المحتوى الرئيسى

العلم وفانتازيا هوليوود (2).. السفر إلى الماضي

10/18 16:43

في الثالثة عصرًا يوميًّا منذ عام 1991 ولمدة عامين متتاليين، كنت حبيسَ غُرْفَتي، أعلِّق عيني بحلقات الخيال العلمي (The Girl from Tomorrow)، حيث تلعب كاثرين كولن دور ألّانا، الفتاة من المستقبل (جاءت من عام 3000م) إلى عالمنا المعاصر من أجل حلّ مشكلات عالِقَة، ويتبعها القاتل من عام 2500 جيمس فندلاي.. لن تسمع عن هذين الممثلَيْنِ بعد ذلك.. كان ذلك نهاية تاريخهما القصير.. الذي شكَّل جزءًا كبيرًا من مخيلتي حول السفر عبر الزمن، في هذه السنّ المبكرة.

في هذه الفترة (التسعينات وما بعدها)، نمت فكرة «السفر عبر الزمن»، وصارت هوسًا يلاحق الشباب، وانتقل منهم – وللمرة الأولى – إلى حقل البحث العلمي، حيث صارت عدوى السفر إلى الماضي والمستقبل سمة هذا العصر..

سنتناول اليوم جزءًا من السفر عبر الزمن، وهو السفر إلى الزمن الماضي، على أن نستفيض في المقال المقبل البحث في السفر إلى المستقبل..

 قدمت هوليوود مئات الأفلام التي تناولت السفر إلى الماضي، ونذكر ها هنا أشهرها:

1- Primer – 2004: أربعة أصدقاء يخترعون آلة زمن، ويذهبون إلى الماضي، ويتاجرون في الأسهم، لا يعرفون أن أي شيء يتغير في الماضي مهما قلَّت درجته، فإنه يغير المستقبل حتمًا.. بطولة الممثل (المخرج فيما بعد) شان كاروث.

2- Time crime – 2007: لم يتصوَّر هذا العائد إلى الماضي لساعة واحدة، أن سلسلة المصائب هذه ستحدث تباعًا، بطولة الممثل الإسباني كارا إليجالد.

3- déjà vu - 2006: إخراج توني سكوت، وبطولة دينزل واشنطن، وجيمس كافيزل. في نيو أورليانز يتم تفجير العبارة (A.T.F)، وباستخدام تقنية جديدة تسمى المراقبة التجريبية، يحاول التحرِّي (دينيزل واشنطن)، العودة إلى الماضي، حيث يجد نفسه أحد الضحايا!

4- The butterfly effect  - 2004: يكتب الطفل إيفان تريبورن (أشتون كوشتر) مذكراته تبعًا لنصيحة الطبيب الذي رآه يكثر النسيان، يكبر الطفل، وكلما قرأ جزءًا من مذكراته عاد إلى الماضي، ليتمثل بها، يقوم بمحاولة تغيير الماضي، فيجد المستقبل وقد تغير جذريًّا.. فيلم أنصح بمشاهدته، إن لم تكن رأيته من قبل.. ابحث عنه وشاهدْه على الفور!

5- Timeline – 2003: مجموعة من الباحثين الآثاريين يُحبسون في الماضي، بعد أن ذهبوا ليبحثوا عن أستاذهم الذي سبقهم إلى القرن الرابع عشر في فرنسا، حيث تختلط الأحداث التاريخية وتتشابك مع واقعهم، بطولة جيرارد باتلر، والراحل باول والكر (مات قبل أن يكمل الجزء الأخير من Fast and Furious في حادثة سيارة)، ومن إخراج العبقري ريتشارد دونر (مخرج أجزاء السلاح المميت Lethal weapon).

6- - 1995 Monkeys  12:  مادلين ستو، تجتمع مع بروس ويلز، وبرات بيت،  في عام 1996 - 1997 تتعرض الأرض لفيروس خطير يقوم بقتل البشرية مما جعلهم يعيشون تحت الأرض لتجنب هذا الوباء، يقوم العلماء بإعطاء المجرم المدان كول (بروس ويلز) فرصة لتخفيف مدة حكمه من خلال إرساله إلى الماضي لمعرفة خطة المنظمة الإرهابية المعروفة باسم «جيش الاثني عشر قردًا»، وتتلخص مهمته في الحصول على عينة من هذا الفيروس لصنع علاج مضاد، بلغت تكلفة إنتاج الفيلم حوالي 29.5 مليون دولار بينما حقق أرباحا تقدر بـ169 مليون دولار تقريبًا.. هذه هي صناعة السينما!

7- فيلم  2011- Source Code: القصة صادمة، جندي أميركي يسقط بطائرته، يستيقظ ليجد نفسه في قطار سينفجر بعد دقائق، لا بد من معرفة مكان القنبلة، وتفاصيل عن الحادثة، يفشل فيعود إلى المحاكاة التي تُرسِله دقائق ثماني في الماضي، لحل المعضلة مرة أخرى.. يصبح كل هم الجندي (بالإضافة إلى محاولة اكتشاف موضع القنبلة) هو معرفة ما إذا كان هو نفسه حيًّا أو ميتًا. فيلم أنصح بمشاهدته، بطولة جيك جيلنهال (بطل كينج كونج)، وميشيل موناغان، إخراج دونكان جونز.

السفر عبر الزمن هو مصطلح يعني الانتقال من نقطة زمنية إلى نقطة أخرى محدّدة على خط الزمن.. نتناول هنا النمط العلمي المتعلق بالسفر عبر الماضي، على أن نتناول الانتقال إلى المستقبل في المقال المقبل..

تصور إسحاق نيوتن أن الزمن مثل قطار لا يعود إلى الوراء، يسير بانتظام على شريط ثابت ممتدد، وهو جزء من تنظيره العبقري للفيزياء الكلاسيكية.. مشكلة واحدة تعاورت هذا الفهم للطبيعة، هو أن قوانين نيوتن أثبتت فشلًا ذريعًا في التطبيق على الأجسام عظيمة الحجم (كالنجوم والكواكب والمجرّات) والأجزاء ضئيلة الحجم (الذرة والإلكترون.. إلخ)، من هنا كان الحاجة ملحّة لإيجاد نظرية أكثر شمولا وُلدت مع أبحاث آينشتاين المتسارعة حول النسبية الخاصة والعامة، التي أثبت فيها أن الزمن بُعد لا ينفصل عن المكان، وأنه نسبي، متناولًا ظاهرة انحناء الزمان تبعًا لانحناء المكان.. المشكلة أن الزمان ينبعج عند آينشتاين لكنه لا يعود! أي لا يرجع للخلف.

افتح أذنيك، واسمع هذه التجربة المدهشة، في أحد مختبرات «ناسا» بالولايات المتحدة وفي منتصف التسعينات، قام العلماء باختبار فكرة «النقل الآني»، أي انتقال جسم من مكان إلى مكان عن طريق تفتيت ذراته، وإعادة تجميعها مرّة أخرى، استطاع العلماء تسخين عملة من فئة 5 سنتات أميركية، ومن ثم تفتيتها وتحويلها إلى المخبار الثاني وإعادة تجميعها، تم ذلك في ساعة وست دقائق بالضبط، كان ذلك سبقًا علميًّا رهيبًا، غير أن العبقرية لم تكن ها هنا، كانت في التجارب التالية على العملية، حيث قام العلماء بقياس درجة حرارة العُمْلَة بعد تجميعها، فوجدوا أن الفاقد في درجة الحرارة يعني أنها لم تلبث في الفراغ (بين المخبارين) سوى أربع ثوانٍ فقط!

اندهش العلماء وأعادوا تجربتهم، كانت النتيجة ثابتة، العملة تأخذ بين المخبارين كمعدل انتقال مدة ساعة وست دقائق، لكن الحقيقة أن الزمن بالنسبة للعملة لم يتعد أربع ثوان، أي أن العملة عادت إلى الماضي (ماضيها هي)!!

هل يمكننا السفر إلى الماضي؟

فلنحتفل إذًا.. يمكننا السفر عبر الزمن!!

حسنًا.. هذا الأمر ربما يحتاج إلى تفصيل!

في التجربة السابقة كانت المسافة تسعين سنتيمترًا فحسب، ومن ناقوس زجاجي مُفَرَّغ من الهواء إلى ناقوس آخر مماثل، تربطهما قناة من الألياف الزجاجية السميكة، التي يحيط بها مجال كهرومغناطيسي قوي.. حتى في هذه الحالة لم ينجح النقل مع أجسام مركبة أكثر من الخمسة سنتات، وفي كل مرة كانوا يحاولون على أجسام مركبة تجربة «النقل الآني»، كانت تتعقد على شكل عجيب، وليس مجرد امتزاج الأجزاء، وإنما الوصول إلى شكل مختلف تمامًا، ومشوَّه من الشكل الأصلي.. ثم هل تعتبرون أن ساعة وست دقائق تعني انتقالًا آنيًّا؟! لذا، ولكل العوامل السابقة، اعتبر علماء أوائل الثمانينيات أن تجاربهم، الخاصة بعملية الانتقال الآني قد فشلت تمامًا. 

في صبيحة السادس من مايو عام 2011، أكدت هيئة الفضاء الأميركية (ناسا) أن عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين كان «محقًّا فيما يتعلق بانحناء ما سماه الزمكان تحت ضغط كتلة الأرض»، وأيدت الصور التي التقطها القمر الصناعي «جرافيتي بروب ب» نظرية آينشتاين بدرجة من الدقة لم تتوافر من قبل، واعتبرت ناسا هذه النتائج أمس بمثابة «حدث تاريخي».

وحسب نظرية النسبية العامة لأينشتاين فإن الكتل الكبيرة تسبب نتوءًا في «الزمكان»، كالانثناء الطفيف الذي تسببه كرة سلة على سبيل المثال في ملاءة مشدودة أو النتوء الذي يسببه جلوس رجل فوق لعبة الترامبولين (النطاط).

وحسب النظرية، فإن الأرض تجذب الزمكان إليها أثناء دورانها حول نفسها، تماما كما تفعل ملعقة تدور في كوب من العصير، وأوضح فرانسيس إيفيريت كبير علماء مهمة القمر الصناعي ذلك قائلاً: «تصور أن الأرض مغموسة في عسل، وفي الوقت الذي يدور فيها كوكب الأرض سيتحرك العسل حوله، وهذا هو بالضبط ما يحدث مع المكان والزمان».

يتعلق السفر إلى الماضي بمصطلح جسر آينشتاين - روزين، وهو يعني ممرات (تبدأ بثقب أسود وربما تنتهي بثقب أبيض في الجهة المقابلة من الكون) دودية تخيلية داخل الثقوب السوداء تنقل المسافر عبرها بسرعة تماثل سرعة الضوء إلى مكان غير معلوم من الكون، ولتسهيل ذلك يمكن تصور الثقب الدودي باختصار يشبه اختصارات لعبة (crash team racing) حيث يساعد الاختصار على الانتقال بشكل عرضي بين ممرات تتطلب وقتًا طويلًا للالتفاف حولها، وبذلك يتمكن المسافر من قطع مسافات شاسعة في زمن قليل، وربما (عبر الثقب الدودي ولأنه يغير مفاهيم الزمان) يجد المسافر نفسه في مكان ما من الماضي.

Comments

عاجل