المحتوى الرئيسى

باسم محمد حسن يكتب: تـكتيكات عـظيـمة في حروب الحضارة الإسلامية.. وكيف تطورت الـجيوش العربية | ساسة بوست

10/19 19:46

منذ 1 دقيقة، 19 أكتوبر,2016

مع شروق يوم العشرين من أغسطس (آب) لعام 636م كانت الـملحمة العـظمي في بلاد الشام قد اشتعلت، وتـحديدًا في سهول نهر اليرموك على الـحدود السورية الأردنية، الدولة الناشئة حديثًا    «دولة العرب الإسلامية» بزعامة أمير المؤمنين «عـمر بن الـخطاب»، وبقيادة عسـكرية ضـمت «خالد بن الوليد» ، و«أبا عبيدة بن الـجراح» ، و«عـمرو بن العاص»، ضد أعـظم دولة على وجه الأرض في ذلك الوقت «دولة الروم المسـيحية» بزعامة «هرقل»، وبقيادة عسكرية مؤلفة من جيوش عدة دول تـحت قيادة رسـمية من «ثيودور تريثوريوس» أمين سـر الدولة الرومية العليا، وبعد ستة أيام فقط من الـحرب غيـر المتكافئة كان النـصـر حليفًا للمسـلمين.

وبعد شهرين فقط من الانهيار الرومي، وتـحديدًا في السادس عشـر من نوفـمبـر  (تشرين الثاني) كانت معركة القادسية تعلنها مـجددًا «العرب المسـلمين» ينتصـرون على ثاني أعـظـم قوة عسـكرية، وفي عقـر دارهـم «إيران» الـحديثة ، كان عام الحسـم الأخيـر بالنسبة للمسلمين، وبات الجـيش الإسلامي الأقوى في المنـطقة العربية، وتـحول في غضـون سنوات؛ ليُصبـح القوة العسكرية الأولى في العالـم، لكن ماذا حـدث؟ كيـف تـحول الفكـر العربي الـحربي من مـجرد تشكيلات عسكرية مهلهلة وأسلـحة بدائية إلى جيـوش نظامية مُدربة تـملـك تكتيكات حربية، مازالت تدرس إلى اليوم في الكليات والمـعاهد حول الـعالـم؟ هذا ما نقدمه في مقالة اليوم عبـر نقاط سريعة وموجزة :

نظرية «لا حرب لا سلـم»

يعتقد البعض أن فكرة «لا حرب لا سلام» ظهرت مع التاريـخ العربي الحـديث في الصراع الذي دار بين «مصـر وإسرائيل» خلال سنوات الـحرب الباردة، لكن في الـحقيقة، فإن تلك العبارة مصدرها يعود بالأساس إلى الفكر العسكري الإسلامي في عـهد «عـمر بن الخـطاب»، فالقوات الإسلامية المـحتشدة على حدود الدول الكبرى من الروم والفرس كانت تعاني بشـدة، وتُستنزف في معارك غيـر حاسـمة، كذلك الشعور القوي بالاضطهاد الناتـج عن سوء معاملة الروم للـجنس العربي خلال السنوات السابقة للإسلام ولد شعورًا دفينًا بضـرورة فرض القوة والاحتـرام والندية المتبادلة؛ لذلك كانت رؤية كبـار قادة الـجيش الإسلامي هو توحيد الجهود في معركة حاسـمة تُمكنهم من ذلك، وبالفعل، وبعد معارك القادسية واليرموك يتضـح كيف تطورت الـحياة السياسية بين العرب والروم، وبدأت تلك المظاهر تفرض نفسها بقوة على أرض الواقع.

نواة الجيوش الإلزامية الحديثة بدأت من الدولة الإسلامية

قبل تولي الخليفة عـمر بن الخـطاب كان التـجنيد غيـر إلزامي، من أراد الجهاد في سبيل الله يـخرج ويتطوع في الـجيش الإسلامي مباشـرة، لكن مع تولي الفاروق بدأ يُنظـم تلك الـحركة وأصدر قانون التـجنيد الإلزامي في أقاليـم الدولة الإسلامية، وأمر بإنشاء ديوان الـجند، واقتطع له من بيت المال في ذلك الوقت مئات الآف من الدنانيـر والأسـلحة والخـيول المـدربة، كان يـطمح في تكوين نواة جيش إسلامي قوي استعدادًا لمعارك الحـسم في الأعوام التالية، وقد نـجح في ذلك وتطورت الفكرة عبـر العصور الإسلامية العديدة إلي أن وصلت إلي أعـظم مرحلة في عصـر مـحمد الفاتـح.

التطور في نظام القتال العسكري الإسلامي

في معركة القادسية صعق «الفُرس» جيوش الدولة الإسلامية بنظام عسكـري يعتـمد على «الفيلة» المدربة على القتال والهـجوم السريع، وكان العرب في ذلك الوقت يـخشون «الفيل»؛ نظرًا للقصة التاريـخية بين أجدادهـم وبين «أبرهة» في واقعة هـدم الكعبة؛ فـتحولت لديهم إلى عقدة نفـسية بالمعني الـحرفي للكـلمة، لكن في معركة القادسية أزال «سعد بن أبي وقاص»، وكبـار جنوده تلك العقدة نهائيًا، وعبـر خطط عسكرية مـحكـمة وقع الفرس في حالة من العشوائية في السيطرة على الفيلة الغاضبة، وانتهت المعركة بنـصـر ساحق للعرب، وبعد سنوات عادت الجـيوش الإسلامية لمعركة مثلها، لكن في بلاد الهند وأرض خوارزم؛ لتـجدها هذه المـرة تستـخدم نفس الفكرة والخطة العسكرية الموضوعة في القادسية.

في الـحقيقة فإن التطور العسكري في نظام الخـطط الحربية كان يتقدم بسرعة مهولة، في معركة كاليرموك مثلًا تـجد خالد بن الوليد يعتـمد نظام «الكراديس» – كلمة يونانية تعني تقسيـم الجيش إلى وحـدات صغيـرة من قلب وساق وميـمنة وميسـرة – وكان النظـام العربي أيضًا لا يعرف ذلك النوع من الخطط فكانوا يعتـمدون على أسلوب «الكـر والفـر» ويدفعون بأنفسـهم في معارك دامية دون أدنى دراسة لطبيعة الأرض وأسلوب الـجيش المقاتل، ومنذ ذلك الوقت بدأت الـحرب العربية تأخذ نفس الأسلوب المبتدع في الكراديس وتطبقه في معارك عالـمية لتجد نفسها في النهاية منتصـرة دون أدنى ريب.

كذلك ابتدع العرب نظام عسـكري وهو «نظام الاستفادة الصـحيحة من وضعية الفرسان المتـحركة»، وأول ما ظهرت كانت أيضًا في معركة اليرموك فقد اعتـمد خالد على تشكيل مـجموعة من عشـرة آلاف فارس تستطيع الانتقال بـحرية عبـر معسـكرات الأعداء مـحدثة حالة من العشوائية والفوضى الرهيبة داخل صفوف القوات الـحربية، وقد أنهكت تلك الاستراتيـجية جيش الروم بقوة لدرجة دفعت «فاهان» أحد قادة الروم طلب هدنة إيقاف المعارك ليومين، وهو ما رفضه «خالد»  وشن هـجوم مباغت في اليوم السادس واضعًا نهاية حاسـمة للمعركة.

ومن أمثلة الأساليب الـجديدة، والتي لم تكن معروفة أيضًا وجعلت القوات العربية الإسلامية متفوقة نظام «الـحشد السريع الـحر»، وهو أسلوب قوي يـمكن أن تراه بوضوح أكثر في معسكرات الدول العثـمانية في عهد «بايزيد يلدريـم» أو «بايزيد الصاعقة»، وقد أطلق عليه الغرب ذلك نـظرًا لـحركه جيوشه السريعة، ففي الصباح ربما تـجد قواته بمصـر، وفي المساء تُبصـر نيران معسكـره في المغرب،  ومع شـروق الشمس تكون فرنسا علي موعد مع قواته ، كان أسطورة حربية عـجيبة يقال إنه استفاد ودرس تكتيكات خالد الـحربية وأدخل تعديلات جعلته متفوقًا لذلك الـحد العظيـم.

حقيقةً فإن الـجيوش الإسلامية استخدمت عبـر سنوات طويلة من التـطور أساليب فريدة وأنـظمة عـجيبة تدل على عـظمة الفكر الـحربي وكان أخـرها أعـجوبة «عـملية نقل أسطول القسطنطينية» الذي قام به القائد الفاتـح أثناء الحـصار، وما زال اسـمه مـخلدًا بصفته القائد الـحربي الوحيد الذي استطاع نقل أسطول حربي كامل في تكتيك «الالتفاف المعاكس»، والذي لـم يستطع أحد إلى اليوم تنفيذه، بالرغـم من التفوق العلمي والتكنولوجي.

أطلق المسلمون على ذلك الفرع من النظام العسكري لقب «ثعالب الصـحراء» فقد كانوا يـمثلون دورًا هامًا في تفوق الجـيوش الإسلامية، وتزخـر الكتب والمؤلفات العسـكرية عـمومًا بالكـثيـر من العملـيات الناجـحة المتعلقة بالتـجسس وجمع المعلومات وتدوين الأخبار العسكرية، وربما نستطيع القول إن الفضل للتفوق العسـكري الإسلامي كان يعود بالدرجة الأولي لفرق ثعالب الصـحراء، وما قدمته من خدمات عـظيـمة، خصوصًا في سنوات حـروب الصليبيـن والمـغول. فالقائد الـحربي «عيسـي العوام»، والذي صـوره فيلـم «صلاح الدين الأيوبي» بنسـخته المصـرية على أنه – مسيـحي-  مقاتل في صـفوف العرب كان في الأصل جاسوسًا مسلـم الديانة،  فكان يدخل إلى مدينة «عـكا» أثناء حصار الصليبيين لها، حاملًا كتب ورسائل إلى قوادها ونفقات وطعام لأهلها، والقصة صـحيحة، وذكرت في كتاب للقاضي «بهاء الدين بن شداد» في كتابه «النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية»، كذلك «طليحة بن خويلد الأسدي» أشهر جاسوس عربي في التاريـخ، والذي قام في معركة القادسية بأوامر من «بن أبي وقاص» بالدخول وسط معسكرات الفرس وتـجاوز «طليحة» أربعين ألف مقاتل إلى أن وصل إلى خيـمة قائدهـم «رستـم» فقطع خيـمته وسـحب فرسـه، وكان يقصد بذلك إهانة الـجيش الفارسـي في أنه استطاع الوصول إلى قلب قائدهـم دون مقاومة؛ فـخرج وراءه أربعة، قتل منهم ثلاثة، وأسـر الرابع، وألحـقه بمـعسكر المسلمين؛ لتذكـر الواقعة بأعـجوبة تاريـخية.

كانت الأسلحة الإسلامية في البداية تـحمل نوعًا من البدائية، ربما مـجرد سيف ورمح وحربة، لكن مع الوقت وتطورات الحـياة أدُخلت صناعة سيوف من الكربون تعرف بأسـم السيوف الدمشقية، كذلك بدأت تظهر أقوس مستعرضة وأقوس من عصب البعيـر ورمـاح طويلة وقصيـرة، كذلك اختـرعوا الدبابات والطرادات والمنجنيق الكبيـر وآلة تعرف باسـم «الزيار» ترمي دفعة سهام مرة واحدة، وبالتأكيد كان التفوق العسـكري يعكس قوة العرب في ذلك الوقت، فاستخدموا شعارات النسور والرايات الـخفاقة من البنود ورسـموا فوق صدور الـخيول.

Comments

عاجل