المحتوى الرئيسى

الجحيم القادم في نوفمبر

10/18 10:29

لست من الكُتاب الذين يستخدمون حليّة رفض نظرية المؤامرة حين يتحدثون إلى الناس، كما لا أشعر بالخجل حين أفصح عن إيماني العميق بهذا المصطلح الذي ظهر لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920، ثم عاد إلى الظهور عام 1960.

كما تمت إضافته إلى قاموس أكسفورد -نظرية المؤامرة Conspiracy Theory- عام 1997، فوعد بلفور ليس إلا مؤامرة، وانسحاب بريطانيا من فلسطين في 14 مايو/أيار 1948 ليعلن بن غوريون إعلان قيام إسرائيل في نفس اليوم مؤامرة، كما كان اغتيال مبعوث الأمم المتحدة الكونت فولك فيرنادوت المنوط بمراقبة الهدنة بين العرب والصهاينة وقرار التقسيم كان مؤامرة، وليس أدل على ذلك من إطلاق سراح من اتهما باغتياله، كما تم إطلاق سراح جميع أعضاء منظمة شتيرن التي ينتمون إليها.

زرع إسرائيل في جسدنا العربي مؤامرة، واجتياح العراق مؤامرة، واغتيال أبو عمار مؤامرة، والهدف النهائي هو إضعاف وتقسيم أمتنا التي حكمت العالم قروناً طويلة تمتع أثناءها أجدادنا بجنسية دولة عظمى تسيطر على نصف العالم القديم تقريباً.

ولكن هذا لا يمنعني من تحليل الواقع بأبجدياته وعوامله القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة، دون استسلام تواكلي بكائي لنظرية المؤامرة، مستوعباً فكرة الإدارة عن بُعد التي لطالما تم اقتيادنا لنقع في فخاخها دون وعي، و30 يونيو/حزيران خير مثال على ذلك.

فمصر في موضع القلب من جسد الأمة؛ لذا يظل إضعافها وإفقارها وهزيمة شعبها أولوية قصوى لمن صمموا هذا العالم ليكون بهذه البشاعة والقسوة والاضطهاد لكل ما هو عربي ومسلم، والسيسي أعلن مراراً غير عابئ بالإرادة الشعبية والمرارات التاريخية أنه كان على اتصال دائم بتشاك هيغل وزير الدفاع الأميركي السابق، أثناء ترتيبه التآمري لانقلابه الدامي، كما أعلن ببجاحة يحسد عليها أن تدميره لرفح المصرية لا لهدف إلا لتحقيق الأمن لإسرائيل.

السيسي يا سادة جاء لتنفيذ أجندتهم التي تهدف لتدمير ذلك الأمل الذي تراءى أمام ناظرينا يوم 25 يناير/كانون الثاني، ولا يمكن أبداً تصور أنه يحمل أجندة وطنية، بدليل قيامه بإخفاء مليارات الدولارات مُنحت له من الخليج سُميت إعلامياً بعد ظهور أحد تسريباته بـ"رز الخليج"، ولو ضُخت هذه المليارات السخية في الاقتصاد المصري ما احتاج إلى قرض صندوق النقد الذي اشترط تعويم الجنية، ورفع الدعم عن السلع، لا سيما المحروقات.

السيسي الذي يكره الواسطة بدليل تعيين شقيقه رئيس مجلس أمناء وحدة مكافحة غسل الأموال، ربما ليغض الطرف عن عمليات غسيل "رز الخليج" الذي نهب واختفى، لا يمكن تصديق أنه يتخذ الإجراءات الصعبة بشجاعة لوضع مصر على مسار إصلاح اقتصادي حقيقي، وليس أدل على ذلك من استحداثه أزمة مع المملكة العربية السعودية من شأنها تهديد وظائف مئات الآلاف من المصريين العاملين بها، وما أحوج الاقتصاد المصري اليوم إلى تحويلاتهم من العملات الصعبة التي كاد معينها ينضب من مصر.

فهل يمكن تصور أن السيسي الذي التقى وفداً من الانفصاليين البوليساريو المدعومين من الكيان الصهيوني، مستفزاً بذلك دولة المغرب التي ما زالت تحتفل بعرسها الديمقراطي، وأيضاً حلفاءها في الخليج الذين يرفضون بإصرار قيام دولة في الصحراء المغربية، هل يمكن أن يتصور أحد أن السيسي لا يدرك نتائج أفعاله الصبيانية الأشبه بكيد النساء، وتأثيرها التدميري على مصر؟

إن المتابع لإعلام السيسي الذي يُديره عباس بالريموت كونترول يدرك يقيناً أنهم قاموا بتسويق 11/11 "ثورة الغلابة" بأكثر مما سوّق لها الإعلام المقاوم لانقلابه، حتى سمع المصريون جميعهم بذلك اليوم والدعوات المبشرة به، والأمر أشبه بالدعوة التي ظهرت أيضاً في نوفمبر عام 2014، التي سميت بانتفاضة الشباب المسلم، الذي سينزل حاملاً للمصاحف، وكيف تم تخويف المصريين من ذلك اليوم، حتى بلغت القلوب الحناجر، ثم جاء اليوم باهتاً بلا حراك تقريباً.

وقبل أن تستعر الحيرة في نفوسنا، جاء حكم تبرئة مبارك في اليوم التالي مباشرة من تهمة قتل المتظاهرين لتكشف لنا سر ذلك اليوم الذي روج له الإعلام الانقلابي بخبث، ليستثمر فرحة المصريين بانقشاع غباره في تمرير براءة مبارك وقد نجحوا في ذلك تماماً، وبقيت الحسرة في قلوب أمهات الشهداء.

فما الذي يحاول السيسي تمريره هذه المرة؟

الأمر ليس سراً، ولا يحتاج إلى عبقرية في التحليل السياسي لسبر أغوار اللغز، فقط يكفيك أن تستمع إلى متنبئ النظام في إعلامه، الذي تم نقله للعمل في قناة غير مشفرة، في خطوة تكتيكية درسوها جيداً، والذي بات يصيح يومياً متوعداً المصريين بأيام سوداء قادمة، أيام صعبة، وبقسوة مفرطة سيواجهونها في حياتهم اليومية في القريب العاجل، وكأنهم اليوم في رفاهية ونعيم.

السيسي بحاجة إلى إصدار قرار بتعويم الجنية، ومن المتوقع أن يتخطى الدولار بعده حاجز العشرين جنيهاً، وهذا إن حدث في دولة تعد أكبر مستورد للقمح في العالم بعدما كانت سلة غلاله، فلا تحلم بعدها أن تجد رغيف الخبر أيها المصري بأقل من جنيه، وليس هذا فقط، بل السيسي يرغب في رفع الدعم عن سعر المحروقات، لترتفع أسعار البنزين والسولار من جديد، والذي من شأنه إحداث زيادة أخرى في الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة نقل السلع بين المحافظات، وإن سألت عن الغلابة حينها سيقولون لك إن الغلابة راضون يدعمون السيسي في قراراته الإصلاحية الصعبة، بدليل أن أحداً منهم لم يشارك في ثورتهم المزعومة!

إذن، السيسي يسعى للقضاء على أسطورة الغلابة، كما نجح في القضاء على أسطورة الشباب المسلم، بعد فشل انتفاضتهم المصنوعة مخابراتياً وإعلامياً، فذهبت ريحهم، وبعد ذهابها صار تخليص الدولة من هويتها الإسلامية روتيناً يومياً لا يخشى تبعاته أحد، ولا يلام فيه إعلامي أو فنان أو حتى مسؤول حكومي.

الكرة اليوم في ملعب الغلابة؛ لأن الدعوة ليوم 11/11 صارت واقعاً لا يمكن تجاوزه أو تهميشه، واقعاً فرض نفسه بمشرط جراح مُجرب، ومن المتوقع أن يتبنى الإعلام الانقلابي تصعيد التحذير منه في الأيام المقبلة، حتى تبلغ القلوب الحناجر مرة أخرى بالتبشير بسيناريوهات الفوضى، وانعدام الأمن، مع التذكير الدائم بحال الحبيبة سوريا وعراقنا العزيز، ظناً منهم أنهم سيتمكنون من احتواء الحراك المنتظر، كما تمكنوا من احتواء الغضبة التي أحدثها قرار التخلي عن تيران وصنافير يومي 15 و25 أبريل/نيسان الماضيين.

إذن - أيها الغلبان - لقد كتبت عليك الثورة، وعليك بالخيار: -

إما أن تنزل الشارع كما فُرض عليك في التاريخ المحدد لتجبر الجميع على احترام أناتك وعذاباتك لتصبح بعدها رقماً مهماً على موائد اجتماعات حكامك.

وإما أن تصمت للأبد، وتُسرق حتى النهاية، وتدفع وحدك كل الفواتير المطلوبة من هذا الوطن، في الوقت الذي تتمتع فيه العصابة بكل الرفاهية والامتيازات.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل