المحتوى الرئيسى

محمد الياسين يكتب: الحرب الباردة الثانية في سياق الحرب السورية – ج(1) | ساسة بوست

10/21 18:56

منذ 1 دقيقة، 21 أكتوبر,2016

ملخص في عرض أزمة النظام الدولي (1945 – 2016)

تشكل النظام الدولي لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945 على ضوء نتائج الحرب، إذ تميز نظام ما بعد الحرب الثانية بالمنافسة الحادة، وانقسام العالم لمعسكرين أيديولوجيين مختلفين تقودهما كل من الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، مرحلة «الثنائية القطبية» في إدارة النظام الدولي قادت العالم للحرب الباردة الأولى، التي أنتجت نوعًا من التوازن الحذر في إدارة النظام الدولي والأزمات الدولية، وتمخض عنها تحالفات دولية، وحزمة أزمات متنوعة، وحروب بالوكالة كادت أن تؤدي لحرب عسكرية مباشرة بين القوتين، وحرب نووية تمثلت بالأزمة الكوبية عام 1962.

عقب انتهاء الحرب الباردة الأولى بانهيار الاتحاد السوفيتي وتفكك الكتلة الشيوعية (1989- 1991)، برزت الولايات المتحدة كلاعب رئيسي مطلق النفوذ والصلاحيات بلا منافس، مرحلة «الأحادية القطبية» أنتجت تفردًا بالسلطة في إدارة النظام الدولي، والأزمات الدولية، واحتكار صناعة القرارات وصياغة السياسات على المستوى العالمي، مما أدى لغياب التوازن في النظام الدولي الذي أنتج بدوره فوضى، وولد أزمات جديدة مع مرور الوقت.

مع بداية القرن الحادي والعشرين وإعلان الولايات المتحدة سياستها الدولية في الحرب على الإرهاب باحتلال أفغانستان والعراق، بدء عمليًّا العد التنازلي لتراجع القوة الأمريكية على المستوى الدولي، نتيجة تراكم الأزمات الدولية المتمخضة عن تلك الحروب، وإخفاق السياسة الأمريكية في القضاء على الإرهاب الذي تفاقم بشكل مرعب مع مرور الوقت، وفقدان واشنطن القدرة تدريجيًّا على فرض سيطرتها المُطلقة في إدارة النظام الدولي، والحرب على الإرهاب، والحد من الظاهرة وأسبابها المتزايدة. يمكن تحديد ملامح تراجع القدرة الأمريكية من خلال عودة بروز الدور الروسي عبر الأزمة السورية، وإنتاج موسكو لسياسات آوراسية من شأنها وضع روسيا في منافسة جديدة حادة أمام الولايات المتحدة، قد تؤدي لإعادة رسم خارطة تحالفات دولية جديدة لن تكون الولايات المتحدة صاحبة القرار المُطلق فيها مرة أخرى.

مقاربة بين أزمة المنظومات الصاروخية خلال فترات الحربين الباردتين «الأولى والثانية»

خلال عام 1962، نشبت أزمة الصواريخ الكوبية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، والتي تعتبر أخطر أزمات الحرب الباردة الأولى، إذ كادت أن تؤدي لحرب نووية شاملة. تتشابه أحداث أزمة الصواريخ الكوبية، من حيث المبدأ، مع الأحداث التي نشهدها في وقتنا الحاضر منذ بداية الأزمة السورية وتداعياتها الخطيرة، في سياق التنافس الأمريكي– الروسي على نشر المنظومات الصاروخية المتطورة في المنطقة، والسيناريو المرعب الذي قد يؤدي إليه هذا التنافس الثنائي، خاصة مع استمرار فشل المحادثات الأمريكية– الروسية بشأن الأزمة السورية، وتداعيات ذلك على مستوى الأمن الدولي. فمنذ بداية الأزمة من سنوات وسعت واشنطن من سياسة نشر الأنظمة الصاروخية المتطورة في الدول الإقليمية الحليفة لها، فضلًا عن تدعيم أنظمتها الصاروخية واللوجستية في المياه الإقليمية، ثم صاحبتها تحركات روسية مماثلة. فقد أعلنت موسكو مؤخرًا على لسان الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، أن بلاده نشرت منظومة «إس 300» المضادة للصواريخ في قاعدتها البحرية في ميناء طرطوس السوري، تلك الخطوة اعتبرت بعض التقارير أنها قد تكون في إطار مواجهة منظومة صواريخ كروز الأمريكية، والتي قد تستخدمها واشنطن ضد نظام الأسد، جاء الإعلان الروسي عقب فشل المحادثات الثنائية بين موسكو وواشنطن لتنسيق الغارات الجوية ضد الجماعات المسلحة في سوريا. وكانت روسيا قد نشرت في العام الماضي نظام «إس 400» الأكثر تقدمًا في قاعدة «حميميم» العسكرية غربي سوريا، بعد أن بدأت شن غاراتها الجوية في البلاد.

في سياق متصل بالأحداث، نقلت شبكة «روسيا اليوم الإخبارية»، عن رئيس لجنة الشؤون الدولية التابعة لمجلس الاتحاد الروسي، قوله: «إن المجلس سينظر في اتفاق نشر قوات روسية على أساس دائم في سوريا، إذا صادق مجلس النواب عليه». وخلال شهر أغسطس الماضي صرح الجيش الروسي أنه بدأ مناورات شرق البحر الأبيض المتوسط، بالقرب من سوريا، لاختبار قدرات الأسطول البحري في الرد على أوضاع الأزمات ذات الطابع «الإرهابي». تزامن ذلك مع تصريحات روسية حول عزم موسكو توسيع قاعدة حميميم العسكرية، وتحويلها إلى قاعدة جوية مجهزة بشكل متكامل، وتهيئة الظروف التي تتيح بقاء الجنود الروس فيها بشكل دائم.

تداعيات الأزمة السورية على الاتفاق النووي الأمريكي– الروسي

نشرت صحيفة الواشنطن تايمز الأمريكية تقريرًا بخصوص تداعيات الأزمة السورية على الاتفاق النووي الأمريكي الروسي، رجحت فيه الصحيفة إنهاء التعاون بين البلدين في الملف النووي، والذي استمر قرابة 16 عامًا، فقد أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت سابق مرسومًا رئاسيًّا هدد فيه باتخاذ إجراءات غير ودية بسبب عدم قدرة واشنطن على الوفاء باتفاق 2000 الذي تم توسيعه عام 2006 و2010، والذي ينص على التخلص من 34 طنًّا من البلوتونيوم المُستخدم في صنع الأسلحة، والذي يكفي لإنتاج قرابة 17 ألف رأس نووي، من جانبه قال المتحدث باسم الرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، إن بلاده ترى أن التعاون النووي مع واشنطن لم يعد صالحًا في ظل التوترات الحالية بين البلدين. والمقصود بالتوترات تلك الناجمة عن الأزمة السورية والأوكرانية، فقد كانت موسكو قد طالبت واشنطن بإلغاء العقوبات الأمريكية على روسيا بسبب أزمة أوكرانيا، وتعويضها عن الخسائر التي تكبدتها بسبب تلك العقوبات. من جهة واشنطن فقد أعلنت ان تعاونها مع موسكو بشأن التهدئة في سوريا لم يعد مثمرًا.

حرب دولية بالوكالة في سياق الحرب السورية

أبرز ما تميزت به الحرب الباردة الأولى (1945 – 1991) هو كثرة «حروب الوكالة»، فتوازن القوى بين القطبين الرئيسيين (الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي) خاصةً في الإطار العسكري الإستراتيجي، والترسانة النووية الإستراتيجية على وجه الخصوص، ذلك التوازن ساهم إلى حدٍّ بعيد في إيجاد مصلحة مشتركة بين الجانبين في تصدير الصراع إلى ساحات مختلفة، وإدارته عبر وسطاء بالوكالة لتجنب الصدام العسكري المباشر بينهما، والذي قد يتحول لحرب نووية شاملة. لا يختلف ذلك المشهد كثيرًا عن المشهد الحالي في سياق الحرب السورية. خاصةً مع استمرار الأزمة وتطور أحداثها بشكل متسارع، وتزايد أطراف النزاع فيها، وتداعيات الحرب على خارطة التحالفات والعلاقات الدولية، والانعكسات المتفاقمة على مستوى السلم والأمن الدوليين. إصرار موسكو على بقاء نظام الأسد ليس من أجل الإبقاء على بشار الأسد رئيسًا للبلاد، إنما بهدف إنتاج سياسة مضادة للولايات المتحدة من شأنها تكريس المصالح الجيوسياسية الإستراتيجية الروسية، وإعادة موسكو لسابق عهدها على الساحة الدولية من خلال البوابة السورية.

كشفت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تدرس حاليًا خيارات لحل الأزمة السورية، من بينها توجيه ضربة عسكرية محدودة لقوات النظام السوري، موضحة أن تلك الخطوة قد تأتي نتيجة فشل الجهود السياسية الرامية إلى التهدئة، وإيجاد صيغة حل للأزمة السورية. من جهته نشر الموقع الإلكتروني لمحطة CNN الأمريكية سلسلة تغريدات للإعلامي السعودي جمال خاشقجي، توقع فيها قيام الولايات المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا؛ لإطاحة النظام السوري بعد فشل الجهود السياسية. من البديهي القول إن تجنب واشنطن للخيار العسكري المباشر ضد النظام السوري يعود لجملة حسابات دولية وإقليمية، في مقدمتها تجنب الصدام المباشر مع روسيا وإيران، الذي قد يؤدي لحرب إقليمية شاملة، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لن تقدم على القيام بتدخل عسكري مباشر ضد النظام السوري خلال فترة الانتخابات الرئاسية على أقل تقدير. لكن تبقى الاحتمالات مفتوحة في حال استمرت التوترات بين واشنطن وموسكو بخصوص سوريا لما بعد الانتخابات، وقدوم إدارة أمريكية جديدة.

فيما يتعلق بوكلاء الحرب على الأرض في الساحة السورية، وما يتصل بها في الساحة العراقية «الجماعات المسلحة»، روسيا على عكس الولايات المتحدة، حيث لدى موسكو حلفاء أقوياء في سوريا والعراق، يتمثلون بالميليشيات المسلحة التي تعمل بتوجيهات إيرانية لمساندة النظام السوري، وتكريس نفوذها الأمني والسياسي في العراق على حساب النفوذ الأمريكي الذي شهد تراجعًا في المشهد السياسي العراقي. اعتماد الولايات المتحدة على الهجمات الجوية المسلحة بشكل رئيسي ضد تنظيم داعش بسبب ضعف وكلاء واشنطن على الأرض، مقارنةً بحلفاء موسكو وطهران، وتراجع حجم الثقة من قبل قوى المعارضة السورية المعتدلة بواشنطن، ومن المرجح أن يتقلص التأثير الأمريكي في قوى المعارضة السورية بشكل أكبر، خاصةً مع إقرار قانون «جاستا» في الولايات المتحدة، والذي يستهدف بالدرجة الأساس المملكة العربية السعودية، الحليف الإستراتيجي التقليدي لواشنطن، وصاحبة الثقل والتأثير الكبير في غالبية قوى المعارضة السورية المعتدلة، يبقى الاستثناء قائمًا على القوى الكردية المقاتلة التي تعتبرها واشنطن الحليف الإستراتيجي لها في الحرب على الإرهاب في العراق وسوريا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل