المحتوى الرئيسى

مناهج الجاليات.. عودة للاستعمار القديم

10/20 12:35

فضيحة تزييف المدرسة الأمريكية بالمعادى للتاريخ ووعى الطلاب.. فجرت من جديد كارثة ومصيبة التعليم الأجنبى، وكذلك تعدد وتنوع أشكال التعليم والمدارس العاملة فى مصر.

تلك الكارثة التى كانت ولا تزال تهدد الانتماء للوطن وتنذر بقتل الهوية الثقافية والقومية للنشء المصرى بل وفى العالم الإسلامى ككل.

وتشير أوراق التاريخ إلى أن بداية نشأة المدارس الأجنبية العالمية فى مصر كانت عام 1840 من خلال البعثات، حيث ثم تأسيس الكلية الفرنسية بالإسكندرية والجمعية البروتستانتية ثم تبعتها مدارس الآباء اليسوعيين عام 1880 وكان عدد الطلاب المسلمين حوالى 7117 طالباً حتى عام 1891 ومع الانتشار المكثف للمدارس الأجنبية يقال إن عددها أصبح بعشرات الآلاف وبلغت نسبة الدارسين فيها من المسلمين 52٪ من الطلاب بمصر وهى طبعاً نسبة يعتقد فيها المبالغة.

ومؤرخو المدارس الأجنبية يشيرون إلى أن الجالية اليونانية أينما وجدت تبنى كنيسة ومدرسة وذلك ما فعلوه فى الإسكندرية عام 1843 ثم فى المنصورة وطنطا وبورسعيد والسويس والقاهرة، وكذلك فعلت الجالية الإيطالية منذ عام 1862 والجالية الألمانية فى عام 1866 واليهود منذ عام 1872 والمارونيون السوربون حيث شهدت منطقة بولاق توطن أولى الجاليات وكانت الأرمينية عام 1828 وصولاً إلى الكلية الأمريكية فى القاهرة.

وقد لوحظ فى مصر وغيرها من البلدان العربية والإسلامية أن افتتاح هذه المدارس يتم تحت إحدى مظلتين إما مدارس تابعة للبعثات التنصيرية والكاثوليكية والبروتستانتية وكل بعثة تحمل لقباً مثل «إرسالية أو بعثة الفرير وبعثة أو إرسالية الجزويت».. أو مدارس تابعة للسفارات الأجنبية ولهذا نجدها مدارس فرنسية أو ألمانية أو أمريكية أو غيرها وقد تسمى بـ«المدارس القومية» وهى مشتهرة أيضاً باسم «مدارس الجاليات» التى وغيرها من مدارس التعليم الأجنبى أولوياتها استعمارية تتمثل فى جر الشعوب مسلمة كانت أم غير مسلمة إلى ما لا يحمد عقباه وتعتمد برامج تلك المدارس وإداراتها على مناهج دولها.

وكانت بداية التعليم الأجنبى فى مصر بداية يونانية حتى القرن السابع عشر ولم يلتحق بها المصريون وكانت المدرسة التى أنشأها الرهبان الفرنسيسكان بكنيستهم بحى الموسكى عام 1732 كأول مدرسة أجنبية فى مصر لتدريس اللغة الإيطالية للمصريين والأجانب.. وقد تزايد انتشار مدارس الجاليات الأوروبية والإرساليات التبشيرية فى أربعينات القرن 19 ومع تزايدها فى عهد سعيد باشا تنوعت المدارس الأجنبية التى تقدم تعليماً للفتيات وهو ما لم يحدث مع محمد على باشا رغم مجهوداته للنهوض بالتعليم لكنه لم تبذل أى محاولات فى سبيل فتح مدارس لتعليم الفتيات رغم السماح لهن بالتعليم فى الكتاتيب حتى قبل عهد محمد على.

وحينما افتتحت مدرسة الفتيات الأولى عام 1873 جلبت الفتيات إليها من الرقيق الأبيض الخاص ببعض العائلات ذات الصلة بالحاكم الخديوى إسماعيل وأيضاً من بنات الموظفين وفى عام 1875 بلغت أعدادهن 298 منهن 209 مقيمات فى القسم الداخلى بينما الأخريات وحتى 95 كن يقضين النهار فقط فى المدرسة التى أدارتها سيدة شابة تدعى مدام روز نجار وأفندى مسئول عن الخدمة و3 شيوخ لتدريس القرآن وأفندى لتدريس اللغة التركية وآخر لتعليم الرسم بالإضافة إلى 8 معلمات 4 منهن لتعليم شغل الإبرة وواحدة للبيانو وأخرى للغسيل والأخريات كمشرفات ثم قامت إدارة الأوقاف بفتح مدرسة للفتيات فى القرابية وصل عدد الفتيات فيها لـ147 خلال عام 1875 منهن 76 بالقسم الداخلى و71 كانوا يقضون النهار فقط فى المدرسة.. وبسبب ظروف خلع الخديوى إسماعيل فيما مضى اضطرت زوجته الثالثة "إيفيت" سحب رعايتها ودعمها المالى للمدرستين فأغلقت مدرسة القرابية والسيوفية وضمتها إدارة الأوقاف فى مدرسة واحدة.

> ومع بداية القرن العشرين بدأ التعليم فى مصر يتحول من الدينى التابع للكنائس إلى الخاضع لإشراف الدولة واتخذت منه بعض الدول الأجنبية وقتها وسيلة لنشر لغتها وثقافتها وأصبح مستقلاً بعيداً عن إشراف الدولة وهو ما أكدته أحدث الدراسات وكشفته دراسة الباحثة التربوية الدكتورة بثينة عبدالرؤوف عن مخاطر التعليم الأجنبى على هويتنا الثقافية وقيم المواطنة والانتماء.. ظاهرة انتشار المدارس الأجنبية الدولية فى مصر، حيث أشارت إلى أن مدارس التعليم الأجنبى تطبق أنظمة تعليمية أجنبية بحسب البلد الذى تتبع له من حيث المناهج وطرق التدريس والأنشطة وهى مدارس تمت مع سياسات الانفتاح الاقتصادى والخصخصة وحرية الاستثمار فى جميع المجالات بما فيها التعليم وهو تعليم لم يقتصر بحسب الدراسة على المدارس التابعة للسفارات والقنصليات وإنما أصبح قسماً أو فصلاً ملحقاً ببعض مدارس اللغات الخاصة، وأشارت الدراسة إلى أن التعليم الأمريكى فى مصر هو الأكثر انتشاراً ولذلك المدارس الأمريكية تمثل نموذجاً لذات المدرسة فى أمريكا من حيث المناهج وطرق التدريس ونظام التقويم المتميز بمرونة شديدة مقارنة بالتعليم المصرى خاصة على مستوى الشهادات العامة وبالأخص الثانوية العامة لتمكينه الطالب من دخول الامتحان لأكثر من مرة فى نفس العام وبما يتيح له فرصة الحصول على درجات أعلى من مثيله فى التعليم المصرى.. إلى جانب البساطة فى المقررات والمواد العلمية من حيث الشرح وإن كانت أكثر خطورة يؤخذ عليها عدم الالتزام بتدريس المنهج كاملاً إلى جانب ما تقدمه من قيم غريبة تنمى الروح الفردية وتقدم نموذج المجتمع الأمريكى على اعتباره الأفضل.

 وجميعها مشكلات بدأت وزارة التربية والتعليم، بحسب كلام الباحثة بثينة عبدالرؤوف تسعى للسيطرة على المدارس الأجنبية بموجب القرار الوزارى رقم 422 لسنة 2014 ينص مادته رقم 15، وهى أن يكون نظام الدراسة والامتحانات بالمدارس الدولية فى جميع الصفوف وفقاً للنظم التى تضعها وزارة التربية والتعليم، مع الالتزام بتدريس المواد القومية التى يتم تدريسها باللغة العربية وتشمل اللغة الدينية والعربية والتربية الوطنية، وهو ما لا يتم فى مدارس الجاليات وكذلك هناك محاولات من الوزارة لضبط أداء المدارس الأجنبية بشكل عام خاصة فى الامتحانات لضمان مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة بين الطلاب، ولذلك كان ولايزال سعى الوزارة إلى الاتفاق مع مؤسسة كوليدج بورد الأمريكية لجعل وزارة التربية والتعليم والجهة المصرية الوحيدة الرسمية التى ترسل إليها نتائج امتحان «السات» دون استغلال أصحاب المدارس للطلاب وهو امتحان تأهيلى ولا يقبل طالب المدرسة الدولية أو الأجنبية الملتحق بها مصريين بالجامعات المصرية دون أن يجتاز اختبار السات بفضل الدكتور محمد أبوالنصر، وزير التربية والتعليم السابق، فى محاولة لفرض قبضة الوزارة على المدارس الدولية والجهات المانحة وعدم الترخيص دون الرجوع للأبنية التعليمية.

الدكتور محمود كامل الناقة، أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة عين شمس، رئيس الجمعية المصرية لطرق التدريس.. يرى ضرورة فى الإشراف الكامل لوزارة التربية والتعليم على هذه المدارس التى تدرس التعليم الأجنبى بدلاً من الإشراف الشكلى مع الإشراف أيضاً بشكل شمولى للمناهج والأنشطة ضماناً لتخريج مواطن مصرى حقيقى منتم لوطنه، ولكن للأسف المدارس الأجنبية أو الدولية تخرج لنا طلاباً لا يشعرون بالولاء والانتماء لوطنهم وإنما طلاب جاهلون للغتهم وكارهون لها لا يمكنهم كتابتها أو قراءتها وقواعدها بشكل سليم، وإنما دائماً ما يكون انتماؤهم للمجتمعات الغربية التى يتعلمون مناهجها، بل وقد يصدفونهم عندما يزيفون التاريخ، ويزيد على تلك الكارثة شعوب الطلاب المصريين فى هذه المدارس بالدونية مع مواد ومناهج تدرس وهى مخالفة ليتم المجتمع المصرى، ولذلك هناك ضرورة لإصدار تشريع يمنع الطلاب المصريين أيضاً من الالتحاق بمدارس الجاليات الأجنبية على وجه الخصوص للحفاظ على الهوية الوطنية للطلاب، وكذلك تشريع يعطى الحق لمصر فى ممارسة سيادتها والحفاظ على تاريخها فى أى مكان على أرضها، وخاصة أن الحقائق غير واضحة وغير مؤكدة مدى إخضاع مدارس الجاليات من عدمه لإشراف وزارة التربية والتعليم.. وجميعها مطالبات كانت ولا تزال لجموع الخبراء والمختصين فى مجالات التربية وطرق التدريس ومراكز تطوير المناهج.

Comments

عاجل