المحتوى الرئيسى

معرضا ديغوميه وشومبريه.. مصافي الحب وزوارقه

10/19 00:58

الفنانان يان ديغوميه ودانيال شومبريه لا يتشاركان معرضاً واحداً، فالأعمال العائدة لكلا الفنانين، لدى «غاليري أليس مغبغب»، معلّقة في صالتين منفصلتين، وتختلف أساليب كل منهما في كيفية التعاطي مع العمل الفني. لكننا، في قرارة أنفسنا، نبحث أبداً عن نقاط التلاقي بين هذا العمل الفني أو ذاك، إن لم يكن من حيث الموضوع فمن حيث التقنية، أو لجهة استعمال المادّة في العمل الفني، وهي التي، لدى الفنانين المذكورين، لا تعدو كونها مادّة مشتقة من الطبيعة، على الرغم من الاختلاف في استثمارها فنياً، إضافة إلى إمكانية استعمالها كمادة خام، في وضعيتها الأصليّة، أو مشغولة ومعدّلة من أجل الاستهلاك.

يان ديغوميه، المولود في فرنسا، درس تاريخ الفن في «جامعة بول فاليري» بمدينة مونبيلييه، قبل أن ينخرط في مجال الفنون التشكيلية ويحقق إنجازاً شخصياً قوامه إنجاز لوحة كل يوم ولمدة عام، أي 366 لوحة خلال عام 2000، شكّلت مادة لمعرضه الأول في مونبيلييه. عرف الفنان نجاحاً واضحاً إثر معرضه المسمّى «دوكلومنتا»، وفي عام 2008 قام بجولة حول العالم استمرت لفترة سنتين، وتنوعت أعماله بعد ذلك في اتجاهات فنية عديدة، من ضمنها الفيديو والتصوير الفوتوغرافي، الذي يقوم على أساسه معرضه الحالي الذي نحن في صدده.

لا يصوّر ديغوميه، فوتوغرافياً، واقعاً موضوعياً قائماً في ذاته، بل يتدخل شخصياً من أجل تكوين المادة التي ستصلح موضوعاً لصوره. ففي عام 2015 دُعي الفنان للمشاركة في حملة من أجل توعية الرأي العام، ولفت انتباهه موضوع اللجوء العشوائي الاضطراري من بلدان العالم الثالث باتجاه أوروبا، والمصير المجهول لعشرات آلاف المهاجرين المذعورين، المتكدسين في زوارق متهالكة تحت رحمة أمواج بحر هائج. رأى الفنان أن الأمر أشبه بقشرة ثمرة جوز موضوعة، أو مرمية، في الماء على ظهرها، وقابلة إما للغرق أو للسباحة على اللجّة. قام ديغوميه بصناعة «زوارق» انطلاقاً ممّا ذُكر، بعدما أضاف للزورق صارية هي عبارة عن عود خشبي، وشراعاً هو عبارة عن ورقة شجر مغروسة في العود، ليدفع بعدها الفلك الصغير في الماء، لتذهب الزوارق إلى مصيرها المتراوح بين السير على الصفحة أو الغرق، وليقوم بتسجيل هذه العملية على شريط فيديو وبآلة تصوير، لينتج من ذلك مجموعة من الصور العالية التقنية، وكلتا النتيجتين، الفيديو والصور، تُمكن رؤيتها في المعرض.

دانيال شومبريه من مواليد فرنسا. درس في المدرسة العليا للفنون الجميلة بباريس، من ثم في أكاديمية هلسنكي. بدأ نشاطه العملي عبر تصميمه السجاد والقماش، كما ابتكر ديكورات وملابس لمسرح الباليه في مدينة نانسي بفرنسا. ويبدو أن اهتمامه بقدرات النسيج الجمالية رافقه على طول الخط، ولم ينحصر هذا الاهتمام بما تنتجه بلاده في هذا الإطار، بل توزّع شغفه على القارّات الخمس، من خلال الغوص في الثقافات البعيدة والمنسية، وفي الأشكال المتعددة للقماش وأنواع الأصباغ.

في أعماله التشكيلية وأبحاثه في المجال المذكور، يحاول الفنان الإحاطة، قدر المستطاع، بما تقدمه له الثقافات العديدة من إيحاءات. ففي «القماشات البدوية»، ذات الأشكال المستطيلة العمودية، الموجودة ضمن المعرض، التي تذّكر بالسجاد وبما يُنتج في حقل التراث الشعبي، يصبغ شومبريه القماش باللون، محافظاً على التموّج في النسيج، عاملاً على تغيير السطوح عبر انعكاسات ضبابية، وعبر استغلال قدرة القماش على الامتصاص. هذه العوامل كلها تعمل على خلق تنوّع وانطباعات، وتجاعيد وتعرّجات، وتقاطع في المساحات، من خلال التعاكس بين الخطوط الأفقية والعمودية. أما في الجزء الآخر من معرضه، المسمّى «مصافي الحب»، فالصفحة المستعملة هنا عبارة عن مرشح العطور الذي يُصنع في فرنسا منذ عدة قرون، وهو عبارة عن ورقة سميكة تُطوى عادة وتوضع مفتوحة على حامل خشبي. الأعمال المنتمية لهذا الجزء من المعرض مستديرة الشكل تماماً، كما هو الورق المستعمل لهذا الغرض (قطره 100 سنتم)، وقد عمد الفنان إلى تلوينه من خلال اللجوء إلى تقنية يختلط فيها الباستيل مع النفط والطباشير والحبر، لتخرج النتيجة أشبه بشموس أو بأقمار، ولو شئنا تقريب الأمر إلى المتلقي الشرقي لقلنا إنها تُذكّر بصواني القش التراثية، أو بطاووس مفتوح الجناحين، ما يخلق انطباعات بصرية فريدة من نوعها.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل