المحتوى الرئيسى

ياسين أحمد يكتب: «السايبربانك» بين الأدب والسينما | ساسة بوست

10/18 14:47

منذ 1 دقيقة، 18 أكتوبر,2016

هي لفظة حديثة نسبيًّا، حيث شقت طريقها إلى الوجود فقط منذ عام 1983، مع أنها كانت تمارس من تاريخ أقدم من ذلك بكثير.

الأب الشرعي للمصطلح هو «بروس بيثك»، عندما جعله عنوانًا لإحدى قصصه القصيرة، كلمة «سيبر» مشتقة من مصطلح «سيبرنيتكس» «علم التحكم الآلي Cybernetics»، وتشير إلى العالم الرقمي أو الإلكتروني، أما كلمة «بانك» فتشير إلى المشاغب أو المتمرد.

شكلّت قصة «بروس» مفهومه البكر عن ذاك العالم؛ بمفردات المكونة من «متسللي كمبيوتر+ ذكاء صناعي+ علم وراثة»، وصنع جسرًا بين ما سبق وبين الحكومات المستقبلية القمعية + حكايا المدينة الفاضلة «أو الفاسدة، أيهما أقرب»، إلخ.

ومن يومها، تم قص شريط البوابة إلى ذاك العالم، وتحول إلى أحد أفرع الخيال العلمي المهمة.

ومن أهم الروايات في هذا الصدد

تحفة الصحفي والأديب البريطاني «ألدوس هكسلي»، وهذا ليس بغريب على حفيد «توماس هكسلى»: الرجل الذي تتلمذ على يديه «هربرت جورج ويلز» نفسه.

تحدث «هكسلي» الصغير عن مستقبل تخلى فيه البشر عن خشية الموت، بشر يتم توالدهم اصطناعيًا في أنابيب الاختبار، ويشبون على استنكار فكرة «أسرة»، فزمنهم جعل من كلمة «أب» أو «أم» تدعو إلى الخجل، وهكذا صار الجميع، حسنًا، ليس «الجميع» بالضبط، إذ ظهر إنسان «متوحش» يحتفظ بمفاهيم العصر القديم، فكان من الطبيعي أن يودعوه أحد المتاحف، وإن ظل يذكرهم بالطابع الحقيقي للحياة الذي كانت عليه البشرية يومًا.

سبقت الرواية عصرها بنبوءة ظهور «أطفال الأنابيب»، لاحظوا أننا نتحدث عن العام 1932م، أي قبل نحو نصف قرن من ميلاد «لويس براون» أول طفلة أنابيب في العالم.

الرواية التي مُنعت من دخول العديد من الدول، وفي نفس الوقت، يصنفها البعض ضمن أفضل ما كتب في القرن العشرين قاطبة.

تدور الأحداث داخل إطار «ديستوبيا» أخرى، صار فيها البشر مجرد أرقام بالنسبة لحكومة «الأخ الأكبر».

احترس لتعبيرات وجهك، حذار أن يبدو عليك التفكير، أو تبدر منك أدنى عاطفة، فدوريات شرطة الأفكار لا تمزح أو تتسامح، هذه أصبحت كما أن أجهزة التصنت لا تغفل عنك لحظة، بالإضافة إلى أنك ستجد حولك صحافة، وإعلانات تلفاز، ولافتات فوق ناطحات السحاب، كلها لا تعطيك فرصة للتظاهر بالتناسي، وتذكرك طوال الوقت بحقيقة أن: «الأخ الأكبر يراقبك».

كتب «أوريل» ملحمته الخالدة في 1949، أي كان العام 1984 بالنسبة له زمنًا بعيدًا للغاية، حمد القراء اللاحقون ربهم على أن الزمن المختار مر على خير، فلم تتحقق رؤى «أوريل» السوداوية بالنسبة للأغلبية، أقول «الأغلبية» لأننا –كعرب- نرى أخًا أكبر في كل مكان حولنا، بل يكاد الوضع ينطبق أكثر على دولة كوريا الشمالية مثلًا؟

لن نستغرق في جلد ذاتنا كعالم ثالث، وأذكركم بأن الأخ الأكبر يتواجد في الولايات المتحدة ذاتها،  ويكفي التذكير بفضيحة «Prism Internet Surveillance» عام 2013 تحديدًا.

«برسيم» عبارة عن برنامج شامل من صنيعة جهاز الأمن القومي الأمريكي،  تجسسوا بواسطته – داخليًا- على بيانات نحو خمسة ملايين مواطن.

شكلَّت «1984» أثرًا فارقًا على عدد من روائع الأدب التي تلتها، مثل:

– «451 فهرنهايت» هي درجة الحرارة التي يحترق عندها الورق، وفي الوقت نفسه عنوان رائعة المؤلف الأمريكي «راد برادبوري»، الذي تنبأ بمستقبل مظلم، مستقبل يتم فيه غسل عقول الجماهير بالإعلام التافه، وهوس تليفزيون الواقع، مع إدانة من يملك المفتاح الأزلي للمعرفة، «الكتب»، وحرقها فورًا.

وإمعانًا في التحدي، أضاف المؤلف عود ثقاب ضمن تصميم الرواية، وطلب من القارئ حرق أوراقها إذا لم ترق له.

تضمنت وصية «برادبوري» بعد وفاته؛ أن يدفن في مقبرة الحديقة التذكارية في «ويستوود فيليج»، وأن يُكتَب على شاهدة قبره «مؤلف فهرنهايت 451».

– «الرجل الراكض»: يعد اسم «ستيفن كينج» بمثابة تميمة مميزة لأدب الرعب، إلا أنه قرر عام 1981 التنحي عنه لبرهة، واقتحام عالم الخيال العلمي، فقدم نموذجًا آخر لمستقبل قاتم؛ حيث ينقسم فيه العالم على طريقة «هربرت جورج ويلز» إلى من يترف بالغناء الفاحش، ومن يعيش في فقر مدقع.

المنفذ الوحيد أمام الفقراء لجلب المال، هو باب مدينة الألعاب، حيث عالم ترفيهي كامل تبث كل فاعلياته على الهواء مباشرة.

هكذا تدور الصفقة، الأغنياء يحصلون على التسلية، بينما يشاهدونك وأنت تلعب، حتى الموت.

جدير بالذكر أن د. أحمد خالد توفيق قام بتقديم ترجمة موجزة لهذه الرواية، يمكنكم الرجوع إليها بسهولة ضمن سلسلة «روايات عالمية للجيب»- العدد رقم 22.

لا ننسى علامات كلاسيكية أخرى حفرت بصمتها في الفضاءات الافتراضية والدستوبيا، على غرار رواية « «We عام 1924م  للكاتب الروسي يفجيني زمايتين Yevgeny Zamyatin، والتي يقال إن جورج أوريل تأثر بها كثيرًا في رائعة «1984»، كما يوجد أيضًا «عدو النظام» لـ «برايان ألديس»، و«مؤسسة» «إسحاق أسيموف»، و«كثيب» «فرانك هيربيرت».

بالذهاب إلى السينما، فإن ذكر السايبر بانك، أو الفضاء الافتراضي، يذهب بذهني مباشرًة إلى فيلم «المصفوفة» أو «matrix»، تحفة الأخوين العبقريين «أندي ولاري وتشاوسكي»، انصهر كلا الشقيقين في تأليفه وأخرجاه معًا، فزلزلا كل ما نعتقد أنه ثوابت، عبر طرح السؤال الوجودي الشهير:

– ماذا لو كان كل ما حولنا غير حقيقي؟

– ماذا لو أن ما نلمسه ونحسه ونعيشه ليس سوى وهم؟

يتخيل الفيلم نهاية مفجعة للعالم، انتصرت فيها الآلات في تمردها على بني البشر، وفي محاولة يائسة أخيرة، دمر الإنسان سماءه ليحجب عن الآلات مصدر طاقتها الأساسي الشمس.

فما كان من الخصم إلا أن ربط الأجنة البشرية بنظام إلكتروني ضخم، ليستمدوا الطاقة من أجسادنا نفسها، أي صرنا بالنسبة لهم بمثابة مجرد بطاريات!

وبينما تكبر أجساد الأجنة داخل شرانقها، تطلق عقول أصحابها داخل مصفوفة الحياة المزيفة، حيث يعيش الكل ونموت دون إدراك أن حياته بالكامل ليست سوى وهم افتراضي.

الفكرة جامحة وقوية، خصوصًا مع المؤثرات البصرية المبهرة، بالإضافة إلى لمسات الإخراج المتقن للأخوين «وتشاوسكي».

السقطة الوحيدة في الفيلم -من وجهة نظر العلماء- أن ما فعلته الآلات غير مبرر؛ لماذا يدخلون البشر في غيبوبات، ويقومون بتسليتهم بمصفوفات افتراضية، فيما لو أحرقوا أجسادهم -مباشرة- سينالون طاقة أكبر؟!

أراه -عمومًا- خطأ مقبولًا في ضوء الضرورة الدرامية، فلا داعي لمثل ذاك التصيد الفيزيائي من قبل المتخصصين، ولا حتى الرمزي من قبل بعضنا، جراء منح المدينة الناجية الأخيرة اسم «Zion» تحديدًا، فيما يبدو استيحاءً واضحًا من أسطورة جبل «صهيون» في التوراة.

لست من أنصار نظرية المؤامرة، فأميل إلى تذوق تلك الروعة المجسدة التي رأيتها، مع تجاهل ما لا يناسبني، كما أن الحبكة – بالفعل- تحتشد بغيرها من مختلف الدلالات التاريخية والدينية، هناك فكرة «المختار» أو «المخلص» من خلال البطل «نيو»، علاوة على اختيار لفظة «مورفيوس» كاسم للمعلم، وهي التي تعود – بوضوح- إلى «إله النوم» في الأساطير الإغريقية،  كما استوقف البعض إطلاق لفظة «نبوخذ نصر» على سفينة الأبطال، وهو الملك البابلي المعروف بسبي اليهود، فيما بدا أنه رغبة من صناع الفيلم، لمعادلة تأثير اختيارهم لعنوان «Zion» الذي تحدثنا عنه أعلاه.

لذلك سأتخطى هذه المتاهات، لأقر حقيقة ثابتة وحيدة، وهي أن الفيلم وظف الهجين السابق بحرفية عالية مع كثير من الحركة والإثارة.

وهكذا، استحق «ماتريكس» الخلود في قائمة أكثر ثلاثيات الخيال العلمي شهرة، ثم جاء موعد حفل الأوسكار رقم 72 لينال تتويجًا مستحقـًا بجوائز؛ «أفضل مونتاج – صوت – مؤثرات صوتية – بصرية».

ثلاثية أخرى جذبت الأنظار، وأخذت المشاهدين إلى عالم مبهر وموحش اسمه «ألعاب الجوع».

تحكى القصة عن دولة «بانيم» المستقبلية، والتي تتكون من العاصمة الغنية «الكابيتل»، تحفها 12 مقاطعة فقيرة.

عم الأمان «بانيم» بعد ثورة فاشلة للمقاطعات الجارة، أعقبها فرض قربان للسلام يتشارك الجميع في دفعه من، دماء أبنائهم، حيث تنظم البلاد مسابقة سنوية من نوعية تليفزيون الواقع، يقتتل فيها 24 متنافس في بث مباشر على شاشات «بواقع شاب وفتاة عن كل مقاطعة»، لتنتهي المباراة بفائز وحيد، فائز واحد فقط عليه يغادر أرض المعمعة، وخلفه 23 قتيل.

الفيلم مستوحى من سلسلة «مباريات الجوع» للكاتبة «سوزان كولنز»، لينتقل جزؤها الأول إلى قاعات السينما في 2012 عبر قيادة إخراجية لـ «جاري روس».

دنت ميزانية الفيلم من حاجز الـ 80 مليون دولار، ليحصد في مقابلها حوالي 152 مليون في أسبوع الافتتاح وحده، ثم يحطم رقمًا قياسًا في تصدر شباك التذاكر لمدة لأربع أسابيع متتالية.

90% من إعجابي بـ «أفاتار» موجه إلى عنصر واحد بالعمل، المخرج.

إنه «جيمس كاميرون» يا سادة، الرجل الذي يمتلك ثلاثة أفلام تخطت أرباحها حاجز المليار دولار، أي تكاد تفوق ميزانيات دول نامية، انفرد اثنان منهما بالمركزين الأول ووصيفه «أفاتار وتيتانيك» في قائمة الأكثر دخلًا على مدار التاريخ.

تلك التركيبة الملهمة لـ«كاميرون» اختلط فيها رؤية المخرج مع فكر السيناريست مع إبداع الرسام أيضًا، فما قد لا يعرفه الكثيرون أنه يصمم اسكتشات أفلامه بنفسه، ولنا في أفاتار وترمنيتور خير دليل على موهبته، بل لعلنا نذكر جميعًا مشهد رسم ديكابريو لكيت وينلست في «تيتانيك»، حسنًا، لم تكن تلك يد «ديكابريو» بطبيعة الحال، بل تعود لكاميرون نفسه، وإن اضطر لعكس المشهد بواسطة مرآة، نظرًا لأن مخرجنا الفنان، أعسر، في حين يستخدم كابريو يده اليمنى.

قد تتعجب عندما تعلم أن «كاميرون» كتب فكرة «أفاتار» مطلع التسعينات، أي قبيل عمله على فيلم «تيتانيك» نفسه، ما كبحه هو عدم رضاه عن مستوى تكنولوجيا المؤثرات آنذاك، والتي ارتأى أنها لن تكفي لتنفيذ فكرته، فانتظر -بصبر- حتى أتت اللحظة المواتية أخيرًا عام 2005، ليستغرق الإعداد للفيلم نحو أربع سنوات، انتهت بعرضه عام 2009.

تكلف العمل أكثر من 200 مليون دولار، لتشكل استثمار في محله تمامًا، بدليل تصدره المركز الأول كأعلى إيرادات سينمائية في التاريخ.

تعود لفظة «أفاتار» إلى الفلسفة الهندوسية، فتشير إلى تشكل الإله الأعلى أو «ديفا» في صورة أرضية مادية، ثم توسع استعماله فيما بعد؛ ليعبر عن كل فكرة أو روح تأخذ صورة مجسدة.

الفيلم بمثابة نظرة نقدية من الأعلى لجذور النزعة الاستعمارية الغربية، فيتحدث عن كوكب بعيد يسمى «باندورا»، تسكنه كائنات مسالمة زرقاء اللون تسمى «نافيي»، ثم تغير كل شيء بعد اكتشاف البشر لوجود معدن نفيس تحت ثَرَى الكوكب، فاستخدموا تقنية تمكّن أحدهم من التجسد افتراضيًا في صورة مطابقة للباندوريين، واختاروا لهذه المهمة جنديًا قعيدًا يحمل اسم «جاك سولي».

اندس «سولى» لجمع المعلومات خلف خطوط العدو، فسرقه الوقوع في حب ابنة ملكهم.

Comments

عاجل