المحتوى الرئيسى

هل تريد تعلُّم شيءٍ ما بسهولة؟.. قد تكون "أساليب التعلُّم" هي الحل وإليكم أنواعها

10/17 01:02

عندما تجرِّب شيئاً جديداً، هل تتعلَّم أسهل بواسطة الرسوم البيانية، أم عبر إخبارك من قبل أحدهم بكيفية فعله، أم بتجربته بنفسك؟، ربما تغريك الإجابة بأنَّ ذلك كله يعتمد على طبيعة المهمة المعنية.

لا يغنيك تعلُّم القيادة بالكامل من كتابٍ أو من شخص جالس في المطبخ يحدِّثك عنها. بينما قد تعلِّمك مشاهدة شخص يزيِّن كعكةً التقنية التي قد يستغرقك تعلُّمها بالتجربة والخطأ وقتاً طويلاً. ولكن في العموم، ربما يكون لديك تفضيل ما للتعلُّم بطريقةٍ معينة، أو كما يقولون، أسلوب مفضَّل للتعلُّم.

على مدار السنوات، تطوَّرت مجموعات هائلة من الطرق المختلفة لتصنيف أساليب التعلُّم -العملي في مقابل النظري، والتفكير المحسوس في مقابل التفكير المجرد، والمنظِّم في مقابل الإبداعي- والكثير والكثير من الأساليب الأخرى. ووجدت دراسة أكثر من 30 تقسيمة من هذه التقسيمات.

وتُقدَّم للمدارس فرصة شراء العشرات من أدوات التقييم المختلفة. تصنِّف بعض أفضل هذه الأدوات الأطفال إلى بصريين، وسمعيين، وحسِّيي الحركة، أي يفضِّلون التعلُّم عبر المشاهدة أو الاستماع أو الفعل. اعتادت آلاف المدارس حول العالم تقييم أسلوب التعلُّم المفضَّل للطفل، ثم تدريسه وفق ذلك الأسلوب عند المقدرة.

تقول هذه الفكرة، التي تُدعى فرضية التعشيق (التراكب)، إنَّك إذا تعلَّمت بأسلوب يتراكب مع تفضيلاتك الشخصية، ستجد التعلُّم أسهل وبالتالي ستصبح أفضل.

هذه الفكرة رائجة إلى حدٍ كبير في المدارس. لقد سمعتُ حتى عن فصول دراسية يجلس فيها الأطفال مرتدين مرايل تحمل الحروف "V" (في إشارة إلى "بصري")، و"A" (في إشارة إلى "سمعي")، و"K" (في إشارة إلى حسّي حركي)، كي يعرف المعلِّمون بالتحديد أي طالب يفضِّل أي أسلوب.

للفكرة جاذبية بديهية. إذ يلاحظ كل معلِّم التنوُّع بين التلاميذ المختلفين فيما يتعلَّق باستيعاب فكرة جديدة، ويعرف تماماً مدى الصعوبة التي قد يضفيها ذلك على وظيفة التعليم. فمرحباً بأي شيء يمكنه تسهيلها.

والأكثر من ذلك أنَّ فرضية التشبيك تأتي بنوعٍ من التفاؤل. فهي لا تعترف فقط بأنَّنا جميعاً أفراد، ولكنَّها توحي ضمناً أيضاً بأنَّ بإمكاننا جميعاً أن نبلي حسناً إذا استطعنا اكتشاف طريقة التعلُّم التي تلائمنا أفضل من غيرها. نعرف أنَّنا جميعاً مختلفون، لذا لِمَ لا نسهِّل التعلُّم قليلاً عبر اللعب على نقاط قوتنا؟

ويبدو أنَّ المعلِّمين متفقون على ذلك. ففي عام 2014، أخذ بول هوارد جونز الأستاذ بجامعة بريستول عينةً من المعلِّمين في خمس دول، ووجد أنَّ نسبة الموافقين منهم على أنَّ الأطفال يتعلَّمون على نحوٍ أفضل إذا تعلَّموا وفق أسلوب التعلُّم المفضَّل لهم تتراوح بين 93% في المملكة المتحدة و97% في الصين وتركيا.

ولكن الحدس القائل بنجاح ممارسة أمر ما، والدليل أمر آخر.

هل التعليم وفق أسلوبك يحدث فرقاً؟

ليس السؤال هو ما إذا كانت أساليب التعلُّم موجودة بالفعل، وإنَّما ما إذا كان التعلُّم وفق أسلوبك المفضَّل يُحدِث فرقاً. إن كانت شخصاً بصرياً، هل تتعلَّم عندما ترى الصور أفضل ممَّا تتعلَّم عند تلقِّي تعليمات لفظية؟ هناك كتابات ضخمة عن هذا الأمر، والكثير والكثير من الدراسات المنشورة. ولكن بعضها صغير جداً ولا يُنشَر منها في المجلات المجازة علمياً (التي تخضع لمراجعة الأقران) سوى أقلية.

استغرقت مراجعة كبيرة للأبحاث عن أساليب التعلُّم 16 شهراً ونُشِرت عام 2004. حدَّد الباحثون 71 نموذجاً مختلفاً، وهو رقم مذهل، ثم حلَّلوا 13 أسلوباً منهم بالتفصيل. ولكنَّهم أصيبوا بالإحباط عند اكتشاف أنَّ المجال أكثر "شمولاً ومبهماً وتناقضاً وإثارة للجدل" ممَّا توقَّعوا.

واستنتجوا أنَّه بعد 30 عاماً من البحث، ما زال ليس هناك إجماع على الطريقة الأفضل لقياس أساليب التعلُّم، أو للتعليم وفقاً لها. وكانوا أحياناً يجدون دراسة تقول إنَّ التعليم وفق أسلوب التعلُّم قد أحدث فرقاً في النتائج، ولكنّهم انتقدوا قوة الكثير من هذه الأبحاث.

كي تتيقن من أن التعليم وفقاً لأساليب التعلُّم يؤتي ثماره، تتطلب الدراسة تحديد أساليب تعلم الطلاب، واستخدام تلك الأساليب بعد تقسيمهم إلى مجموعات عشوائية، قبل إعطائهم الاختبار نفسه، وفي النهاية، يجب التحقق من كون أولئك الذين حصلوا على التعليم بالأسلوب المفضل لهم قد تحسنوا أم لا، وكذلك التحقق من الذين حصلوا على التعلم بالأساوب الخاطئ، هل ساء وضعهم أم لا. إذا استطاعت النظرية الصمود، فإنه من الممكن إثبات هذا النوع من التفاعل.

عندما نشرت المراجعة الكبرى التالية في 2008، لاحظ الكتاب بعض الدراسات القليلة الرائعة في هذا المجال، فمن أفضل أربع دراسات قُدمت، كانت هناك ثلاث دراسات عن التراكب تشير إلى أنه ليس هناك اختلاف، في بعض الأحيان يتحسن أداء الأطفال عندما يتلقون التعليم وفقاً للأسلوب المفضل، لكن باقي أفراد المجموعة يتحسنون كذلك، مما يوحي بأن الأسلوب هو ما أحدث الفارق وليس مناسبته لكل فرد.

اكتشف الباحثون أن دراسة واحدة فقط تميزت بالمنهجية الدقيقة والنتائج الإيجابية، ولكن حتى في هذه الدراسة، كانوا يركزون على التكاليف المترتبة على ذلك، إذ إن تعليم كل فرد وفقاً للأسلوب الذي يفضله يتطلب تكلفة عالية جداً، كما أن المدرسة تريد أن ترى دليلاً على تطور كبير لعدد أكبر من الطلبة، فضلاً عن التحسن الإحصائي الملحوظ.

أبدت المراجعات التي تمت في 2008 امتعاضها بسبب ندرة الأدلة، وأصدرت دعوة مفتوحة للباحثين لملء تلك الفجوة، حتى إنها وصفت بدقة كيفية تصميم النوع المناسب من الدراسة، لذلك عندما نُشرت أحدث المراجعات لدراسات التراكب الخاصة بفريق آخر في 2015، كانوا شديدي الحرص على أن تلقى مناشداتهم للاهتمام، والجيد في الأمر ارتفاع عدد الدراسات التي تستخدم الطرق الموثوقة، إلا أن الدراسات الست التي بحثت ذلك النوع من التفاعل المذكور أعلاه، لم يتمكنوا من إيجاده.

على الرغم من ذلك، بدأ التقبل غير النقدي لمفهوم التراكب يتغير. فقد تحمّس مؤلفو الدراسة لوجود بعض الكتب الدراسية الخاصة بالمعلمين تذكر نقص الأدلة على فعالية التعليم باستخدام الأساليب المختلفة، ولكن خاب أملهم من اكتشافهم أن بعض المعلمين مازالوا يتبعون تلك الأساليب على أية حال.

لكن ثمة دراسة واحدة مثيرة للاهتمام، إذ سُمح للأطفال بالذهاب إلى الاستكشاف في مكان مفتوح، كالذهاب في رحلات السفاري، والتقاط الصور، وتكوين مجموعات حوارية، ورصد تلك التحركات من خلال نظام التتبع GPS، وقد تمكنت الدراسة من تحديد أساليب تعلم الأطفال في البداية، إذ تكيف العديد من الأطفال وفق نوع معين من الأسلوب.

أمضى المتعلمون وفق طريقة التعلم الحسي والحركي " kinaesthetic" معظم وقتهم في اللعب في الهواء الطلق، وقد التقط المتعلمون البصريون العديد من الصور للعديد من المناظر الخلابة، أما المتعلمون السمعيون، فقد تحدثوا أكثر من غيرهم أثناء إجراء المناقشات، في حين لم يحدد الباحثون ما إذا ساعدهم ذلك على التعلم أم لا، ولكن في النهاية، ثمة دليل أن أساليبنا المفضلة للتعلم لها على الأقل تأثير على طريقة تعاملنا في الحياة العملية.

ولكن لماذا لا يترتب على التراكب تغيرات يمكن اختبار نتائجها، في حين نشعر أنه ينبغي أن يحدث فرقاً؟

أنظمة المخ لا تعمل بمعزل عن بعضها

يجب أن نتذكر أن حواسنا لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، فالقراءة أكثر من مجرد عملية بصرية، إذ تقوم عدة مناطق في المخ بتخيل المشهد الذي نقرأه في الكتاب، ومن ثم تعكسه على خبراتنا الشخصية، فأنظمة المخ لا تعمل بمعزل عن بعضها البعض، فحتى عندما نستمع لشيء بإنصات شديد، لا يتوقف جهازنا البصري تماماً.

ليس من الإنصاف أن نجزم بزيف أساليب التعلم، إذ يقول مؤلفو مراجعات 2015 "ليس بشكل كامل"، فهناك عدد قليل جداً من الدراسات التي أثبتت صعوبة إرشاد المعلمين عن ما ينبغي القيام به، ولكن بالنظر إلى أفضل الأدلة حتى الآن، لم يَثبُت بما لا يدع مجالاً للشك، أن التدريس وفقاً لأساليب التعلم يؤدي إلى التحسن.

ربما يفضل المدرسون اتباع تلك الأساليب، حتى إن كان ثمة فرصة ضئيلة للاستفادة منها، فليس من المهم تجاهل عدم كفاية الأدلة، إلا أن المشكلة التي سلطت عليها مراجعات 2004 الضوء، أن التدريس وفقاً لهذه الأساليب، قد يسبب التراجع في أداء الطلاب، فمحاولة الاستفادة من نقاط القوة في تلك الأساليب قد تبدو فكرة جيدة، لكن يجب أن نكون قادرين على التعليم بكافة الطرق المتاحة بالأخص في مرحلة سن البلوغ، لذلك يُعتقد أنه من الأجدى على المدى الطويل، التدريب على استخدام الحواس التي لا يبدو أنّها تخدمنا جيداً.

ثمة خطر آخر يكمن في تصنيف الطلاب وفقاً لتفضيلاتهم بما يضعهم في أنماط محددة، فقد يستبعد المجهود والمثابرة الأكاديمية للطالب مقابل إعطاء الأفضلية للتعلم الحسي والحركي " kinaesthetic"، فقد يتجاهل بعض الطلاب المصاعب التي يواجهونها بدلاً من دراستها ومتابعتها، مما قد ينتهي بالطالب إلى تنميط نفسه.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل