المحتوى الرئيسى

الحوار السوداني.. حالة احتفالية فريدة

10/16 14:12

حشدت الخرطوم كل طاقاتها المادية والإعلامية للإعلان عن توصيات مؤتمر الحوار الوطني، مما خلق حالة احتفالية غير مسبوقة بحضور أربعة رؤساء دول وقائمة طويلة لممثلي عدد من الدول الأخرى والمنظمات الإقليمية الاثنين الماضي.

وقد حضر الرئيس عمر البشير -في اليوم الأول- التوصيات الختامية للحوار، وأُعلن أنه تم التوافق عليها بنسبة 100%، وبعد أكثر من عامين من الشد والجذب وقع ممثلو الأحزاب وبعض الحركات المسلحة على 993 توصية في ختام المؤتمر الذي كان قد أطلقه البشير في 27 يناير/كانون الثاني 2014، وتناولت التوصيات ملفات الهوية والحريات والحقوق الأساسية والسلام والوحدة والاقتصاد والعلاقات الخارجية وقضايا الحكم والحوار. بيد أن هذه الوثيقة لن تكون لها أي قيمة قانونية أو دستورية إلا إذا تحولت إلى تشريعات وقرارات واضحة لا لبس فيها.

وفي اليوم الثاني حضر الاحتفال الرئيسي أربعة رؤساء هم الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الرئيس الحإلى لجامعة الدول العربية، والرئيس التشادي إدريس دبي الرئيس الحإلى للاتحاد الأفريقي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الأوغندي يوري موسيفني. وصاحب ذلك تغطية إعلامية ضخمة في أكثر من 12 قمرا اصطناعيا على قنوات شبكة تلفزيون السودان والباقة الموحدة لقنوات اتحاد إذاعات الدول العربية عبر نظام المينوس.

وخلال أكثر من عامين قضى المتحاورون السودانيون الذين مثلوا 90 حزبا، و34 حركة مسلحة، و75 شخصية قومية، نحو 1154 ساعة.

لا شك أن مخرجات الحوار الوطني التي أعلن عنها لا غبار عليها شكلا ومضمونا، ولا يمكن لعاقل أن يرفضها فقد جاءت شاملة لكل قضايا الحكم؛ بيد أن هناك من يرى أن المؤتمر الوطني الحاكم برئاسة البشير استطاع أن يحافظ على تفوقه السلطوي. ويصف البعض ما تم التوصل إليه بالعسل الذي وضع فيه السّم بعناية فائقة. فالأحزاب والتنظيمات السياسية المختلفة المشاركة في الحوار تغاضت في خضم لهفتها لنيل حظ من كيكة السلطة في حكومة ما بعد الحوار الوطني، عن الكثير من التوصيات التي تكرس وتبقي على هيمنة المؤتمر الوطني الحاكم.

ففي المحور الدستور على سبيل المثال تمت التوصية على الإبقاء على دستور 2005 المُعدّل وتشكل على هداه حكومة الوفاق الوطنى التي تُشكل بعد الحوار مباشرة. وأستبقت الحكومة نتائج الحوار قبيل انتخابات 2015 بتعديلات دستورية لدستور 2005 كرست السلطات في يد الرئيس ولم تعبأ الحكومة باعتراضات أعضاء مؤتمر الحوار.

كما جاء في توصيات الحوار الإبقاء على المجلس الوطني الحالي (البرلمان) بعد إجراء بعض التعديلات التي لن تخل بالأغلبية الميكانيكية لحزب المؤتمر الوطني، وقد جاء هذا البرلمان نتيجة لانتخابات أبريل/نيسان 2015 وهي انتخابات رفض المؤتمر الوطني تأجيلها انتظارا لمخرجات الحوار الذي بدأ في يناير/كانون الثاني. ويستتبع ذلك الإبقاء على مجالس تشريعية بالولايات على نسق البرلمان الاتحادي.

وتضمنت توصيات مؤتمر الحوار إنشاء منصب رئيس وزراء، وأبدى المؤتمر الوطني ممانعة في البداية لكنه وافق لاحقا ممتنا بأنه قدم تنازلا مهما. لكن في ذات الوقت تم تحجيم منصب رئيس الوزراء ليغدو منصبا تنفيذيا بحتا.

كما تضمنت مخرجات الحوار أن تدير البلاد عقب الحوار الوطني حكومة وفاق وطني برئاسة البشير ومن قوى الحوار وخارجه بالتوافق السياسي. واتفق على أن يكون أجل الحكومة فترة انتقالية مدتها 4 سنوات اعتبارا من بداية تشكيلها خلال ثلاثة شهور من إجازة التوصيات.

وفيما يتعلق بجهاز الأمن والمخابرات الوطني فقد اعترض المؤتمر الوطني وأحزاب موالية له على اقتراح بأن تقتصر مهمة الجهاز فقط على جمع المعلومات وتحليلها وتبويبها وتقديمها للأجهزة المختصة وفق قانون جديد، وقانون الجهاز الذي تشتكي منه المعارضة، الذي يمس ممارسة الحريات العامة. في ذات الوقت تم الإبقاء على تبعية الجهاز لرئاسة الجمهورية وعدم إخضاعه للمساءلة أمام البرلمان.

معطيات داخلية وخارجية كثيرة تمكنت الخرطوم من استثمارها في خضم أجواء الحوار مما عضد الأجواء الاحتفالية التي حرصت على إظهارها؛ فإلى حد كبير مال الميزان العسكري في الحرب الأهلية في دارفور لصالح الحكومة. الحركات المسلحة المتمردة من جانبها وكذلك القوى السياسية وصلت إلى حالة يأس من سقوط النظام الذي بدا مسيطرا بشكل كبير على جميع مفاصل الدولة، وغدا نظاما عميقا يصعب إسقاطه أو تفكيكه بعد حكم دام 27عاما. فضلا عن أن تدهور أوضاع دولة جنوب السودان انعكس سلبا على الحركة الشعبية (قطاع شمال) أكثر الحركات المسلحة تأثيرا.

من جهة أخرى فإن قوى دولية مؤثرة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استجدت لديها أولويات، مثل وقف الهجرة غير الشرعية ومحاربة الإرهاب، الأمر الذي أتاح الفرصة للتفاهم مع نظم حكم عزلتها حينا من الدهر مثل النظام في السودان. كذلك هيئت مشاركة الخرطوم في عاصفة الحزم فرصا مواتية لتدفق الدعم الخليجي والتخفيف من غلواء آثار الأزمة الاقتصادية الخانقة.

لقد بدأ الحديث عن الحوار والإصلاح المؤسسي في السودان في أعقاب مظاهرات احتجاجية في سبتمبر/أيلول 2013، قتل فيها حوالى مئتي شخص، وسبقت تلك الاحتجاجات محاولة انقلابية فاشلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012. فهل ينجح مؤتمر الحوار في إزالة الاحتقان الشعبي حتى لو استرضى الأحزاب المصطفة لأخذ نصيب من السلطة؟ فالمشكلة الرئيسية هي القضية الاقتصادية التي تسبب فيها فشل سياسي مزمن ومتواتر تسأل عنه كل القوى السياسية مدنية ومسلحة، معارضة وحكومة.

هناك قناعة متجذرة بأن محرجات الحوار الوطني قد حافظت أو ربما عززت مكتسبات حزب المؤتمر الوطني بزعامة البشير، حيث حافظت على سلطات الرئيس المطلقة وعلى جهاز الأمن بتركيبته ودوره وقانونه، وإن كان هناك من تنازل فيمكن ملاحظته في توصية إقرار دستور ينبع ويعبر عن إرادة الشعب، واعتماد ممارسة الشورى والديمقراطية منهجا للحكم.

فتقديم إرادة الشعب وإقرار تقديم الديمقراطية الليبرالية جاء على حساب أولوية الشريعة الإسلامية في الدستور وربما يتبع ذلك تعديل بعض القوانين. فالمؤتمر الوطني لا يمكن أن يتنازل عن سلطاته في حين يمكن أن يقدم تنازلا في شأن الشريعة الإسلامية التي بنى عليها شرعيته منذ أن جاء للسلطة في يونيو/حزيران 1989.

ومع أنه ليس من المتوقع أن تؤيد واشنطن الخرطوم تأييدا مطلقا في خطواتها، لكن المتحدث باسم الخارجية الأميركية قال إن بلاده تراقب رغبة حكومة في الحوار الذي اعتبرته حوارا أوليا، أي أنها اعتبرت ما تم التوصل إليه حوارا بين الحكومة والقوى المتحالفة معها، على أن يكون هناك حوارا شاملا يضم الحكومة والمعارضة التي اعتزلت المشاركة.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل