المآسى التى تنتظر أهلنا فى الموصل

فى الوقت الذى تتوالى فيه الأنباء المرعبة عن قحط ومعاناة إنسانية تصيب أهلنا من مواطنى الموصل (الحدباء)، تطفو على السطح مختلف «السيناريوهات» التى قد تحدث هناك مسببة فظائع، قد تأتى متوازية مع إعلانات مختلف الفرقاء عن قرب بداية معارك «تحرير الموصل».

إن غاية ما يخشاه المرء الحذق هو أن تتحول ساحة حرب الموصل إلى مجموعة من معارك تصفية حسابات، ليس ضد تنظيم «داعش» الإرهابى، ولكن بين الأطراف الذاهبة إلى هناك بدعوى «تحرير» الموصل. ودليل ما أذهب إليه فى هذا السياق هو ما لا يمكن تجاوزه من عداء بين القوات التركية، التى أطلق البرلمان التركى أيديها للتواجد وللعمليات العسكرية فى إقليم الموصل بتبرير الحفاظ على الأمن القومى التركى، وبين القوات الكردية المحلية المعروفة بـ«البشمرجة».

ليس فهم أبعاد هذا العداء ببعيد المنال: فالدولة التركية لا تسمح قط بتأسيس كيان كردى على حدودها الجنوبية والجنوبية الشرقية حتى وإن كان محدودا فى العراق، خشية تمدد هذا الكيان إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية بتركيا على تلك الحدود، ولا تقل الجمهورية الإسلامية الإيرانية رفضا لهذا الكيان. أما الجماعات الكردية، من الناحية المقابلة، فهى لا تقل عداء للدولة التركية، نظرا لأنها تعد أنقرة العقبة الكأداء رقم واحد على طريق تأسيس كيان قومى كردى مستقل. وهذا ما يمكن أن يجعل من الارتطام بين الفريقين بدرجة من العنف والانتقامية أنه سيؤذى مواطنى الموصل بوصفهم الضحية النهائية فى أى صراع يخص مدينتهم وإقليمها الغنى.

ومن منظور ثانٍ، تخشى القوات العراقية الرسمية، متحالفة مع الحشد الشعبى، من تطلع القوات الكردية إلى «تحرير» الموصل على طريق ضمها لإقليم كردستان الذى يتوسع منذ سنة 2003 على نحو مطرد دون أى رادع جاد.

هذا ما يزيد احتمالات الارتطام بين القوات الحكومية العراقية المركزية من ناحية، والقوات الكردية «البشمرجة» من الناحية الثانية، فيكون أهلنا فى الموصل، الضحية المؤكدة، ثانية.

والحق أقول، فإن هذا ما حدث فى التاريخ القريب، وأعنى عام 1959، إذ أيد بعض السياسيين الموصليين انقلابا عسكريا ضد الزعيم عبدالكريم قاسم فى بغداد آنذاك، فقام الشيوعيون العراقيون والسوريون الذين كانوا يؤيدون قيادة قاسم بمهاجمة سكان الموصل فبطشوا بهم بجريرة هؤلاء الذين أيدوا الانقلاب الذى عرف باسم مدبره «الشواف». وراح العشرات من الأبرياء ضحايا.