المحتوى الرئيسى

انتحار زعيم شاب

10/21 11:26

لن يمرّ تبنّي رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري ترشيح الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية مرور الكرام. القرار الذي اتخذه الحريري ستكون له عواقب كثيرة على تياره وعلى البيئة اللبنانية السنّية عموماً.

وإذا كانت الأسابيع السابقة قد شهدت محاولات لتهيئة البيئة السنية لإعلان الحريري، مع انتشار "شائعات" عن قرب تبنّيه ترشيح عون رئيساً للجمهورية، إلا أن ذلك التمهيد لم يكن من نوع التمهيدات التي تجهّز القواعد لاستقبال هكذا قرارات مفاجئة.

فالتمهيد المذكور لم ينجح سوى في إحداث نوع من انتظار سنّي، انتظار إطلالة الزعيم ليكذّب ما يُشاع ويبقي على خيوط الحب التي تربط بينه وبين قاعدته العريضة.

ولكن لا. لم يظهر عليهم حريري محنّك كان يتلاعب بعون، وهو ما تمنّوه، بل ظهر عليهم زعيم يغامر بمستقبله السياسي من أجل هدف غير مفهوم، أقلّه بنظرهم.

شارك غردقرار الحريري ​تبنّي ترشيح عون لرئاسة الجمهورية أدخل السنّة في مرحلة إحباط، ما يفتح الباب أمام "علماء النفس" من خصومه

شارك غردأنفق الحريري جزءاً كبيراً من ثروته على دعاية إعلامية شيطنت خصومه في وعي جمهوره. والآن أتى ليناقض ما خلقه بنفسه!

قال الحريري لجمهوره إنه اتخذ هذه الخطوة حمايةً للدولة والنظام. ولكن لا أحد يمكن أن يفهم ما الذي تغيّر الآن ولماذا هبط عليه الخوف على الوطن بعد سنوات من الفراغ الرئاسي؟ فبالعكس، الأخطار المحدقة بلبنان كانت أكبر قبل فترة.

ووعد الناس بإعادة إطلاق عجلة الدولة والمؤسسات والخدمات الأساسية وفرص العمل، وهو ما لم ينجح فيه حتى والده في ظل مرحلة الارتياح اللبناني الذي أعقب الحرب الأهلية.

ولإعطاء نفسه شرعية اتخاذ هكذا قرار، قال الحريري إنه أنفق كل ما ورث "دفاعاً عن حلم مَن أورثني" وأنه "ذهبت الثروة حماية  للثورة". ولكن لهكذا تصريح مفاعيل سلبية على أي زعيم لبناني في ظل نظام أحد مقوّمات قوّة الأحزاب فيه ما تمارسه من زبائنية سياسية.

باختصار، لم يكن الحريري مقنعاً. لقد أنفق جزءاً كبيراً من ثروته على دعاية إعلامية شيطنت خصومه وكرّهت مؤيديه بعون وصوّرت الصراع معهم على أنه صراع على دم أبيه، ثم أتاهم على غفلة ليعمل ضد قناعاتهم التي غذّاها بماله.

ماذا ترك الحريري لنفسه بعد إعلانه المذكور؟ لقد قال لخصومه إنه لا يتقن التفاوض، فحين يقترح حلاً لا يسيرون به سيعود وينفّذ ما يريدونه. وقال لحلفائه القدامى إنهم يستطيعون جرّه سياسياً إلى حيث يريدون وألا يأبهوا لعتبه عليهم حتى ولو وصل حدّ اتهامهم بالخيانة. وقال لحلفائه الجدد أو مشاريع حلفائه الجدد إنه لا يلتزم بعهوده.

ودمّر الحريري روابط كثيرة كان قد أنشأها والده مع شخصيات مسيحية فاعلة بدعمه لها ولخياراتها السياسية، وهي الروابط التي أكسبت الحريري الأب صفة الزعيم الوطني العابر للطوائف، وقال لهذه الشخصيات إن الأحزاب المسيحية الكبيرة هي التي تقرّر في الشؤون المصيرية، ما يدفع أي راغب في العمل السياسي إلى حضن هذه الأحزاب، لأن السير مع الحريري لا جدوى منه.

لم يفهم الحريري أن قاعدته تسامحه على عدم اهتمامه بشؤون حياتها اليومية. فقراء ومحرومو طرابلس وعكّار هم من غذّوا التظاهرات التي دعا إليها تياره خلال السنوات الـ11 الماضية، مع أنه مسؤول، مع غيره، عن بؤسهم. فقاعدته نسيت ظروف حياتها ولحقت به ليحقق لها شعارات كالكرامة والفخر، مثلها مثل كل اللبنانيين الفقراء الذين يتغذّون على الشعارات الواهية.

يقول البعض إن الحريري يدخل هذه المغامرة على أمل أن يتغيّر الموقف السعودي منه بحال وصل إلى سدّة رئاسة الحكومة. لم يخبره مستشاروه أن "حنفية" المال السياسي السعودي أُغلقت لأن القائمين على سياسة المملكة أدركوا عدم جدواها. ولم يخبره أحد أن الرياض لن تكون مضطرّة للمرور عبره بل تستطيع العودة إلى لبنان عن طريق معارضيه، لأن اللعب مع المعارضة أقل كلفة كون كل معارضة بطبيعتها تمتلك حرية التصرّف والتصعيد أكثر بكثير من قوى السلطة.

منذ انتهاء اتفاق الطائف، وحتى فترة قريبة على الأقل، شاع الحديث عن "إحباط مسيحي" لأن النظام الجديد حجّم من نفوذهم السياسي. الآن صرنا أمام واقع "إحباط سنّي".

والمفارقة هي أن الإحباط السنّي إحباطٌ للقواعد التي لم تشارك ولم تُستشَر في قرار قيادتها، بينما الإحباط المسيحي كان أساساً إحباطاً للقادة الذين شاركوا في صياغة تفاهم أدت نتائجه إلى إحباطهم وإحباط قواعدهم معهم.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل