المحتوى الرئيسى

خالد القبانى يكتب: السلام الداخلي | ساسة بوست

10/19 19:06

منذ 13 دقيقة، 19 أكتوبر,2016

الإنسان ـ بصفة عامة ـ مصاب بالانفصام في الشخصية، وهو المرض المعروف بـ«الشيزوفرينيا»، والإنسان المصري ـ بصفة خاصة ـ مصاب بهذا المرض وأكثر، حتى من هم يتصفون بالصحة الجيدة والقوامة والحكمة!

كلُ منا ـ أحيانًا كثيرة ـ يقول ما لا يفعل، وآخرون ينتقدون أشياء يقومون هم بها في أوقات ومواقف أخرى.

إذن هذه هي النقطة، هذا هو السر، وأيضًا هذا هو الحل، حاول أن ترى الرأى الآخر، فقط أعط لنفسك وقتًا؛ حتى تحلل لماذا قام فلان بذلك، لا تسارع بالتعليق، لا تسارع بالقولبة، ولا تقذف الآخر بالتهم، دون أن تعلم لماذا، صحيح أن لنا الظاهر، ولله ـ عز وجل ـ الباطن والظاهر، ولكن ربما نلقي بالاتهام، ونقولب شخصًا ما، حتى إن قام بفعل غير حرام في الشرع، ولكنها خرجت عن دائرة العادات والتقاليد، وبالتالى فهو آثم عند بعضهم.

هناك آفات، بل كبائر، أتحدى أي شخص يقرأ هذا المقال أن تخلو منه، أو أن يبرأ منها بأنه لا يقوم بفعلها، في الحين نفسه هؤلاء ينتقدون الآخرين؛ لأنهم يقومون بعمل هذه الآفات، عجبًا!

ولتكن على سبيل المثال «الغيبة»، نادرًا جدًا، وربما على الإطلاق، لم أجد شخصًا لا يقوم بتلك الكبيرة، وأنا أولهم، بعد أن تتعمق بالحديث فى سيرة الناس وتتكلم وتتكلم، وتقول كل ما في جوفك، تظهر النفس اللوامة فجأة فى الحديث، ثم تقول «خلينى ساكت بلاش غيبة»! وإن تدخل أحدهم فى بادئ الأمر بإنكار هذا الحديث، وأنه لا يجب الخوض فى سيرة الناس، يكون محل سخرية ، وسيلقب بـ«الشيخ»، وقطعًا ـ كرد فعل ـ لن يفعلها ثانية، وإن قاوم وقاوم، فسيفعلها لا محالة! إلا من رحم ربي.

أما هذا الحكيم الذى تنتقده وتطالبه أن يتوقف، يخرج برد منطقى من وجهة نظره، ويبرر «أنا فقط أقول الحقيقة»، وتحت هذا المسمى يقوم بذكر كل شيء، بل يكون أفضل الناس فى أركان الغيبة، سحقًا له؛ فهذا الفيلسوف حالته متعثرة جدًا، فإن كنت أغتاب، فأنا أعلم تمامًا أنها كبيرة، وأدعوا الله أن أقلع عنها.

«نفاق المديرين والمسؤليين والتملق لهم»، أو إن أردت شكلًا جماليًا أكثر، فقل إنها مجاملة، في حقيقة الأمر هناك خيط رفيع ما بين الثناء الحلال والشكر، وبين النفاق والتملق، وهذه مشكلة تواجهنى شخصيًا؛ لأن التعامل برقي والثناء مثلًا على البعض، سواء مديرك أو زميلك في العمل يترجم نفاقًا أو تملقًا، في حين إن هناك بارعين ألقبهم بـ«ترزية النفاق»، فـ«ترزية» هى جمع كلمة «ترزي»، ومعناها «خياط»؛ لأنهم بارعون في «تظبيط» مقاس النفاق والتملق. المحزن أن تفكير هذا الشخص باستمرار هو كيفية «تظبيط» هذا المقاس، لربما قام بعمل دراسات حول مديره؛ حتى يتمكن من الوصول إلى المقاس الأنسب، أهو سعيد أم حزين؟ يحب السيارات أم الجوالات أم كرة القدم…إلخ؟ ياله من مجهود كبير للوصول لسراب!

ذكر لي يومًا زميل عمل أن «My Boss Agenda is mine»، أي أن جدول أعمال مديري، هو جدولي، هذا لا يعد نفاقًا ولا تملقًا، بالرغم من أنه ربما يفهم في هذا السياق، خصوصًا في بيئة العمل المصرية، إلا أنه من أهم قواعد فريق العمل، وبالتالي النجاح.

انحراف الشباب والشابات؛ نتيجة أسباب كثيرة، ومن أهمها الكبت، ربما الديني أو العاطفي أو حتى الجنسي، وتخيل إن كان الشاب مكبوتًا بقدر، فالشابة مكبوته بقدر أكبر؛ لما يمثله المجتمع عليها من ضغط، تحت مظلة «المجتمع الشرقي، المرعب أن هذا الكبت سيولد انفجارًا، خاصة مع عدم القدرة على حرية التعبير أو وجود فرص عمل كافية ومناسبة، وكذلك صعوبة وارتفاع تكاليف الزواج، واعتبارًا بمبادئ «الشيزوفرينيا» لا ينبغي أن يصبح الجانب الظاهر للناس مشوبًا بأفعال بذيئة ضد الأخلاق والدين؛ لذلك، وسرًا تجد انحرافات فكرية، وانتشار جرائم، وسرقات، وعلاقات مشبوهة.

هناك كثير من أمراض الشيزوفرينيا، لا يكفى مقال بكلمات قليلة أن يغطيها، ولكن باختصار شديد: أنا أبحث عن السلام الداخلي، أن يكون ما بداخلك هو ما تقوله، يمكن أن تسميها الشفافية، لا مجاملات، لا تملق، ولا نفاق، ولا حتى علاقات مشبوهة أو انحرافات فكرية.

عليك أن تصبح أنت نفسك لا شخصًا آخر، كثيرًا ما نسمع أغاني، ونشاهد أفلامًا في هذا السياق «قوم دور بنفسك جوة نفسك – أحمد مكي»، ولكن حان الوقت أن نطبق هذا فعلًا.

عليك أن توقف الغيبة، أن تفهم أن كل إنسان حر، طالما كان فى دائرته، لا تعلق، وإذا لم تستطع، فعليك أن تعلق أمام الشخص نفسه، لا في ظهره، وإن فعلت دون أن يعلم، فاذهب له بكل جرأة، واطرح عليه آراءك، وكن رجلًا بالقدر الكافي الذي يجعلك تواجه ذلك، وأن تسمع ما لا ترضى.

لا أقول لك أن تجامل مديرك، أو قطعًا تنافقه، ولكن ربما تمتلك من الذكاء والحكمة التي تجعله يستمع لك دون استياء، احرص على اختيار ألفاظك، وعامل الله قبل أن تعامله، ولا بأس إن اصطدمت معه، إن كان في الحق، طالما استخدمت طرق الذكاء، وراع ألا يكون الصدام صدامًا شخصيًا، بل فنيًا: أي في فنيات العمل فقط، وأن تكن له الاحترام والتقدير، فهذا ليس عيب؛ لأنه أكبر منك سنًا.

بعض الشباب الآن يبحث عن أي شيء شرعي؛ ليخرج فيه هذا الكبت، الجلوس على المقهى، أو ربما الوقوف على الناصية لمتابعة المارة، ومنهم الإيجابى الذى يمارس رياضة، أو يشترك في الأنشطة المجتمعية…إلخ.

لا بأس من نشاط يكسب خبرات جديدة، ويشغلك عن هذا الكبت، هناك مثلًا نماذج عديدة من الشباب لجأت إلى شبكات التواصل الاجتماعي، تعبر عما بداخلها، بتعليق أو بصورة أو بإداء حركي كمشهد يناقش قضية معينة ، وإن كان في صورة تهكم وسخرية أو حتى هزلى مضحك، قد يبدو الأمر تافهًا، وأن مشاركات الشباب لا غاية لها، ولا قيمة، إلا أنها تحتوي الكثير والكثير من هذا الغضب، وهذا الكبت وتلك الطاقة السلبية، ولا بأس بها طالما كانت في إطار أخلاقي وديني مقبول.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل