المحتوى الرئيسى

استدعاء التاريخ | المصري اليوم

10/15 23:19

استعادة التاريخ أمر مهم للغاية، خاصة بالنسبة للأمم والشعوب الحية التى تسعى دومًا لتصويب أخطائها ومراجعة مواقفها وتحسين أدائها.. وكما هو مهم للأمم والشعوب، هو أيضًا مهم للأحزاب والجماعات والأفراد.. لقد تناولت تجربة الإخوان فى الحكم عدة مرات، وأنا هنا أعيد التذكير بها لما لذلك من أهمية قد تعود بالفائدة على المجتمع المصرى من ناحية، وعلى الإخوان أنفسهم فى شتى البقاع من ناحية أخرى.. تجربة الإخوان فى الحكم- رغم قصرها- لم تكن ناجحة بحال.. كان طموحهم زائدًا عن الحد، ويفوق بكثير قدراتهم وكفاءاتهم لإدارة دولة فى حجم ووزن مصر.. ظنوا أن إدارة دولة، بكل ما فيها من تباينات واختلافات واختلالات وإرث خرب، كإدارة جماعة، وشتان شتان بين هذه وتلك، الأمر الذى يدل على غياب الرؤية الصحيحة، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً.. لقد كان فقدان المنهجية العلمية فى التخطيط، والإدارة، والمتابعة حاديهم إلى الفشل.. وقد تصور الشعب أن الإخوان سيعوضونه عن سنوات المعاناة الطويلة التى عاشها، لكنه فوجئ بما لم يكن فى التصور ولا فى الحسبان، خاصة بعد ثورة تطلّع فيها إلى تحقيق أحلامه فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. لكن- للأسف- لم يختلف الإخوان عمن سبقوهم.. وعدوا فأخلفوا.. وبدلًا من الاستعانة بأصحاب الخبرة والتجربة فى كل مجال وميدان، زيّن لهم غرورهم أنهم قادرون على القيام بالمهمة كاملة.. كان المفترض أن يتدرجوا فى تحمل المسؤولية.. من إدارة حى، إلى محافظة، فوزارة معينة، ثم حكومة، وهكذا.. لكن أن يتم القفز مباشرة إلى رئاسة الدولة فهذه كانت الكارثة.. ولأنى كنت أعلم مكامن الضعف داخل الإخوان، فضلًا عن الوضع العام، فقد اعتبرت إقدامهم على خطوة الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية خطاً استراتيجياً قاتلاً، سوف يكلف الجماعة والوطن غالياً.. لقد أداروا الدولة بأسلوب التنظيم السرى(!)، فمؤسسات الدولة العادية لا تعلم شيئاً.. ويكفى أن يقال إن المستشار محمود مكى، وهو نائب رئيس الجمهورية الوحيد، ورجل القانون، لم يعلم بقصة الإعلان الدستورى الكارثى الذى أصدره، أو أمر بإصداره، محمد مرسى، إلا بعد صدوره.. فهل هذا معقول؟!.. إن الرئيس المعزول لم يكن سوى ظل أو صدى لمكتب إرشاد الجماعة، صاحب القرار الفعلى فى كل شيء.. وخلال ذلك العام البائس لم نر عدالة اجتماعية، ولا عدالة انتقالية، ولا قصاصاً لحق الشهداء.. وعانى المجتمع المصرى من التشرذم والانقسام والعنف، وكان على شفا حرب أهلية، وهو ما دفع قطاعاً كبيراً من الشعب المصرى للثورة عليهم فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وكانت استجابة القوات المسلحة لإرادة الشعب الثائر والإطاحة بحكمهم فى ٣ يوليو ٢٠١٣، عاصمًا من هذه الحرب من ناحية، وحفاظًا على أركان الدولة من التدهور والانهيار من ناحية أخرى.. لقد كانت أمامهم فرص كثيرة للحل والعودة إلى الشعب عبر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكنهم- للأسف- أضاعوا كل الفرص المتاحة.. وقد لاحت أمامهم أيضا فرص كبيرة على مدى ٤٨ يوما أثناء اعتصامى رابعة والنهضة، إلا أنهم غضوا الطرف عنها وفضلوا طريق العنف والدم والصدام مع مؤسسات الدولة.. لقد قدم الإخوان فى مصر نموذجاً سيئاً ورديئاً للحكم.. ومن المؤكد أن هذه التجربة سوف تظل محفورة فى ذاكرة ووعى المصريين على مدى عقود طويلة.. كانت هى التجربة الأولى للإخوان، وربما تكون الأخيرة.. فى تصورى سوف تمضى سنوات- وربما عقود- حتى يعود الإخوان إلى المجتمع المصرى مرة أخرى، لكن بعد مراجعة فكرهم ومواقفهم، وقبل ذلك وبعده اعترافهم بأخطائهم ومن ثم اعتذارهم للشعب المصرى.. حينذاك، وحينذاك فقط، يمكن أن يكون هناك قبول، لكن بشكل مختلف تماماً عن ذى قبل.. أعلم أن هذا الأمر صعب عليهم، لكنه يحتاج إلى شجاعة من نوع خاص.. شجاعة مواجهة النفس والانتصار عليها، وبغير ذلك سوف يظل الحال على ما هو عليه.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل