المحتوى الرئيسى

العالم يراجع.. فمتى سيراجع العرب؟

10/20 21:32

يعيش عالمنا الآن لحظة مراجعة للكثير من مسلماته. المراجعات الكبيرة والعميقة لا تبدأ عادة إلا إذا خرج العالم من محنة كبرى أو وجد نفسه يخطو نحو كارثة كبرى.

لقد طرحت الكثير من المسلمات للنقاش والنقد بعد كوارث الحربين العالميتين الأولى والثانية وبعد انتهاء فترة الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتى. واليوم، على ضوء ما أفرزته العولمة غير المنضبطة من أزمات مالية واقتصادية وتطورات تكنولوجية، يعود ليناقش ما اعتبرها من قبل من المسلمات.

لا يوجد موضوع لا يخضع الآن لإعادة النظر بشكل واسع النطاق وبمحاولات جادة لتغيير مساره.

فى الاقتصاد تثار شكوك بشأن الانطباع السابق بأنه علم قائم بذاته ومشابه للعلوم الطبيعية، وذلك بعد أن أخفق فى التنبؤ بمجىء الأزمات المالية التى اجتاحت العالم وفشل فى تقديم حلول للخروج من تلك الأزمات.

فى السياسة هناك مراجعة ونقد شديد للنظام الدولى برمته، وذلك بعد أن فشل، منذ قيام هيئة الأمم المتحدة إلى يومنا هذا، فى بناء السلم الدولى ومنع الحروب المجنونة، وفى صون استقلاليته عن إملاءات مصالح الدول الكبرى الأنانية الاستعمارية الجائرة.

فى الاجتماع البشرى هناك مراجعة ونقد لاذع للمنطلقات الرأسمالية النيوليبرالية المتوحشة، التى قامت على أسسها ظاهرة العولمة، والتى قادت فى النهاية إلى إفقار الفقراء وإغناء الأغنياء، وأصبحت تعرف بظاهرة الواحد فى المائة، إشارة إلى امتلاك واحد فى المائة من البشر لأكثر من نصف ثروات العالم المادية والمعنوية.

فى حقل التواصل الاجتماعى يخضع موضوع الإنترنت لمراجعات متعددة تتعلق بالمضار الصحية والنفسية والذهنية والثقافية على الفرد، وباستغلاله المبرمج لتكدس الثروات الهائلة فى أيادى عدد قليل من الشركات، وبتهديده لمحو الكثير من المؤسسات الإعلامية والفنية والثقافية والصحية والتجارية وبالتالى إدخال العالم فى أزمات البطالة وزوال الكثير من المهن والحرف والنشاطات المعيشية.

حتى الديمقراطية، التى ظن الكثيرون أن تجارب العالم عبر ثلاثة قرون قد حسمت موضوعها، هى الآن موضوع مساءلة ونقد شديد، بعد الصعود المذهل لقوى اليمين الفاشستى عبر مجتمعات معاقل الديمقراطية والانفجار المجنون لظاهرة الجهاد التكفيرى العنفى عبر كل بلاد العرب وكثير من بلاد العالم.

إذا كان العالم كله يحاول الخروج من المآزق التى أدخل نفسه فيها، بدءا حتى بمراجعاته الشهيرة لموضوع الحداثة نفسها التى ظن أنها التاج الذى يجب أن يضعه العالم على رأسه، فكيف بالوطن العربى كله، من أقصى غربه إلى أقصى مشرقه، الذى يعيش محنة ومأساة وسقوط وجوده فى هذه اللحظة الحاسمة من تاريخه؟

أيريد هذا الوطن أن يبقى على عماه التاريخى بشأن الكثير من المسلمات التى ظن أنها من الثوابت، التى يجب ألا تمس ولا تنتقد ولا تتجاوز؟ مثلا، هناك حاجة ملحة لمراجعة موضوعية شجاعة لنظامنا الإقليمى العربى الحالى، المتمثل أساسا فى الجامعة العربية التى تقف اليوم عاجزة مشلولة مثيرة للشفقة أمام كل ملفات مشاكل الوطن العربى، والتى أصبحت فى يد أمريكا وروسيا ومسرحيات مجلس الأمن المضحكة، والانتقال إلى نظام إقليمى عربى جديد قادر على أن يكون ندا للكيان الصهيونى الاستعمارى وللتدخلات الإيرانية والتركية فى كل صغيرة وكبيرة عربية. نظام يكون هو وحده المرجعية لحل مشاكل ليبيا وسوريا واليمن والسودان وغيرهم ولمواجهة الإرهاب التكفيرى وللوقوف أمام عشرات الاستباحات الخارجية لهذا القطر العربى أو ذاك.

بدون ذلك الانتقال سنظل نسمع عن أشكال من الأحلاف المناطقية أو الأحلاف الدولية التى تزيد الأوضاع سوءا وتعقيدا، وسنظل نسمع عن اجتماع من مثل اجتماع دول مجلس التعاون مع تركيا للبحث فى موضوع مأساة سوريا وشعبها بدلا من الاجتماع مع مصر، الدولة الأساسية فى النظام الإقليمى القومى العربى.

مثل آخر، هناك حاجة للمنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة لتكوين مجموعة من المؤرخين للعرب لمراجعة التاريخ العربى وتنقيحه من الأصنام التى أقيمت فى كل أرجائه لتصبح معبودة الحاضر والمتحكمة فيه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل