المحتوى الرئيسى

أزهرنا الذي يصارع النسيان

10/16 15:15

قُم في فَمِ الدُنيا وَحَيِّ الأزهرا ** وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجوهرا

وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّماً ** لِمَساجِدِ اللَهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا

وَاِخشَع مَلِيّاً وَاِقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ ** طَلَعوا بِهِ زُهراً وَماجوا أَبحُرا

كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً ** وَأَعَزَّ سُلطاناً وَأَفخَمَ مَظهَرا

سقى الله هذه الأيام التي انتفض فيها أمير الشعراء "أحمد شوقي" دفاعاً عن الأزهر، حين صوب سهام نقده إلى الذين نالوا من مكانة الأزهر ورسالته ودوره لمجرد أنه رجعي قديم، وقد أحسن الله إلى شوقي؛ حيث غادرنا ولم يرَ ما آل إليه حال الأزهر والأزاهرة.

خرج علينا بالأمس القريب مقطع "فيديو" لعلماء من الأزهر الشريف في ضيافة بعض علماء السنغال، وقد قام علماء السنغال بتقريع الأزاهرة، ووجهوا لهم نقداً لاذعاً لموقف الأزهر لما جرى في مصر من أحداث بعد 30 يونيو/حزيران 2013، قابله صمت مطبق للأزاهرة فلم يعقّبوا على هجوم علماء السنغال ببنت شفة، بل استسلموا للهجوم استسلام الميت للمغسّل.

وسواء أن هذا المقطع له أكثر من عام، وتم استدعاؤه إلى سطح الذاكرة هذه الأيام، وهذا في الحقيقة لا يغير من الأمر شيئاً، فما حدث لعلماء الأزهر في السنغال لحدث جلل، وواقعة تجعل الأعمى يسترد بصره.

لو جرى ما جرى في بلد كنيجيريا، أو موريتانيا، أو مالي، أو غيرها من البلدان التي ينتشر بها جماعات الإسلام الحركي ذات النفوذ الكبير -الإخوان المسلمون، والسلفية الجهادية- لكان أمراً مفهوماً ونستطيع أن نسوق له الكثير من المبررات، ولكن وجه العجب أنه حدث في السنغال، وأنه لأمر لو تعلمون عظيم.

فالسنغال وهي دولة علمانية ابتداء تعد معقلاً للصوفية بمختلف مدارسها في إفريقيا، وتلعب المدارس الصوفية السنغالية أدواراً تتجاوز الأبعاد الدينية والروحية، فلها حضورها الكبير في حقل السياسة، ولا يخفى على أحد علاقة الأزهر بالصوفية منذ زمن كبير، واستئثار الصوفية بالمناصب الدينية في مصر لا تخطئه عين المتابعين، لأجل هذا فإن ما جرى في السنغال لحدث جد خطير، ولأمر له ما بعده.

فبسبب ما حدث في السنغال، وبسبب أحداث كثيرة سابقة يطرأ على أذهاننا سؤال، وبما أن الأسئلة الخاطئة تولد إجابات خاطئة، فليس من الوجاهة أن نعيد السؤال الذي دأب عليه الناس وهو: هل تراجع دور الأزهر وتأثيره؟

فهذا السؤال فقد وجاهته، وما هو إلا وسيلة من وسائل تخريب بوصلة الحقيقة، فسؤال التراجع والتأثير تمت الإجابة عنه منذ أكثر من مائتي عام، وبالتحديد منذ تأسيس الدولة الحديثة على يد "محمد علي باشا"، فقد تم خنق الأزهر وتهميشه في إطار سياسة محمد علي للقضاء على أصحاب النفوذ، والتأثير، الذين يقفون حجر عثرة أمام طموحات "محمد علي"، وأطماعه التوسعية.

وتم تثبيت هذا التراجع وتقنينه على يد" جمال عبد الناصر"، الذي أصدر قانون "63"، والتي كانت من قراراته المشؤومة، جعل منصب شيخ الأزهر بالتعيين وليس بالانتخاب، وفصل الأزهر عن الأوقاف، وعن الفتوى، ففقد الأزهر بهذا كل شيء حتى استقلاله الشكلي، والذي كان يتمتع به في عصر أولاد محمد علي، لأجل هذا أصبح السؤال عن تراجع دور الأزهر وتأثيره ضرباً من التضليل، وعلينا التوقف عن هذا السؤال حتى لا نكون كجن سليمان، فنظن أن الأزهر موجود، ولكنه يعاني التراجع والتهميش، فالحقيقة والواقع أكثر مرارة، وأشد بؤساً.

ولكن السؤال الآن الأكثر وجاهة وصدقاً هو: هل أصبح الأزهر مؤسسة عديمة التأثير داخلياً وخارجياً؟ أو هل أضحى الأزهر كشجرة عقور لا ظل ولا زهر ولا ثمر؟ أو هل أمسى الأزهر كعملة أهل الكهف بلا قيمة؟

يستبد بنا أسف شديد ونحن نوقن بيننا وبين أنفسنا بأنه "نعم"، فالأزهر ودوره وتأثيره أصبح جزءاً من الماضي العتيق، ولا داعي لدفن رؤوسنا في الرمال، فلا ينجي القناع الهاربين.

فمن الناحية الداخلية لم يصبح للأزهر أي تأثير، لا على النظام، ولا على معارضيه، فالنظام وعلى الرغم من تأييد الأزهر له في كل خطوة يخطوها، يرى أن الأزهر مؤسسة رجعية ظلامية، تساهم بشكل كبير في تعبيد الطريق للجماعات والأحزاب الإسلامية التي ينعتها النظام وحلفاؤه بـ"الإرهابية"، فالنظام والتيارات المتحالفة معه يرون أن مناهج الأزهر تعتمد بشكل كبير على العلوم الأصولية، وهي نصوص تعمل على تفريخ الإرهاب، على حد وصف النظام وحلفائه، ويرى معارضو النظام أن الأزهر يقوم بدور المحلل لبطش النظام وأجهزته.

لأجل هذا وجد الأزهر نفسه بين شقي الرحى، مما دفعه إلى السير في عمق الحائط، ولم يجرؤ حتى على السير بجانبه، فالأزهر الآن لا يعاني من التهميش والتراجع بل صار مهدداً بالنسيان.

يحدثنا التاريخ أن الناس في بر مصر إذا ألمت بهم لائمة، ولّوا وجوههم شطر الأزهر، طالبين المشورة والنجدة، أما الآن فغير، بل لم يعد اسم الأزهر يتردد على كثير من ألسن الناس بالخير أو بالشر، فهو إلى النسيان أقرب منه إلى الذكر، فالوضع أصبح أكثر شؤماً، وشبح النسيان يخيم على الجامع العتيق.

أما على الصعيد الخارجي فالوضع أكثر قتامة، وما جرى في السنغال، معقل النفوذ الصوفي، وفي منطقة من أكثر معاقل الأزهر نفوذاً لخير دليل على ما آل إليه حال أزهرنا، فمصيبتنا في أزهرنا كبيرة، فليس هناك أقسى من مجد تستعيد ذكراه وأنت في القاع، وحالنا ليس أحسن من حال المهلهل بن ربيعة عندما رثى حاله قائلاً:

يا لهف نفسي من زمان فاجع ** ألقى علي بكلكل وجران

بمصيبة لا تستقال جليلة ** غلبت عزاء القوم والنسيان

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل