المحتوى الرئيسى

رانيا مصطفى تكتب: أخطاء الإخوان الأربعة عشر | ساسة بوست

10/19 19:06

منذ 1 دقيقة، 19 أكتوبر,2016

«الإخوان المسلمون» فصيل سياسي ذو مرجعية دينية، مثل أحزاب وفرق كثيرة على مستوى العالم؛ إلا أنهم هناك يصنفون كيمين، له كل الحق في المشاركة في العمل السياسي، وله الحق كذلك في أن يصل إلى حكم البلاد، دون أن يرميه أحد بأغرب اتهام؛ فحق أية جماعة سياسية «السعي للوصول للسلطة»، طالما استخدم سلمًا ديمقراطيًا، والتزم بقواعد اللعبة السياسية.

كان الإخوان ضلعًا قويًا في جسد «ثورة يناير» بشهادة باقي الفرق الثورية، حصلوا على الأغلبية بمجلس النواب، ثم نجح رئيس حزبهم السياسي في الوصول إلى منصب رئيس للجمهورية.

لم نر في العالم حتى الآن نظام حكم ملائكي معصوم من الخطأ، ولكن أخطاء هؤلاء رفعت لمرتبة الخطايا، وتم رصدها وتكبيرها وتحويلها لحائط رجم يحج الناس إليه مع كل أزمة أو حدث، بل أججت لهم الأخاديد نارًا؛ لينذر رفقاء ثورتهم عندها القرابين تقربًا لآمال وطموحات وقف الإخوان حجر عثرة أمام تحقيقها، في حين اختبأ هؤلاء الرفقاء في الظلام بعيدًا عن النقد والتجريح، خلف كشافات ضخمة سلطوا أضواءها بعناية على كل تفصيلة صغيرة في عالم هذه الجماعة.

ذكرت فى مقال سابق، «مين طفا النور؟»، أن ما حدث لأول نظام ديمقراطى منتخب لم يكن مسئولية معارضيه، بقدر ما كانت سقطة كارثية من مؤيديه، هؤلاء الذين لم يدركوا في محطات كثيرة لقطار الثورة أنهم يسحبون إلى مياه الثورة المضادة العميقة، دون أن ينتبهوا، فما أفاقوا إلا والجميع قد ابتلعهم الموج.

اليوم، أردت أن أتحدث حول أخطاء حقيقية مؤثرة من جانب الجماعة؛ ساهمت فى إلقائهم في الجب، دون مبالغة في تأييد أو هجوم؛ فأحاديث المشاعر لا تصلح أوقات الحروب.

أولًا: أهملت الجماعة التواصل مع شبابها بشكل يناسب زمنهم، فلم تدربهم على مواجهة أفكار ظاهرها جنة، وباطنها النار؛ فكانوا فريسة سهلة لغواية شباب آخر في مثل سنهم، رأوا فيهم الاندفاع والحماسة التي هي طبيعة هذا العمر الغض، هذا الآخر أشعرهم بأنهم مهضومو الحقوق، مسلوبو الإرادة، بطيئو الخطى. أدخل هذا الآخر بنعومة وسط الشباب مفاهيم جديدة، رسختها أساليب قديمة انتهجتها الجماعة لم تعد مناسبة لهذا العصر، تلك الفجوة الزمنية المعتادة التي تعاني منها الأجيال المتعاقبة؛ فصار الصغار يرون كل ما تفعله القيادات خاطئًا، بل سببًا في كل ما يحل بهم من كوارث، وأنه لا حل إلا بالتخلص منهم، دون أن ينتبهوا إلى أن من سربوا إليهم تلك الأفكار يقدسون أصنامًا فكرية وقيادية ـ ربما ـ أكثر مما يفعلون هم؛ وصار كبار الجماعة يواجهون اندفاع الشباب بالصبر تارة، وبالحزم الموجع تارة أخرى.

ذلك الخطأ ظهر أثره على شباب إخوانى ثائر لفظته الجماعة بعد ثورة يناير، حين كان يجر الجماعة بكل قوته نحو مظاهرات لا ترى الجماعة فيها خيرًا لها؛ فكان رد فعل الشباب أن أشاعوا أجواء من التمرد، تمددت مع الأيام؛ لتظهر في نقد مستمر قد يصل إلى السخرية من قرارات الجماعة في محطات الثورة المختلفة، ثم بعد مذبحة رابعة، واعتقال المرشد وأعضاء مكتب الإرشاد وقيادات الجماعة، وفي النهاية أفضت إلى حالة الانقسام الراهن في صفوف الجماعة ما بين صقور وحمائم، وشباب وشيوخ.

ثانيًا: لم تلتزم الجماعة بنفس القدر من الصرامة فى شروط ضم أعضاء جدد لها منذ عهد السادات، ومع الوقت أصبح بعض الأعضاء الجدد الذين ما انضموا إلا لمصالح يبغون تحقيقها من وراء الجماعة يشكلون عبئًا عليها، فأصبحوا واجهة سيئة لها، لا لأعمال شائنة قاموا بها، ولكن لأسلوب تعامل لا يؤخذ عليهم بقدر ما يؤخذ على الجماعة ذاتها، وحين شعروا بالخطر  قفزوا من قارب الإخوان، حين خرق، وأزالوا كل ما قد يشير إلى أنهم قد كانت تربطهم بها أية علاقة من قديم أوبعيد.

ثالثًا: كانت ضربات الإعلام قاسية؛ فاستُهلك أبناء الجماعة في عمليات التبرير المستمر الذي كان ينتهي بهم في النهاية إلى اللا شيء، فلا أحد يتركهم ليكملوا فكرة، أو ليهدموا اتهامًا، كان الأمر يحتاج وقتها إلى برنامج ذي إعداد قوي يتناول كل الاتهامات، ويرد عليها ردودًا واضحة بالدليل والبرهان.

رابعًا: اعتقد الإخوان أن اعمالهم ستتكلم عنهم، وأن النتائج ستكون أقوى من أي حديث، وغفلوا عن أن أحدًا لن يمهلهم ليظفروا بنتائج، كان عليهم أن يدركوا أن شعبًا تؤثر فيه دموع ممثل فيبكي معه، وتحرك مشاعره «آهات الست ساعة عصاري»، ويستبدل بجلسات مفصلة للجنة تضع دستور بلاده وبرلمان يسن قوانين تمس كل صغيرة وكبيرة في حياته برامج «توك شو» خفيفة يشاهدها في وقت فراغه، لن يلتفت إلى كل ما يبذل، طالما لم يحدثوه بنفس لغته، لغة «القفشات». حين استخدمت الثورة المضادة ذراع الإعلام الذي وجهت دانة مدفعه بدقة نحو رأس رئيس الجمهورية، كان لابد من تكثيف العمل الإعلامي عن طريق التنظيم في الشوارع كما اعتادت الجماعة فى حملاتها الانتخابية. فإهمال الجانب الإعلامى من طرف الجماعة كلفهم الكثير.

خامسًا: كان لابد من إذاعة بيان يومي في نقاط محددة، يلقيه شخص مفوه، بحيث يكون نشرة إخبارية يومية تغطي جوانب القرارات الرئاسية والبرلمانية وحتى على مستوى المحافظات.

سادسًا: للإخوان سمت واحد يظهر على الناس، احتاج الإخوان إلى وجوه وألسنة مختلفة تخاطب فئات الشعب المتباينة، من سكان العشوائيات وحتى رواد الساحل الشمالي.

سابعًا: تفنيد الأسس الشرعية للقرارات كان أمرًا رئيسًا؛ حتى لا تتهم الجماعة بأن الغاية تبرر الوسيلة، وتظهر في النهاية بمظهر المنسلخ عن مبادئه ودينه، كما حدث فى فتنة سلمية الثورة، وشرعية شراكتهم فيها، وغيرها من القضايا.

ثامنًا: بالرغم من النوايا الطيبة التي حملتها الجماعة نحو رئيس خرج من عباءتها، إلا أنهم تسببوا في الكثير من الحرج له من خلال تصريحات لا تتسم بأي نوع من الحصافة، فكانت صيدًا ثمينًا لكل من أراد أن يرمي أول نظام ديمقراطى بحجر.

تاسعًا: استخدم من كل من تولى منصبًا من أعضاء الجماعة أسلوبًا قديمًا في الحوار لم يعجب الشباب الذين هم عماد هذه الثورة، يعتمد هذا الأسلوب على أنك تسمع إجابة مطولة للسؤال، وتخرج في النهاية خالي الوفاض، لا أنكر عليهم حق احتفاظهم بخبايا لا يصح أن يتحدثوا عنها علانية، ولكن يحتاج الحوار في زمننا هذا إلى أبجديات جديدة تناسب سياسة الهروب، دون أن تصيب المستمع بعده بالدوار.

عاشرًا:كان عليهم أن يكونوا أكثر حضورًا سياسيًا في أحداث، كـ«محمد محمود» و«العباسية» وشبيهاتهما، أتفهم أسباب الاحجام عن التواجد التنظيمي، ولكن حضورًا باهتًا حين ينتظر منك خصمك هذا، لهو وجبة دسمة له على طبق من ذهب.

أحد عشر: لم يشرك الإخوان مؤيديهم من عامة الشعب بأدوار صغيرة مؤثرة تبقي فى قلوبهم جذوة مناصرتهم، أعلم أن مؤسسات الدولة لم تكن تحت تصرف رئيس الجمهورية، ولا يعنيها أمر برلمان، ولكن مشاركة الأفراد بعد أن شعروا أنهم يملكون أرض هذا الوطن كانت أمرًا لازمًا؛ حتى لا يُتركوا نهبًا للشكوك، ولإعلام مضلل يزيل كل أثر طيب لعمل يقوم به النظام الجديد.

اثنا عشر: الإخوان عرفوا بين الناس كفصيل إسلامى، وحين حاولوا موازنة المعادلة باسترضاء العلمانيين، لم يفطنوا لعيون مؤيديهم التي تراقبهم ولا تعي ما الذي يجري، أهو تخل عن الشريعة التى دافعوا عنها، أم هو مناورة لكسب تأييد شعبي! كان على الإخوان حينها طمأنة هؤلاء بشكل يبقيهم كدرع واق من ضربات خصومهم.

ثلاثة عشر: كانت خطابات مرسي، على الرغم من قوتها، تحتاج إلى اختصار وإيضاح ماكر محسوب لما يحتاج الشعب إلى سماعه في لحظات معينة؛ حتى لا يصاب المتلقي بإحباط ، احتاج الخطاب أيضًا أن يستميل القلوب التى لا تقنع بكلام العقل، وكما رأينا فإن خطابًا عاطفيًا واحدًا من «مبارك» كاد يقضي على «ثورة 25 يناير» في مهدها، لولا أن من أراد تاجيجها كان متيقظًا؛ فأراق دماء محت كل أثر لكلمات رقراقة قطرت من فم رئيس فاسد.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل