حرب الأموال القذرة تشتعل.. مليارات الصناديق الخاصة تفضح أكبر قضية فساد مالي.. مطالبات بضمها للموازنة العامة.. وخبراء: "جردها سيُحدث هزة كبيرة"
ما أن يهدأ الجدل حول قضية فساد تُكتشف في مصر حتى تشتعل أخرى، تفضح عمليات النهب التي تتعرض لها أموال الشعب، وكأن الحكومة باتت ترقد على بركان من فساد لا يلبث ويطلق حممه كل فترة، وها هو الرأي العام على أعتاب قضية فساد جديدة على وشك الانفجار مُجددًا.
المعركة تلك المرة تُقاد ضد الصناديق الخاصة بالوزرات والهيئات، التي يحوم حولها شبهات فساد عدة، ووصفها الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب بـ"بوابة الفساد الكبرى"، بعدما أعلن البرلمان الحرب عليها وطالب أعضاؤه بكشف الفساد بها وجردها من أجل ضم أموالها إلى الموازنة العامة لمساندة الاقتصاد.
بداية.. تُعرف الصناديق الخاصة، بإنها أوعية مالية موازية في الوزارات أو الهيئات العامة، ويتم إنشائها بقرارات جمهورية، لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد، لتحسين الخدمات التي تقدمها الهيئات العامة والوزارات.
ولا تدخل حصيلة الأموال الموجودة في الصناديق الخاصة إلى خزينة الدولة ولا يتم الاستفادة منها في الموازنة العامة ولكن لسد حاجات الوزرات، وبالتالي لا يناقشها مجلس النواب، ولكنها تخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
عرفت مصر فكرة الصناديق الخاصة، خلال حرب 1967، حيث كانت في مهدها، ولكن لجأت إليها الحكومة لتخفيف لتخفيف العبء المادي الواقع عليها من الوزرات؛ نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة.
وكانت تسمى في البداية، بصندوق النظافة، وفقًا للقانون رقم 38 الذي تم إصداره عام 1967، ونص على إنشاء صندوق للنظافة في المحليات، وتمويله من خلال فرض رسوم نظافة محلية، وتلاه قانون آخر يحمل رقم 53 عام 1973، في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات.
ونص القانون على إنشاء الصناديق الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص بالوزارت، مع إمكانية إصدار قرارًا جمهوريًا، يسمح بإنشاء صناديق تخصص لها موارد معينة، ويتم إنفاق أموالها في جهات محددة، وتملك الصناديق موازنة خاصة بها خارج الموازنة العامة للدولة، وتتبع الجهات المختلفة.
وجاء من بعده الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، الذي زاد انتشار الصناديق الخاصة في عهده، وانتشرت في كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة، وصدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات في إنشاء صناديق خاصة.
التلاعب في حجم تقديرات أموال الصناديق الخاصة، بدأت خلال عام 2010/ 2011، حينما أعلن الجهاز المركزي للمحاسبات، أنها بلغت 14.1 مليار دولار بنهاية حكم "مبارك"، ولكن في بداية العام المالي 2012/ 2013، كانت الحصيلة 9.4 مليار دولار، ما يعني أن 4.7 مليار دولار من حصيلة هذه الصناديق فقدت.
وتناقصت بشكل حاد خلال 2014، حين أعلن وزير المالية، هاني قدري دميان، أن الحجم الكلي لأموال الصناديق الخاصة لم تزد على 3.8 مليار دولار، لكنه فشل في توضيح حقيقة الـ5.6 مليار دولار التي فقدت من إجمالي حجم أموال الصناديق الخاصة للسنة المالية الفائتة.
وفي تلك الآونة، وصف هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي آنذاك، الصناديق الخاصة، بشبكة الأموال القذرة والباب الخلفي للفساد، متوقعًا أن تهشد مصر بسببها أكبر قضية فساد مالي قريبة.
الحديث عن الفساد المتفشي داخل الصناديق الخاصة، بدأ مع الأزمة التي نشبت بين الجهاز المركزي ووزارة الداخلية، حين بعث الأول في أحد أيام شهر مارس الماضي، ببعض المدققين الحكوميين إلى مبنى الوزارة، بهدف كشف مخالفات من السجلات المالية لها، بعد مزاعم استنزاف عدد من المسؤولين في الوزارة أموال الدولة لصالحهم، والتي تقارب الـ12 مليون دولار كمكافآت ومزايا مالية.
ولكن الوزارة وقتها رفضت مراجعة الحسابات، وتجاهلت تدخل إبراهيم محلب رئيس الوزراء آنذاك لتذليل العقبات أمام المراقبة، وكان رفضها بدعوى أنها المراجعات المالية للصناديق الخاصة بالوزارة سرية ولا يمكن الإطلاع عليها، بالرغم من استجابة وزارة الدفاع قبلها لنفس عملية المراقبة.
وبعد ثمانية أشهر، أعلن "جنينه" أن عناصر وزارة الداخلية قاموا بالسطو على غرفة يتردد دائمًا عليها المدققون التابعون لجهاز المحاسبات، واستولوا على سجلات التحقيق وأجهزة كمبيوتر محمولة، مبررة ذلك بإنها حرب على الإرهاب، وأن الطريقة التي تُنفق فيها أموال الدولة يجب أن تبقى سرًا.
ويري العديد من رجال الاقتصاد والأجهزة الرقابية، أن الصناديق الخاصة يتم استخدامها لتخبئه أموال الدولة المسروقة من قبل المسئولين، حتى لا تدخل في خزينة الدولة، الأمر الذي أتاح لهم الفرصة للحصول على المكافأت والأموال بعيدًا عن أعين الجهات الرقابية.
فساد تلك الصناديق يتضح أيضًا في مطالبة الرئيس عبدالفتاح السيسي فور توليه الرئاسة، بسرعة التحقيق في شرعية أموال الصناديق الخاصة، وضم أموالها في الموازنة العامة للدولة، كي يتم القضاء على التلاعب في أموال تلك الصناديق.
وعن ذلك يقول الدكتور وائل النحاس، الخبير المالي والاقتصادي، أن الصناديق الخاصة تخضع لمراقبة عدة جهات، أولها وزراة المالية المختصة ببحث أوجه الصرف قبل وبعد إنشاء الصندوق، والرقابة المالية التي تختص برحلة إنشاء الصندوق حتى يتم حله، وأيضًا رقابة الجهاز المركزي، ورغم ذلك تعاني من فساد كبير.
ويوضح أن الفساد المتفشي في الصناديق الخاصة، يقع على عاتق كلًا من وزارة المالية التي لأنها تعطي الموافقة على أوجه الصرف، والمركزي يرصد أي مخالفات لها، والرقابة المالية التي تبحث تلك المخالفات من خلال اجتماعات مجالس الإدارات الموجود بها الصناديق.
ويشير إلى أن الفساد يتم حين تطلب الإدارة أو الوزارة إنشاء صندوق لأغراض معينة، ثم يصرف منه على غرض واحد ويتم اختلاس ما في الصندوق، بعدما أعطته تلك الأغراض الصك الشرعي رسميًا، أو عن طريق إنشاء مشاريع معينة من أموال الصناديق وسرقة عوائدها بنسبة أعلى من التي حدتها لائحة الصندوق".
ويؤكد أن ضمها للموازنة العامة يطمس عملية كشف الفساد الموجود بها، لاسيما أن الصناديق تحوي أجور للعاملين بالوزارت والهيئات ما يضيع حقوقهم، متوقعًا أن جرد الصناديق يكشف تلاعب وفساد كبير بها.
Comments