين توزيع وثائق الدولة الرسمية والسرية على غير المسؤولين لكى يبيعوها بمليون دولار إلى قناة الجزيرة!

ليست المشكلة إذن هى تشكيل حزب يكون ظهيراً سياسياً للرئيس السيسى، فهذا يقلل من سقف الآمال المعقودة على الرجل الذى سيدخل التاريخ، لأنه تحمل بشجاعة مخاطر الانحياز إلى إرادة الشعب المصرى فى مواجهة جماعة إرهابية مسلحة، تتاجر بالدين منذ 90 سنة، وهى آمال تتبلور فى هدف رئيسى هو وضع أسس إعادة بناء الدولة الوطنية المدنية العصرية، وهو هدف ينقسم إلى مهمتين أساسيتين عليه أن ينهض بهما خلال فترتى الرئاسة اللتين يتيحهما له الدستور، الأولى هى: هزيمة الإرهاب باسم الدين الذى يسعى لتخريب مصر والحيلولة بينها وبين تنمية مواردها، بحيث تشبع احتياجات شعبها. والثانية هى: تمهيد الأوضاع لبناء نظام سياسى يقوم على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات، والتوازن بينها، وتلازم المسؤولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته.. كما يقول الدستور.

تلك أهداف ومهام لا تحققها الدعوة إلى تشكيل حزب يكون ظهيراً سياسياً للرئيس، ليس فقط لأن هذه الدعوة أقل بكثير من الآمال المعقودة على الرجل، بل لأنها - كذلك - قد تقودنا من دون قصد إلى الوقوع مرة أخرى فى مستنقع صيغ فات أوانها، وأثبتت فشلها، كان آخرها هو صيغة الحزب الواحد فى قالب تعددى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل