المحتوى الرئيسى

محمد بنلحسن يكتب: لماذا تصدر «العدالة والتنمية» الانتخابات التشريعية؟ | ساسة بوست

10/19 19:19

منذ 1 دقيقة، 19 أكتوبر,2016

جرت العادة، والأعراف الانتخابية، ألا يمنح الناخبون والناخبات في العالم أصواتهم بكثافة في الانتخابات التشريعية للحزب/الأحزاب التي كانت في سدة الحكم/الحكومة؛ بالنظر إلى كون الممارس لمسألة التدبير اليومي لشؤون البلاد والعباد من المواطنين والمواطنات، عادة ما يُضْطَر لاتخاذ قرارات صعبة وشاقة وقاسية بالنسبة لانتظارات الجماهير من الشعب، لاسيما حين يكون تحت تأثير الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية؛ والتي غالبًا ما تتدخل عوامل خارجية في إثارتها، وزيادة حدتها؛ خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث؛ المرهونة اقتصاداتها، ومعدلات التنمية بها، بإملاءات المؤسسات الدولية؛ مثل صندوق النقد الدولي، ناهيك عن تقلبات السوق العالمية لمواد الطاقة، وفي المقدمة البترول.

غير أن حزب «العدالة والتنمية» المغربي، صنع المفاجأة في الداخل والخارج، كما توضح نتائج اقتراع السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2016، والتي جعلته متصدرًا جميع الأحزاب المتنافسة في الانتخابات التشريعية؛ هذا على الرغم من ضعف حصيلته الاقتصادية والاجتماعية في عدد هام جدًا؛ من القطاعات الحيوية والحساسة بالنسبة للرأي العام عامة؛ والطبقات الهشة خاصة؛ مثل التعليم، والصحة، والتشغيل، والسكن، والعالم القروي…إلخ.

إن هذا الحزب الذي ترأس أول حكومة ما بعد دستور 2011، والذي أتى ثمرة الحراك الداخلي المتفاعل مع تموجات الربيع العربي، فاز في 2011،  في أول انتخابات نزيهة وشفافة ما بعد الدستور الجديد؛ وكان بمثابة أمل كبير للجماهير العريضة؛ في التغيير العميق والسريع؛ إلا أنه في عهد ولاية الحكومة التي ترأسها  ما بعد الربيع العربي، لم يستطع الاستجابة لانتظارات الشعب؛ في ظل أوضاع اقتصادية خانقة: تجسدت في ارتفاع المديونية في عهده، الدين الخارجي، وانحسار معدلات الاستثمار، وارتفاع العجز، وتراجع نسبة النمو التي سبق له أن وعد بها المواطنين والمواطنات؛ مما كان له أثره البالغ على تقليص مناصب الشغل، والنهوض بقطاع التربية والتكوين، ورفع الحيف عن العالم القروي.

من هنا، فالسؤال الهام الواجب طرحه، لماذا تصدر حزب العالة والتنمية انتخابات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، على الرغم من ضعف حصيلته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؟

لقد تباينت التحليلات والقراءات والتفسيرات؛ بشأن هذه الظاهرة؛ غير أننا يمكننا تصنيفها إلى ثلاثة أصناف:

تفسيرات عاطفية ذاتية. تأويلات أيديولوجية مضادة للإسلاميين. قراءات مزاوجة بين الذاتي والموضوعي.

في الحقيقة ومن الناحية العلمية الصرفة، يصعب الجزم بهيمنة عامل محدد على باقي العوامل الأخرى؛ المتحكمة في تصدر حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية؛ على الرغم من أدائه الذي لم يكن مقنعًا للعموم، لاسيما ـ وفي ظل غياب وسائل وأدوات موضوعية تمكننا من القياس العلمي الدقيق، لكن هذا المعطى لن يمنعنا من الإدلاء برأينا حول الأسباب الكامنة خلف هذا الفوز الذي منح الحزب المذكور الصدارة للمرة الثانية، وهذه العوامل يمكننا بسطها كالآتي:

لا يختلف الأنصار والخصوم؛ في الاعتراف لحزب العدالة والتنمية المغربي، بالقدرة الفائقة على التنظيم الجيد والتماسك الداخلي، والديمقراطية الداخلية؛ من خلال إعمال أدوار الأجهزة التقريرية والتمثيلية المنتخبة.

حزب العدالة والتنمية هو الحزب  الوحيد – تقريبًا –  بالمغرب الذي لا تكاد تعثر  فيه إلا نادرًا؛ على  أعضاء غاضبين منسحبين يبحثون عن مظلات سياسية أخرى غير حزبهم الذي يدينون له بالولاء؛ لاسيما خلال الانتخابات التشريعية أو الجماعية، حين تندلع معارك البحث عن التزكيات، فقد تابعنا جميعًا كيف جرى توقيف النائب البرلماني الأكثر جدلًا وجدالًا في حزب العدالة والتنمية، وفي البرلمان والإعلام، الأستاذ «عبد العزيز أفتاتي»، بسبب زيارته غير المفهومة للمنطقة الحدودية الشرقية؛ ولكن الرجل لم يهاجر حزبه الذي قرر عرضه على أنظار لجنة النزاهة والشفافية نحو حزب آخر بحثًا عن الملاذ؛ بل أعلن بأنه لن يترشح للانتخابات التشريعية في مدينة وجدة، لكننا لاحظنا باستغراب كيف أن منتسبًا لحزب آخر كان يشغل منصب وزير، حين رفض حزبه منحه تزكية للترشح في الانتخابات، غادر حزبه الذي كان في الأغلبية الحكومية، واتجه نحو حزب في المعارضة، وترشح بشعاره الانتخابي، هذا مثال بسيط.

كما أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد – تقريبًا – الذي لم تثر لوائحه الانتخابية لغطًا وضجيجًا وصخبًا واحتجاجًا، كما عرفت ذلك بعض الأحزاب، التي عاب عليها مناضلوها؛ الانحراف عن القانون الأساسي لحظة صياغة لوائح المرشحين والمرشحات ووكلائها؛ والتي هيمنت عليها اعتبار غير ديمقراطية؛ من قبيل القرابات  العائلية، والانتماء لطبقة الميسورين «أصحاب الشكارة»، الذين لهم القدرة الكبيرة على تمويل الحملة الانتخابية.

ومن مظاهر الديمقراطية في هذا الحزب الإسلامي، خضوع مرشحيه للانتخابات وللوزارات بالحكومة، لمساطر شفافة تغلب الكفاءة والنزاهة والاستحقاق.

إن أهم ما يميز مرشحي ومناضلي حزب العدالة والتنمية؛ تمسكهم بأفكار حزبهم، ودفاعهم المستميت عن مرجعياته ومبادئه؛ مما كان موقعهم، سواء في القواعد، أو في الهياكل أو المسؤوليات الحكومية.

القدرة الفائقة على التواصل الفعال والقرب من المواطنين

لقد أبان هذا الحزب من خلال زعيمه «بن كيران» عن مقدرة خطابية كبيرة، وكفاية  لغوية تواصلية باهرة؛ زعيم الحزب لن ينبذ قواعده ومناضليه والمتعاطفين ومعه، والرأي العام بعد الوصول لسدة الحكومة، بل على العكس تمامًا، لقد كان بن كيران حريصًا كل الحرص على المكوث بجانب الرأي العام في حزبه وخارجه، حيث كان يتابع مهامه الرسمية من الاثنين إلى الجمعة، وينزل من برج الحكومة للشعب؛ يومي السبت والأحد؛ لتأطر التجمعات واللقاءات الشبابية، ومنظمات الحزب الموازية، وكان عبد الإله بن كيران لا ينهج التكتم الشديد على ما يروج في البلاد، وفي المطبخ الحكومي خاصة، كما تعودنا مع رؤساء الحكومات السابقين، وهذا الأمر كان له تأثيراته البليغة، حيث قرب الإدارة من المواطنين، وجعل المسؤول الحكومي الأول يتقاسم مع الناخبين والأنصار التفكير في المشاكل الكبرى للبلاد، والأزمات الخطيرة التي واجهت الحكومة خلال ولايتها.

ضعف المعارضة وخطاباتها وغياب المنافس البديل

يعتبر ضعف  المعارضة البرلمانية؛ من أقوى العوامل التي كان لها أبلغ الأثر في فوز العدالة والتنمية في انتخابات السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لأنها معارضة راهنت على مهاجمة شخص رئيس الحكومة والرغبة الشديدة في إسقاطه لتحل محله، ليس من أجل الاستجابة لمطالب الناس، وليس نقدًا لتدبيره السياسي والاقتصادي والاجتماعي؛ كما أن كثيرًا من الوقائع التي شهدها البرلمان خلال جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة؛ والتي تعتبر من مستجدات الدستور الجديد، أبانت عن هشاشة خطاب المعارضة وحجاجها السياسي، ورؤيتها لمشاكل البلاد.

والتي فشلت في تقديم بدائل حقيقية وواقعية للأسلوب الحكومي في مقاربة المعضلات الكبرى بدون مزايدات سياسية جوفاء.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل