المحتوى الرئيسى

بالصور.. ''مصراوي'' يتتبع حكاية مدرسة ''قلبت'' الفيوم

10/20 23:07

كتب - محمد مهدي وشروق غنيم:

بهدوء تقدم شاب عشريني وفتاتين ترتديان معطف طبي، نحو مدرسة "عَنك" بالفيوم، في الصباح الباكر، أمام الأمن أظهروا أوراقهم الطبية "مراقب صحة وممرضتين"-هكذا كتبوا في دَفتر الحضور، فُتحت لهم الأبواب، التقوا بمديرة المدرسة، أخبروها بسِر قدومهم إلى المكان، إذ يمنحون الطلاب تطعيمات الوقاية من مَرض الالتهاب السحائي، قبل أن يمروا على فصول الصف الأول الإعدادي، دقائق وعلت صرخات الاستغاثة في الأرجاء، اندفع المُدرسين والعاملين وأفراد الأمن إلى مصدر الصوت، ليكتشفوا وقوع حالات إغماء بين الطلبة "العيال كان شكلها يُخض، شِبه أموات" قالها أحمد محمود، مُدرس الرياضيات، والمُشرف عن المدرسة خلال اليوم.

داخل أحد الفصول، تحلق الجميع حول 3 طلاب مغشي عليهم، القلق يعلو الوجوه، الرعب يهزّ القلوب، صرخات الخوف تصم الأذان، أعين الحضور تراقب الأزمة دون حَركة، غير أن مُدرس الرياضيات لم يطق صبرا "قولتلهم لازم نبلغ الإسعاف بسرعة"، طالبوه بالانتظار قليلًا، ظنوا أنها وعكة صحية عابرة، لكن مشهد الطلاب كان مخُيفًا، صاح فيهم: "أنا مُشرف المدرسة وهتحمل المسؤولية لو جرالهم حاجة".

في لحظات قطع الرجل الثلاثيني درجات السلم نحو المكتب، أمسك مُسرعًا بالهاتف، اتصل برقم الإسعاف، صوت الجرس ينهش روحه، ثانية تلو الأخرى، الغضب يأكله، قبل أن يتلقى الرد "بلغتهم إني عندي 7 حالات إغماء ولازم يجوا بسرعة"، انتهى الاتصال، عاد أدراجه إلى موطن الأزمة، الُرعب احتل الفصل الدراسي، زاد عدد الطلاب الفاقدين لوعيهم "لقيتهم بقوا 12 واحد".

الوقت يمر ببطء، المدرسين مكتوفي الأيدي في انتظار قدوم الإسعاف، ‏لا يوجد عيادة مدرسية "ومحدش بيعرف يعمل إسعافات أولية" يقولها كمال موسى، مدرس اللغة العربية بـ "عنَك"، التخبط ونقص الخبرة الطبية دفعهم إلى الارتجال في طرق الإسعافات "رفعنا رجلين ‏العيال لفوق" ثم توقفوا فجأة على صوت "سارينة" إسعاف يدوي في الأرجاء "حضروا بعد نص ساعة"، اندفعوا إلى النوافذ ليجدو سيارة إسعاف واحدة ومن خَلفها يهرول عشرات من الأهالي والغضب يتطاير من أعينهم "الإسعاف فضح الدنيا بالسارينة بتاعته".

صنوف مختلفة من الدعوات والشتائم استقبلتها المدرسة والمدرسين من قِبل أولياء الأمور "منكوا لله"، ‏هتف بها أحد الأهالي، محاولات منهم للدخول إلى المدرسة، لم يجد المُدرسين سوى التعامل معهم ‏بالحسنى واستيعاب غضبهم وطمأنتهم على حال أبنائهم. يذكر موسى:"قولنالهم دي حالة نفسية عند الولاد.. والطلبة اللي جوة كويسين"، لكن مع تصاعد الأمر، قررت المدرسة أن ينصرف جميع الطلاب قبل ‏انتهاء اليوم الدراسي "مشيناهم غصب عننا حوالي الساعة واحدة".

لم يكن "محمود" مُشرف المدرسة منشغلًا بما يدور من حوله، تركيزه مُنصب فقط على نَقل الطلاب المرضى إلى سيارة الإسعاف الوحيدة التي حضرت إلى المدرسة "حطينا 12 حالة في العربية لأن مفيش غيرها"، انطلقت العربة سريعًا، قبل أن تحضر أخرى، ثم سيارة ثالثة "جرينا ورا الأولى عشان نوزع العيال على كُل العربيات"، عند مَدخل قرية الغرق استطاع اللحاق بها، وضعوا في كل سيارة 4 حالات.

قلقًا جلس "محمود" في إحدى العربات الثلاث برفقة 4 طلاب، فتاة منهم عانت ضيق في التنفس "حطولها تَنفس صناعي"، أُصيبت أخرى بالأمر نفسه "مكنش فيه أوكسجين تاني في العربية.. فالمسعفين بقوا يبدلوا بين الحالة الأولى والتاني"، فيما يلح المُدرس على سائق سيارة الإسعاف للإسراع من أجل إنقاذ الطلاب، ليصلوا إلى مستشفى الحجر بعد أن قطعوا نحو 26 كيلو مترا.

‏الوضع في القرية مشتعلًا، مئات من الأهالي يخرجون في الشوارع للاطمئنان على أبنائهم في مدارس البلدة. ناصر هيكل، أخصائي اجتماعي بمدرسة "إسحاق" المجاورة لـ "عَنك"، تابع عن كثب ما يدور في الشوارع، قبل أن يندفع عدد من الأسر نحو مدرسته "جُم مذعورين ‏رغم إن ‏مفيش مشاكل في مدرستنا"، حاول مع الإدارة إقناعهم بالعودة إلى منازلهم دون جدوى، فسمحوا للطلاب بالانصراف "سيبت وقتها شغلي وروحت على المستشفى أشوف إيه الحكاية".

في غرفة الاستقبال، حملّ مُدرس "عَنك" تلاميذه بين يديه، وضعهم بين يدي الأطباء، أجروا لهم إسعافات سريعة "محاليل وتنفس صناعي وأدوية وعصاير"، كانت الحالة العامة للطلاب سيئة-وفق محمود- بعضهم فاق من الإغماء، دون أن يفصح الأطباء عن سِر الوعكة التي ألمت بهم "الأطباء رفضوا يعرفونا".

من بقَى مِن الطلاب في حالة إعياء، نُقلوا إلى غرف عدة بالمستشفى مع عشرات الحالات الوافدة إلى المكان من المَدرسة أو منازل القرية ذاتها "65 حالة وأكتر" إذ حضر مزيدا من سيارات الإسعاف مُحملة بالمصابين، وأخرى ملاكي "فيه أهالي جابوا ولادهم بعربياتهم الخاصة".

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل