المحتوى الرئيسى

عبد الفتاح العقيلي يكتب: الحياة وفلسفة المعرفة! | ساسة بوست

10/21 19:36

منذ 1 دقيقة، 21 أكتوبر,2016

في رحلةٍ لسبر أغوار النفس البشرية ومدى عشقها للفكر والمعرفة، يدفعني كل يوم نوع من النهم الفكري والمعرفي والروحي؛ فمنذ معرفتي بقواعد اللغة وقوانينها آليتُ على نفسي أن أجعل من وقتي مركبًا أسير به متعمقًا في خضمِّ المعرفة بشتى أنواعها وتعدد مصادرها، وكلما سرتُ وتعمَّقت وعرفت، زاد شوقي ونهمي لمعرفة المزيد وكأن الصورة تتضح أمامي وتبينُ، وما زلت أسير وأبحر وأُمخر بمركبي عُباب المحيط، فتلْفِتُ نظري الفكرة وتلمع في ذهني العِبرة، فأتنفس عبقَ المعرفة، وكلما زاد نهمي، زادت أفكاري وتعددت وتنوَّعت حتى أصبحت مزيجًا من ثقافات متنوعة.

جميلة هي إذن المعرفة بمصادرها المختلفة، تمنحنا حيوات متنوعة؛ فصاحب المعرفة لا يقف مكتوف الأيدي أمام ثقافة واحدة أو لكنةٍ واحدةٍ أو لغةٍ وحيدة متفردةٍ، وإنما يتوغل ويجول ويصول بين معارف أمم وثقافات دول في شتى مناطق العالم، وكلما نقَّب ورشف من معين صنوف العلوم زادت معارفه، وزادت حاجته للمزيد وتمنَّى لو وقف حياته على المعرفة والتعلُّم دون التزود والتنعُّم بمباهج الحياة. وأمام هذا الإيمان الراسخ بضرورة المعرفة، لاحت في الأفق الكثير من النظريات والأفكار التي غيرت مجرى التاريخ ووقف العالم مبهورًا أمامها لحاجته الشديدة لها في حياته العملية أو لما لها من تأثير في نظام الكون والحياة والطبيعة. ولعل النظرية النسبية لإينشتاين والفينتوثانية لأحمد زويل دليل واقعي كافٍ على الأثر البالغ للمعرفة في الحياة العملية وحياة الناس اليوم.

إننا كثيرًا ما نلوم أصحاب الياقات البيضاء على تشدقهم بمصطلحات غريبة عن أذهاننا وفكرنا ونحن معذورون لكوننا لم ننل قسطًا من الراحة ولم نشغل فكرنا بجوهر هذه الحياة. فأصحاب العقول من المفكرين والأدباء والعلماء والفلاسفة ومن يصح أن يطلق عليهم هذا اللقب في راحة؛ لأنهم في بحث دائم ومستمر عن أسباب الحياة وطبيعتها ومعرفة الفلسفة الكونية والطبيعة المختلفة للمخلوقات والنظام الكوني المعقد القائم على الأسباب والمسببات وضرورة أن يكون لكل ظاهرة طبيعية أو اجتماعية مسببات تؤدي إليها إضافة لقانون الطاقات المهدرة. لقد فهموا طبيعة الحياة من خلال المعرفة والبحث في مضامين الكون فارتاحوا وأراحوا من حولهم، ولعل هذا دليل واضح على أن النجاح وتحقيق السعادة في الحياة مرتبط بعنصر المعرفة، وهذا الارتباط لم يصل إليه، في أقصى درجاته سوى الرسول محمد -(صلى الله عليه وسلم)- على سبيل الذكر ليس إلا.

والإنسان العادي ليس لديه سوى حياة واحدة، ومن يعرف هو في حقيقة الأمر، يعش أكثر من حياة؛ فحياة واحدة لا تكفيه؛ لذلك هو لا يتوقف يومًا عن البحث والتعلم، ولا يوقف حياته على أوليات عيشه من العيش وكسب الرزق، بل يفتح لنفسه وذاته آفاقًا جديدة رحبة يسمو فيها بروحه وفكره فيصنع لنفسه بدل الحياة آلاف الحيوات فيحقق السمو الروحي والمعرفي دون أن يختصر حياته فيما لا يفيد.

إن المعرفة وسيلة لكسب الشعوب وقيادتها والسيطرة عليها فبالمعرفة نتمكن من اكتشاف طبائع البشر في منطقة ما من العالم، وبها توضع المناهج لدراسة اتجاهات الناس وتوجيهها، وربما تكون العلاقة بين الاستعمار والاستشراق أصدق دليل على هذا المعنى، فعندما فكر الغرب في السيطرة على الشرق الأوسط ونهب ثرواته وإمكاناته، كانت المعرفة وقوة الفكر هي الخيار الأوحد أمامهم، بعد أن فشلوا بقوة السلاح، فأوقفوا فئة منهم (سموا بالمستشرقين) على هذا الهدف، ظلت حبيسة الغرف المغلقة، وراحوا يستكشفون طبيعة البلاد العربية وماهيتها ويدرسون ثقافة أهلها ولغتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأحوالهم وطبائعهم وأنماط حياتهم حتى أتم لهم ما أردوا. وهذا ما حدث بالفعل؛ إذ حقق الاستشراق أهدافه ونجح في أن يتخذ من المعرفة سلاحًا ووسيلة لتحقيق أجندته السياسية والسيطرة على دول الشرق الأوسط ونهب ثرواتها وخيراتها وتقسيم المشرق العربي إلى دويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة.

ومن المؤسف كل الأسف أن نكون على علم ومعرفة، ثم نتغافل ونتكاسل عن الحقيقة المرة، ولعمرك هذا أشد مراتب الخنوع والكسل والتراخي والدعة والراحة، وهو السبب الرئيس في خراب ديارنا وضياع أهلينا!

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل