المحتوى الرئيسى

البيت الطائفي

10/21 00:35

«لم أكن في طفولتي اسأل عن أديان أو مذاهب زملائي» يقولون ذلك كثيراً، والنتيجة هي أن الطائفية بنت هذا الوقت ولم تكن قائمة قبله. هذا ما قد يمرّ في مقابلة صحافية أو تلفزيونية أو قد يمرّ، كما هي الحالة الآن، في عرض مسرحي، جميعنا عندئذ نتحسّر على الزمن الجميل الذاهب. قد يوجد من يزيد على ذلك بالقول ان صلات كانت تجمع بين الناس على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، قد انقطعت الآن وتبدّدت وأن علينا ان نتحسر ثانية على لبنان القديم. هذا أيضاً قد يمر في عرض مسرحي بقدر ما يتردد في أماكن أخرى. ليس صعباً نقض هذا الكلام. لكن السؤال هل من الضروري نقضه، أليس أسلم لنا أن ننام على هذه الدعوى، أن نصدّق هذا الحلم، ان نستعير لنا ماضياً ولو من بين الأحلام. ان نجد لنا تاريخاً ولو منتحلاً.

من السهل أن ننقض هذه الدعوى، يكفي لذلك ان نراجع تاريخ أكثر من قرن لنجد ان حروباً طائفية كانت تقطّع هذا التاريخ وتكاد تكون محطاته الأساسية. حتى التاريخ المدرسي لا ينكر ذلك، نتعلّمه في الصفوف الابتدائية والتكميلية ونصل به إلى البكالوريا. تاريخ أكثر جدية وبحثاً كان ليفوقه بمراحل في هذا الباب، ثم من قال إننا فعلاً لم نكن نسأل عن أديان ومذاهب زملائنا، نحن الذين تحدّرنا من آباء مثقفين كنا لا نسأل. ما بال الذين تحدّروا من بيئات عادية، ثم من قال إننا لم نسأل حقاً. كنا نحاط بأشخاص من وسطنا ولا نحتاج لنسألهم. الآخرون كنا نتعرف فوراً على انهم غرباء ونعاملهم بذلك التهذيب الذي نقابل به الغرباء أو بتلك النقمة التي نكنّها، عليهم. في الصفوف، كما في أماكن أخرى، كانت هناك أقليات سرعان ما يستشعر بها الآخرون، وبالطبع كانت الأكثرية تشعر بذلك، ولها طريقها في التعامل معه. مثلما كانت الأقلية تشعر به ولها طريقتها أيضاً في التعامل معه. قد تكون، وغالباً ما تكون مؤدّبة ومحترزة، فبين الأقليات والأكثريات آداب وقواعد لا تبقى هي نفسها في حالات الانفجار.

ثم لماذا نسأل عن أديان ومذاهب الآخرين، إذا كانت أمور كهذه مبتوتة ولا تحتاج إلى سؤال. ثمة دلائل عليها لا تتطلب كثيراً من الذكاء. لا نتعب حتى نعرف من أين أتوا وإلى أين ينتمون، أمور كهذه تكاد تكون مطبوعة على الجبين، ليست بالتأكيد أسراراً بل هي في الغالب عناوين بارزة. إنها جزء من طلّة المرء ومن لهجته ومن بيئته، ومن اسمه. التعرف عليها يتم غالباً بالتوجّس والاستشعار. أنا من مدينة لكل طائفة فيها لهجة تشي بأصولها البعيدة ويتعرف الناس على بعضهم من لهجاتهم، ومن دلائل أخرى قد تكون أحياؤهم وصنائعهم.

ثم ماذا يدعو إلى السؤال ما دام الاجتماع الطائفي موجوداً في كل مكان. في العمل الذي يستعين ربّه بأشخاص من بلدته وبالطبع من طائفته. قد يتعدّى الأمر ذلك فتكون المؤسسة، لأمر أو لآخر، ذات نزوع طائفي فلا تحشد إلا من دين معين أو طائفة معينة. قد يكون السبب هو الأمان والثقة والسلامة، إذ يقوم في أذهان أصحابها أن من يتحدّرون من طائفة أو دين هم أفضل دربة أو أكثر أصلاً للثقة أو أشدّ حرصاً. الغالب أن مؤسسة ما أو شركة أو معملاً أو... لا تقوم بدون هذه الحسابات أو هذه النوازع. هكذا لا تحتاج إلى أن تسأل فللشركة أو المؤسسة طابعهما الطائفي وإذا وجد بينهم من لا ينتمي إلى الدين أو الطائفة فهو من أقلية حذرة، لا سند لها داخل المؤسسة، وهي بالطبع معروفة ولا حاجة إلى السؤال.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل