المحتوى الرئيسى

العبـث الـوزارى والدبلـوماسى | المصري اليوم

10/21 00:10

نعلم وندرك ونعى أهمية وجود وزارة للخارجية، كما للداخلية، كما للدفاع، كما للتعليم، كما للصحة، لكن بصراحة لا أستسيغ أبداً وجود وزارة للثقافة، دون أى فائدة من وجودها على أرض الواقع، اللهم إلا إرضاء أصحاب اللسان الطويل بمكافآت شهرية حتى تضمن الدولة صمتهم قبل أن يصمتوا تباعاً إلى الأبد، لا أفهم معنى وجود وزارة للتعاون الدولى فى وجود وزارة للخارجية من المفترض أن تؤدى دورها، لا أعى معنىً لوجود وزارة للأوقاف فى ظل وجود الأزهر كمسؤول عن الشأن الدينى بحكم نص الدستور، ووجود هيئة للأوقاف مسؤولة عن شؤون الوقف الخيرى.

فى الوقت نفسه لا أرى ضرورة لوجود وزارة للاقتصاد، فى وجود وزارات الاستثمار، والتجارة والصناعة، والمالية، لا أرى أى هدف من وجود وزارة القوى العاملة فى وجود جهات كثيرة أصبحت مسؤولة عن هذا الشأن، لا أرى معنى لوزارة الإدارة المحلية فى ظل منح المحافظين سلطة رئيس الجمهورية، وكذلك الحال بالنسبة للتخطيط، والشباب، والبيئة، والهجرة، فى ظل وجود البدائل بالوزارات الأخرى.

رغم كل التطورات التى حدثت فى مجتمعنا خلال السنوات الأخيرة- وإن كانت سلباً فى معظمها- إلا أننا لم نفطن إلى أن عدد الوزارات تقلص عالمياً إلى النصف خلال العقدين الماضيين، فى إطار الترشيد من كل الوجوه، بما يعود إيجاباً على حركة الإنتاج وسير العمل، كما تقلصت أعمار الوزراء أيضاً إلى النصف، بما يضيف إلى حيوية العمل وطرق التفكير، كما تقلصت أيضاً المكاتب الحكومية والموظفون إلى ما هو أكثر من ٧٥٪‏، مع تطور الاعتماد على الحاسب الآلى والتكنولوجيا بصفة عامة.

على الجانب الآخر، لا أرى معنى لكل هذه السفارات المنتشرة فى أنحاء العالم دون جدوى من وجودها، والتى يصل عددها إلى ١٦٥ بعثة فى ١٢٩ دولة، حسب البيانات الرسمية، كل دول العالم تعتمد على سفارات مركزية، تؤدى دورها فى الدول المجاورة، بمعنى أننا سوف نجد لهذه الدول سفيراً فى السعودية، وهو فى الوقت نفسه سفيرٌ غير مقيم فى بقية دول الخليج، أو سفيراً فى القاهرة، وهو فى الوقت نفسه سفير غير مقيم بعدد من الدول العربية الأخرى والأفريقية أيضاً، نادراً ما سوف نجد سفارات فى الدول الصغرى سوى للدول التى تربطها بها مصالح قوية أو مخابراتية، إذن من الممكن أن تكون هناك سفارة لمصر بإحدى الدول الأفريقية أو الآسيوية تؤدى دورها فى أربع أو خمس دول مجاورة، وذلك ترشيداً لذلك الإنفاق غير المبرر.

وإذا علمنا أن معظم الدول لنا بها إلى جانب مقر السفارة والقنصليات مكاتب تجارية، على الرغم من أنه لا يوجد تبادل تجارى يرقى إلى ذلك، أو مكاتب إعلامية دون أى طائل من وجودها، أو مكاتب ثقافية دون أى معنى، ومكاتب أخرى لا داعى لذكرها.. لأدركنا أننا أمام سفهٍ فى الإنفاق من العملات الأجنبية لم يعد مقبولاً بأى شكل، وهو الأمر الذى كان يجب أن نتوقف أمامه طويلاً، حين الحديث عن ترشيد الإنفاق الحكومى، على الأقل فى هذه المرحلة.

وزارة الخارجية تتذرع دائماً بأنها تنفق على الوزارة والبعثات من متحصلاتها (1.7 مليار جنيه سنوياً)، رغم أن هذه الأموال فى معظمها رسوم يسددها المصريون بالخارج، كان يمكن أن تضاف إلى خزينة الدولة، بينما تتحدث بيانات أخرى عن أرقام أكبر من ذلك بكثير. وإلا لما كانت الوزارة مدرجة ضمن نفقات الموازنة العامة للدولة (ملاحظة: كل هذه الأرقام المتعلقة بعدد البعثات أو حجم الإنفاق تستهدف وزارة الخارجية فقط، دون الإشارة للبعثات التجارية والإعلامية والثقافية والعسكرية والطبية، وغيرها).

الغريب فى الأمر هو عمليات الإنفاق الغريبة التى نشاهدها فى سفارتنا بالخارج، لنا أن نتخيل أن يوماً واحداً فقط فى العام يمكن أن تنفق فيه كل هذه السفارات مجتمعة ما من شأنه حل إحدى الأزمات المستعصية داخل الوطن، من خلال ذلك الاحتفال المهيب بأحد الفنادق الكبرى، الذى يُدعى إليه كل التمثيل الأجنبى هناك، بخلاف البلد المضيف، ما بالنا عندما تتكرر هذه الفعلة مثلما يجرى الآن، بفعل العبث الذى نعيشه بالداخل. فى السابق، كان ذلك اليوم هو ذكرى ٢٣ يوليو ١٩٥٢، قبل أن يضاف له ذكرى ٦ أكتوبر ١٩٧٣، وأحياناً ذكرى العاشر من رمضان، ثم أضيف إليه ذكرى ٢٥ يناير ٢٠١١، ثم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ثم ذكرى إقامة العلاقات مع هذه الدولة أو تلك، الحمد لله لا يحتفلون بوفاء النيل، ولا بعيد الوحدة، ولا عيد السويس، ولا غيرها من عطلاتنا الرسمية التى أصبحت الأكثر عالمياً، كما الإجازات السنوية تماماً.

نحن هنا لا نتحدث عن التضخم الوظيفى فى هذه أو تلك، فهى أزمة أخرى، ورغم ذلك لاتزال التعيينات مستمرة بطرق كثيرة، جميعها ملتوية، إلا أننا هنا نتحدث عن المبدأ، الذى يتمثل فى الهدف من وجود هذه الوزارة أو تلك السفارة، وما تحققه على أرض الواقع مقارنة بما يتم إنفاقه عليها من وجوهٍ كثيرة، ربما تأتى فى نهايتها الرواتب الشهرية، وفى الوقت الذى قد نكتشف أن لا وجه لوجودها فسوف نكتشف بالتوازى أنها تضم عدداً كبيراً من المستشارين الذين يحصلون على رواتب ومكافآت تفوق ما يتقاضاه جميع العاملين بالوزارة، وهو الأمر الذى يؤكد أن تعريف الفساد يجب ألا يتوقف أبداً عند الرشوة والسرقة وما شابه ذلك، ذلك أن إهدار المال العام يجب أن يتقدمها جميعاً.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل