المحتوى الرئيسى

أحمد السيد الكيال يكتب: شكرا سيد “فيكتور نافورسكي”

10/21 10:18

كان (فيكتور نافورسكي) عالقًا في صالة الوصول، لا يستطيع الخروج ليحقق وعدًا، قطعه بالأساس على نفسه وألزمها به، ولا أن يعود أدراجه إلى الوطن الذي حدث فيه إنقلابًا، وأصبح (فيكتور) بلا هوية رسمية، أصبح لا أحد.

بالفعل هذا العمل السينمائي مستوحى عن قصة حقيقية لشخص إيراني يدعى (مهران كريمي ناصري)، عاش في مطار شارل ديجول بصالة رقم (1) لمدة ثمانية عشر عامًا، لكني شعرت أن هذا الفيلم يقف أمام معانٍ إنسانية كبيرة، ويمنح حلًا لمعضلة، لذا وجب أن نتوقف قليلًا ونتأمل بعمق.

في رحلة حياتنا -أحيانًا- نجد أنفسنا عالقين، في مكان ما وليكن (صالة وصول)، حلمك بعد أن كان بعيدًا، ها هو صار أمامك، يفصلك عنه بوابة خروج، ولكنك لا تستطيع أن تخرج له، رغم أنك كنت تحلم بالأساس بأن تحصل على هدفك ثم تأخذه عائدًا للوطن، الوطن ربما يمثل هنا حياتك الطبيعية، إلا أنك الآن على استعداد تحت وطأة الضغوط والألم الشديد، أن تخرج له ولا تعود، ولكنك لا تستطيع، زالت كل معوقاتك الشخصية، لتظهر معوقات خارجة عن إرادتك.

وبالتالي أنت عالق بالفعل، لا تستطيع العودة، ولا المضي قدمًا، تأثير هذا الموقف شديد التعقيد غالبًا ما يكون كارثيا، والصراع النفسي الشديد الذي تسقط بين براثنه؛ كفيل بأن يقضي عليك تمامًا، بالفعل أنت كل لحظة ستشعر أنك على حافة الهاوية، خصوصًا أنك قلما تجد من سيفهمك، حتى لو كان شخصًا عالقًا أيضًا، لأنه ببساطة لا يدرك قيمة حلمك غيرك، لو أدركه بطريقتك لكان حلمه هو الآخر.

من هنا تأتي لدي القيمة الكبيرة للسيد (فيكتور نافورسكي)، وطريقة تعامله المثالية مع هذه الأزمة، بالكاد كأي شخص طبيعي شعر بالضياع، ولم يستطع أن يوقف دموعه أو أن يتجاهل الألم، لكن أول خطوة على طريق النجاة سلكها، أنه لم يستسلم للحزن طويلًا، سرعان ما أفاق من نوبة حزنه، وبدأ بالتفكير فيما عليه فعله، وقد كانت خطوته الثانية، تأكد بأن فرص تحقق حلمه من عدمه متساوية 50%، صدق ذلك وتعامل معه باعتباره حقيقة، ونظر لنصف الكوب المملوء (الأمل)، أدرك أن للصبر اليد العليا، وقرر أنه لن يتوقف عن محاولة الوصول إلى حلمه، لكن ملتزم بمبدأين:

أولهما (الوصول إلى حلمه بطريقة شرعية) بلا خداع أو تحايل أو تآمر أو إستغلال، دون التخلي عن إحترام الجميع والقانون والقواعد الإنسانية.

والثاني (أن يحاول فقط عندما تتاح له الفرصة) اكتفى بالمحاولة في المواعيد المناسبة، وفي الأطر المسموح له بالمحاولة من خلالها.

أما الخطوة الثالثة، فلقد أدرك تمامًا أنه ربما يلبث عالقًا لفترة ليست بالوجيزة، وأنه محتجز في تلك المنطقة الرمادية لمدة طويلة، وهنا قام بتصرف عبقري:

حوّل تلك المنطقة الرمادية إلى حياة طبيعية، بالفعل لا تستطيع أن تعيش حياتك الطبيعية كما كنت، وأنت محتجز في (صالة الوصول)، ولكنك تستطيع أن تكيف كل المتاح وتتأقلم معه، لتجعل حياتك على الأقل شبه طبيعية، تبتكر عملًا، تحصل على أصدقاء حتى لو كانوا مؤقتين، تحاول أن تقضي تلك الفترة بطبيعتك وعلى حقيقتك.

أما الخطوة التالية، فهي أن السيد (فيكتور) تعامل مع مشاعره بصدق، لم يبحث عن سيدة يقيم معها علاقة لأنه يشعر بالوحدة خلال تلك الفترة، ولم يمنع نفسه من لقاء سيدة إستنادًا إلى مبرر أنه عالق هنا، وأنه يجب أن يمنع مشاعره حتى يخرج من أزمته، كل ما فعله هو أنه فقط احترم مشاعره، وعبر عنها، دون حسابات أو خجل أو خوف.

أما الخطوة الأخيرة، فهي أنه عندما أتيحت له فرصة أن يعود أدراجه إلى الوطن (إلى حياته الطبيعية) أو أن يخاطر ليحقق حلمه، لم يكن قد فقد الشغف بسبب طول الانتظار أو قسوة فترة الاحتجاز، بل خرج ليحقق حلمه، ثم أخذ حلمه بعدما صار حقيقة عائدًا إلى حياته الطبيعية، لكنه كان قد تغير.. صار شخصًا أفضل، أكثر قوة وخبرة، قلبه أكثر إتساعًا، وعقله أكثر إدراكًا.

عزيزي الشخص العالق رغمًا عنك أو بإرادتك:

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل