المحتوى الرئيسى

الجعفري: «داعش» عدونا وسوريا.. وأيّ تدخّل خارجي وفق الدستور

10/21 00:49

حياة سياسية حافلة خارج العراق، ثم العودة ليكون أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي بعد سقوط بغداد، وصولاً إلى ترؤسه الحكومة العراقية، ليعود وزيراً للخارجية منذ أيلول 2014 إلى الآن. هكذا صار إبراهيم الجعفري (مواليد عام 1947)، أحد أبرز الشخصيات التي طبعت الحكم العراقي بعد الغزو الأميركي. في هذه المقابلة التي أجرتها «السفير» معه، خلال جولته الأوروبية، يُطلق مواقف لافتة: معركة الموصل صعبة ولن تحسم في أسابيع، قوات «الحشد الشعبي» مُشاركة ولا يُمكن إقصاؤها. يكشف مبادرات استماتة أنقرة لإبقاء قواتها في بعشيقة بأي شكل، لكنّه يرفض قطعاً الدور التركي مع تحذير من إمكانية تعرّض القوة التركية لردّ عسكري.

بالنسبة للملف السوري، رسائل الجعفري تتوخّى الوسطية ولا تتحرّج من انتقاد الحليف السوري: اعتراض على فكرة إنشاء قواعد عسكرية روسية دائمة، وصولاً إلى الدعوة لتخليص سوريا من الدهليز الإقليمي والدولي بمبادرة وطنية. بالأحرى، تخليص السوريين بعدما باتوا ضحايا بين مطرقة النظام وسندان المعارضة، هذا الكلام للجعفري. وهنا نصّ المقابلة:

÷ تتحدّثون بتفاؤل عن معركة الموصل وأن بدايتها مُشجّعة، فما الأفق الزمني المُتوقّع لنهايتها؟

ـ من الصعب تقدير تاريخ مُحدّد لنهاية المعركة، خصوصاً أنها معركة لا تتميّز بالصفحات المُتعارفة في الحروب التقليدية، صفحات الهجوم والدفاع والانسحاب. الموضوع هو مُطاردة أوكار مجموعة من الذين يتخفّون ويتدرّعون بالبيوت والدروع البشرية، ومستوطنون في هذه المنطقة لهم قرابة الثلاث سنوات، فبكل تأكيد تركوا مأوى لهم، ويُجيدون الحركة من مكان إلى مكان ومن مقرّ إلى مقرّ. هذا جانب، أما الجانب الآخر، فهو حرص الحكومة العراقية والقوات المُسلّحة العراقية على ردّ الضرر عن السكان الموصليين الآمنين. هذه مسألة لا بدّ منها، حتى نخرج بنتائج كما حصل في الفلوجة ونُبعد الضرر عن الناس الآمنين، ربما تأخذ المعركة بعض الوقت. بضعة أشهر ربما تكون أقرب لطبيعة المعركة.

÷ المعركة كانت بحاجة إلى قرار سياسي بالدرجة الأولى، فالتسليح موجود وحشد القوات، إطلاق المعركة يعني أن هناك تسوية، «البيشمركة» تُشارك، والحشد الشعبي منحّى الآن، على ماذا رسا القرار إذاً؟

ـ لماذا تستثني «الحشد الشعبي»؟ القوات المُسلّحة العراقية ستُشارك بكامل حجمها في تحرير الموصل، «الحشد الشعبي» و»البيشمركة» وقوات العشائر العراقية، كُلّها تُشارك، نعم تتناوب الأدوار وتتوزّع كما تناوبت الأدوار في الفلوجة، فأعطوا «الحشد الشعبي» القرمة ومناطق أخرى، فيما تولّت بقية القوات العراقية وقوات مكافحة الإرهاب داخل المدينة. فالقوات المُسلّحة العراقية، بعمومها، تُعبّر عن الجيش العراقي كله، وأيضاً هي خاضعة للقيادة العامة للقوات المُسلّحة مُمثّلة برئيس الوزراء، وستأخذ دورها بشكل طبيعي. ليست هناك جهة مُستثناة ما دامت عراقية. نعم، نحن نستثني أي قوات برّية غير عراقية أن تدخل العراق وتُشارك، هذا نرفضه. حتى الغطاء الجوي، نحن قبلناه لضرورات معينة، لطبيعة الحرب مع «داعش».

÷ إذاً على ماذا رسا القرار السياسي الذي أطلق معركة الموصل، نعرف كانت هناك تحفّظات للقيادة الكردية؟

ـ بالتأكيد بدء الحرب هو قرار سياسي، لكن تُنفّذه القوات المُسلّحة بتشكيلاتها المختلفة. الأصل هو أن نُطهّر الموصل من دنس الإرهاب الداعشي. بغضّ النظر عن حساباتهم، الحكومة العراقية تتعامل مع كل مُكوّنات الشعب العراقي مع مُراعاة خصوصياتهم. الكرد موجودون في الحكومة المركزية والبرلمان العراقي. الموصل مدينة عربية عموماً، وفيها مُكوّنات داخلية من قوميات مُتعدّدة، وفيها أيضاً مجلس مُحافظة وحكومة محلية. بقاء قوات كردية هناك متروك لمجلس المحافظة وللحكومة المحلية. وإذا قرّروا بقاءهم فهذا بشروط ومواصفات، بما لا يخلّ بسيادة العراق من جانب، ومن جانب آخر أن تُحافظ الموصل على هويتها من دون تدخّل من مُحافظات أخرى.

÷ بالنسبة لدور تركيا، رئيسها رجب طيب أردوغان مُصرّ على مشاركتهم في معركة الموصل، هناك تراشق اتهامات وتصعيد، هل قَبِل الأتراك موقفكم وتلقيتم رسائل بأن القوات في معسكر بعشيقة لن تُشارك؟

ـ نرفض تدخّل قوات تركية، بل أي قوات من أي دولة سواء محاذية للعراق أو ما بعد الجوار الجغرافي. المشكلة ضدّ الدواعش هي مشكلة عراقية، انتهاك لسيادة العراق، وأبناء القوات المُسلّحة العراقية قادرون على تطهيرها، مثلما طهّروا مدينة الفلوجة. حينما نحتاج إلى مساعدة أحد، فهذا يتمّ في السياقات الوطنية العراقية ووفق ما يسمح به الدستور، والآن نحن لا نحتاج إلى أن تتدخّل تركيا، لسنا محتاجين إليها. لا يعنينا ما سيقولون، نحن أبلغناهم ما نريد، نحن لا نسمح بمشاركة تركية على الأرض العراقية. هم موجودون بطريقة غير قانونية، الحكومة غير راضية بها، نحن لا نُؤيد ذلك، فوجودهم هو غير قانوني.

÷ سمعنا تحذيرات مُبطّنة، من أن الوجود العسكري التركي ضدّ الرغبة العراقية قد يُعرّض هذه القوات التركية لمخاطر ردّ الفعل العسكري من بعض الفصائل.

ـ بالمناسبة، هذا ما نُريد أن نتحاشاه. عندما توجد قوة أجنبية بطريقة غير قانونية تريد أن تنتهك سيادة البلد، فقد تُعرّض نفسها إلى ردود فعل غير محسوبة، ونحن لا نُريد هذا. نحن نريد دولة جارة لنا، مثلما دخلت من دون إذن، أن تخرج وتترك العراق للعراقيين وهم يُقرّرون مصيرهم بأنفسهم، لا نحتاج إلى تدخّل أي دولة، لا إيران ولا السعودية. إنها سياسة عامّة أن نُحافظ على هويتنا الوطنية، وعندما نحتاج إلى شيء فلدينا سياقاتنا، نحن لا نحتاج إلى أن يفرض أحد نفسه، ويأتي ويدخل ويقتحم ويأخذ من بعشيقة مقرّاً له ثم يُريد أن يُبرّر وجوده. نحن لا نقبل ولذلك بلغنا عنه منذ أن دخلت في الشهر الثاني عشر من العام الماضي. نحن لا نُريد ذلك، لكن أن تُحدث ردود فعل من هذا الفصيل العسكري أو ذاك.. قد يصير هناك شيء مفاجئ من دون علمنا ومن دون إرادتنا ومن دون رضانا، هذا ممكن، لكن نحن لا نريد هذا، لا نريد أن تفتح صفحات تقاطع ومشاكل مع أي دولة من دول الجوار، سواء تركيا أو غيرها. ولذلك أبلغناهم من البداية أن وجودكم غير شرعي ولا نقبل به وأطلعنا الجامعة العربية وحصلنا على قرار بالإجماع.

÷ هل اقتنعوا وقبلوا وجهة نظركم الآن، هل تحرّكوا عسكرياً مع انطلاق معركة الموصل؟

ـ قاموا بتحرّكات سياسية لتخريج هذا الوجود في بعشيقة، بمعنى أنه لا مانع أن نكون موجودين، وليكن ذلك باسم العراق وتحت علم العراق، لكن أعطونا حقّ الوجود. لم نلمس أن لديهم تحرّكات عسكرية ضدّ القوات المُسلّحة العراقية، وإذا تصرّفوا بهذه الطريقة بكل تأكيد فستكون ردود الفعل غير جيدة من قبل الطرف العراقي.

÷ حينما تتحدّث عن رفض وجود قوات أجنبية، فكل من يسمع ذلك سيسأل عن الوجود المُتكرّر مثلاً لقائد «فيلق القدس» الإيراني قاسم سليماني في الجبهة العراقية؟

ـ هناك فرق بين وجود مستشار وبين وجود قطع عسكرية أجنبية. هناك مستشارون أميركيون وكنديون وبريطانيون، من مختلف الدول، مستشاروهم موجودون في العراق ويُمارسون دوراً استشارياً. لكن أن تقول لي إنّ قطعاً عسكرية بأي حجم من الأحجام تتحرّك من موقع إلى موقع لدول أجنبية، فهذا مختلف ومرفوض.

÷ موسكو ليست مُشاركة براً أو جواً، لكن هل لغرفة التنسيق الأمني في بغداد، مع دمشق وموسكو، دور في معركة الموصل؟

ـ لها دور في تبادل المعلومات. المعلومات تدخل في كل شيء. بالمناسبة حرب «داعش»، بالدرجة الأساسية، تعتمد على المعلومات، ورصد العناصر التي تدخل من أي مسرب وأين تنطلق وأين تمر وكيف تنتهي إلى العراق كبلد هدف. المعلومات تؤدي دوراً كبيراً. هناك تنسيق معلوماتي بيننا لغرض الاستفادة من هذه المعلومات هذا صحيح، المعركة لا تتجزأ. مواجهتنا لـ «داعش» الآن في الموصل ليست بمعزل عن بقية المناطق بل ليست بمعزل عن سوريا. الإخوة السوريون ليسوا عراقيين لكن طبيعة العدوّ المشترك في هذا التعدّد الميداني تُقرّب بيننا.

÷ العراق جزء من الإقليم الذي يعيش في صراعات مُتعدّدة. هناك مُستجد مُتعلّق بالوجود العسكري الروسي الدائم، عبر القواعد العسكرية في سوريا. أي تغيير يُحدثه ذلك وما موقف العراق من القواعد العسكرية الروسية؟

ـ المنطقة حينما اضطربت أصبحت بورصة مفتوحة لكل اللاعبين، الإقليميين والدوليين، يعني دولة تتقدّم ودولة تتأخر، دولة تُريد أن تُجمّد مُشاركتها. نحن بقدر تعلّق الأمور بنا، نتفق مع هذه الدولة أو تلك للحدّ الذي نُطهّر أراضينا من دنس «داعش». لا نرتبط بتحالفات دولية ولا نؤمن بسياسة المحاور ونرهن البلد في أوقات وسقوف زمنية مفتوحة خدمة لهذا المحور أو ذاك، نأخذ مُساعدة بقدر ما نحتاج ونتوقّف عند هذا الحدّ. لسنا مع إقامة قواعد، ونعتقد أن هذا يسبب لنا مشكلة ويُسبّب خطراً مُستقبلياً، لذلك رفضنا القواعد الأميركية في العراق.

÷ أنتم طرف في «مجموعة الدعم الدولية» لسوريا، حتى لو قلتم إنكم لا تُريدون التدخّل، وكنت في اجتماع لوزان الأخير مع الروس والأميركيين وبضع دول إقليمية، لكنّ السوريين غائبون فهل ترى هذا معقولاً؟

ـ سوريا لا يستطيع أحد أن يُقصيها، نعم قد يُخاصمون حكومة، قد يُغلقون الطريق أمام مُمثّل لسوريا، لكن سوريا تبقى في الواقع العربي والشرق أوسطي، حقيقة قائمة ومُفردة مُهمّة، ونحن ننتظر في أقرب وقت أن تعود سوريا إلى البيت العربي، لأن هذا الشيء بالنسبة لنا غير مألوف وغير مقبول، لكن لا نقوى على مناهضته.

÷ كيف ترى الحلّ في سوريا الآن، أنت ترى الاستعصاء بين موسكو وواشنطن؟

ـ المُشكلة السورية في جزء كبير منها هي انعكاس للوضع الإقليمي والوضع الدولي، لكن تبقى مفاتيح الحلّ بيد السوريين أنفسهم، من داخلهم، وذلك عندما يتمّ إطلاق مُبادرات سورية ـ سورية، وتخرج لتنعكس على الوضع الإقليمي والدولي. الوضع الإقليمي والدولي لم يُفد سوريا بل عقّد المشكلة أكثر. وفي تصوّري، الإقدام على خطوات وطنية سورية تستوعب الفصائل كافة، أو غالبية الفصائل، من شأنه أن يضع القاطرة السياسية على السكّة الصحيحة. كما تقول العرب «ما حكّ جلدك مثل ظفرك»، يعني أن تقدّم الحكومة على خطوات عملية لاستيعاب ما يُمكن استيعابه، وإطلاق سراح الأبرياء والإفساح في المجال أمام القوى السياسية المُختلفة للمُشاركة في الحُكم، وإجراء انتخابات مفتوحة وصريحة، بحيث يحقّ لكل مواطن سوري أن يُشارك فيها ويتسلّم الموقع الذي يختاره شعبه، في تصوّري هذا هو الحلّ الطبيعي.

÷ هذا الطبيعي، لكن أسأل كيف تجري الأمور كما تراها في السياق الدولي؟

- الوضع في سوريا دخل الآن دهاليز الوضع الإقليمي والوضع الدولي، لكن تبقى سوريا كبلد لها تاريخها وحاضرها وشبكة علاقاتها، لا يستطيع أحد أن يُصفّرها ويلغيها، لكن عليها أن تُجيد فنّ إدارة ملفاتها الخاصة وتُقدّم حلولاً سورية وطنية وتستوعب أبناءها وقواها السياسية المُختلفة. هذا هو الحلّ الوحيد. نعم، بقية القوى الصديقة، الوضع الإقليمي والدولي، تستطيع أن تسهم في دفع ودعم عملية الحلّ والمشروع السياسي، لكن لا تكون بديلاً عن المُبادرة السورية.

÷ كأنك تقول إذا ترك الأمر للمستوى الدولي فسيُكمل دمار ما بقي من سوريا؟

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل