المحتوى الرئيسى

زيد الطيار يكتب: يوميات موصلي محاصر | ساسة بوست

10/15 22:09

منذ 14 دقيقة، 15 أكتوبر,2016

هكذا مر أكثر من عامين على سيطرة «تنظيم الدولة» على مدينة الموصل، فمنذ العاشر من يونيو (حزيران) 2014 بعدما ترك جيش حكومة بغداد المدينة، وسلمها لعناصر التنظيم دون مقاومة، وكأن الاثنين متفقان على ذلك.

كما هو معروف أن مدينة الموصل التي يتجاوز سكانها الثلاثة ملايين، حيث إنها ثاني أكبر مدينة من حيث السكان، فهي تعتبر عراقًا مصغرًا، ففيها العربي والكردي والسني والشيعي والتركماني والإيزيدي والمسيحي، لكن الغالبية هم من العرب السُنّة.

منذ ذلك اليوم بدأت معاناة المواطن الموصلي، والذي كان أصلًا يعاني منها سابقًا، من بطش الجيش الذي ضيّق الخناق على أهلها، وبعدها سلمها؛ لتستمر المعاناة.

كان الرعب والذهول يسيطر على أهالي المدينة، فخلال ساعات ينامون، ويستيقظون؛ فيرون أناسًا جددًا يحكمون المدينة. ففي بادئ الأمر لم تظهر الصورة واضحة لدى المواطن الموصلي، ولربما استبشر خيرًا، ليس لشيء، بل للخلاص من ظلم الجيش الذي جعل من المدينة ثكنة عسكرية، وأغلق معظم طرقها الحيوية بحجة الهجمات الإرهابية.

مضت الأيام وازدادت التساؤلات حول هوية الداخلين للمدينة، بعدها أفاق المواطن الموصلي على مجموعة قرارات غيرت مجرى حياة المدينة.

هنا ظهرت الهوية الحقيقية، حاول الكثير من أهل المدينة الخروج، وفعلًا خرج عدد منهم، فمنهم من خرج إلى بغداد أو كردستان أو تركيا.

هنا قام عناصر التنظيم بتهدئة الشارع وطمأنتهم بأننا سنكون عونًا لكم ضد من ظلمكم، وكانت معاملتهم على مستوى عامة الناس جيدة، لكنها سرعان ما تغيرت بقرارات كثيرة، هنا الكثير من أهالي المدينة أرادوا الخروج، لكن عناصر التنظيم أوعزت بأنها سوف تصادر منازل وممتلكات من يخرج.

بما أن عدد السكان كبير فمن المستحيل أن يستطيع الجميع الخروج، وحتى إن خرجوا، فلا بغداد تستوعب هذا العدد، ولا كردستان أيضًا.

وبالنسبة للحكومة العراقية، فقد استمرت بإعطاء رواتب الموظفين الذين كانوا داخل المدينة، وهذا الأمر الذي منع الكثير من السكان من الخروج، وأيضًا هناك ممن كان قد خرج عاد إلى المدينة خوفًا على ممتلكاته.

بعدها قطعت الرواتب على الموظفين، وكما هو معرف أن المدينة مصدر رزقها الرئيس هو رواتب الموظفين، وفي هذه الأثناء أغلقت الطرق، ومنع عناصر التنظيم الناس من الخروج، وقام بسجن كل من يحاول السفر، وغرامته، وهكذا استمرت الحال إلى أن تفاقمت الأوضاع، وبالتزامن مع تدخل قوات التحالف وقصفها للمدينة فبدأوا بقصف الدوائر الحكومية التي كانت مقرات للتنظيم، وبعدها أصبح القصف على المنازل المصادرة بحجة أن فيها قياديين، وعادة ما يقصف المنزل، وجاره المدني، ويقتل المدنيين، فتباد عوائل بأكملها وينهار البيت على رؤوسهم، واستمر هذا القصف إلى يومنا هذا.

ازدات الأوضاع الإنسانية والأمنية والاقتصادية سوءًا، وازدادت محاصرة المدينة، ومن تشديدات وقوانين لعناصر التنظيم على حياة المواطن البسيط، فأصبح يفكر رب الأسرة كيف سيطعم عائلته؟ وكيف سيحميها؟ وكيف وكيف… إلخ.

لم يكن هذا فحسب، بل تعدى ذلك؛ فأصبح سكان المحافظات الوسطى والجنوبية والشمالية يطلقون على أهل المدينة بأن جميعهم إرهابيون، حتى المدنيين منهم؛ بحجة أنهم لم يخرجوا، وحتى إذا خرجوا، فلربما يتعرضون للاعتقال أو الخطف على أيدي المليشيات.

فعند خروجك من بيتك صباحًا لا تعلم هل ستعود إلى أسرتك أم لا؟ وهل إذا عدت ستجد منزلك أم لا؟ وهل تضمن انك لا تتعرض للاعتقال أم لا؟ وإذا تعرضت للاعتقال، فلا أحد يعلم مكانك، وإن أردت أن تسأل عن ابنٍ لك؛ فاذهب إلى الطب العدلي، لكن هل سترى جثته أم لا؟ وإذا سألت في مقرات الاعتقال، فسيقال لك بكل هدوء «شسوي بأبنك روح أنسى عندك ولد».

كل هذه المعاناة أصبح يعيشها الموصلي فمن هو خارج ألمدينه يتهمه بالإرهاب وعناصر التنظيم يتهموه بالتواطئ والهروب من الجهاد ومداهنة الكفار حسب تعبيرهم.

أذكر أحد الأشخاص خرج من بيته صباحًا إلى صيدليته، فلم تمر ساعة على خروجه، وإذ بصاروخ يستهدف البيت المجاور له، والذي كان تابعًا للتنظيم، فهدم البيت المقصود، وبيت الصيدلاني، وماتت عائلته المكونة من أم حامل، وطفلين، والبيت أصبح ركامًا.

أذكر أنني شاهدت الكثير من البيوت تصادر، ومحتوياتها تصادر، وحتى رأيت أحد العناصر، وكان أوروبيًا، حسب توقعي، وقد استولى على أحد البيوت، وأخرج صور العائلة، ورماها على باب المنزل، فقام الجيران بأخذ الصور، والاحتفاظ بها، أو أحرقها؛ كي لا تصل إلى أياد غريبة.

هذه هي الحياة داخل المدينة.

أغلقت الطرق شيئًا فشيئًا، وقلت المواد الغذائية، والأدوية الداخلة للمدينة؛ حتى تضاعف سعرها؛ بسبب طول الطريق، ومرت الأيام والأشهر، ومر عام وعامان، وها نحن ندخل عامنا الثالث ومستقبل طلاب الموصل المحاصرين قد ذهب، فلا أحد يفكر فيهم من حكومة بغداد.

ليس هذا فحسب، بل إنك تسير في المدينة، وترى البنية التحتية للمدينة قد انهارت، فلم يعد هناك دائرة حكومية، إلا وقد نالها القصف ناهيك على تفجير المساجد والمعالم الأثرية. فقد فقدت المدينة الكثير من بنيتها التحية، والتي تحتاج إلى سنوات؛ لكي تعاد من جديد، وليس هذا فحسب، بل نحتاج إلى فترة طويلة؛ لكي يرجع المواطن إلى صوابه بعدما حدث له.

إضافة لذلك تمشي في الأسواق، وترى الكثير من حالات الإعدام لابناء المدينة بتهم متعددة.

كل هذه الأمور عاشها ويعيشها المواطن الموصلي فهو بين مطرقة عناصر التنظيم من جهة وسندان التحالف والقوات القادمة المجهولة الهوية من جهة أخرى.

وإذا ما جئنا إلى القوات التي ستدخل أيضًا تجد المواطن الموصلي يفكر، فيقف رب الأسرة ويقول لدي شباب وبنات أخاف عليهم من بطش الداخلين، فمنهم حاقدون وطالبون لثأر لم يقترفه هؤلاء الشباب العزل، كل جريمتهم أنهم ناموا واستيقظوا وقد بيعت مدينتهم، وها هي القوات التي باعتها عادت من جديد لكي تأخذ بثأرها.

من يأخذ ثأره مِنْ مَنْ؟

يتساءل الكثير من أهالي المدينة في الداخل عن هوية الداخلين، ومن سيحكم المدينة، هنا نقف قليلًا، ونحن على يقين بأن المدينة كان بالإمكان أن تحرر خلال الأشهر الأولى، لكن هناك مخطط كبير يدور لتقسيم المدينة، فلم يتم الاتفاق على من ستكون هذه الكعكة فحكومة بغداد تريدها، والإقليم تريد جزءا، وتركيا وإيران والولايات المتحدة وفرنسا، وكلهم لديهم حججهم بأن فيها من قوميتهم، وطائفتهم؛ لأن مدينة الموصل، وكما بيّنت أعلاه عراقًا مصغّرًا.

أكثر الأنباء تقول إن المعركة القادمة سيكون فيها كذا ألف من الضحايا المدنيين، وإن هناك أحياءً ستباد، كما حدث في الرمادي والفلوجة، فهذا ليس بتحرير، بل هو تكملة لإبادة أهالي المدينة،

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل