المحتوى الرئيسى

قاضٍ ووزير ومجلس | المصري اليوم

10/15 21:39

■ فى العام ١٩٣٠، نشرت إحدى الصحف أن أحد أعضاء مجلس النواب سوف يطرح سؤالاً فى المجلس عن راتب رئيس محكمة الاستئناف (شيخ قضاة مصر)، «عبدالعزيز فهمى باشا»، وكيف أن راتبه مساو لراتب الوزير. غضب شيخ القضاة، وعدّ ذلك تدخلا فى شؤون السلطة القضائية. تقدم باستقالته إلى ملك البلاد.

■ تقدم عضو مجلس النواب، «الدكتور أحمد ماهر»، بطلب لسؤال وزير الحقانية (الغرابلى باشا) عن تلك الواقعة. وافق رئيس المجلس «ويصا واصف»، ووقف «أحمد ماهر» ليسأل الوزير.

■ الدكتور أحمد ماهر: «اطلعنا على خطبة لصاحب السعادة رئيس محكمة استئناف مصر الأهلية، أذاعها بطريقة لم يسبق لها مثيل. مؤداها أنه غضب لخبر نشرته إحدى الجرائد بأن نائبا ينوى أن يوجّه فى المجلس سؤالا عما يتناوله سعادته من راتب استثنائى، فحمله هذا الغضب على رفع استقالته رأسا إلى حضرة صاحب الجلالة الملك، متخطياً بذلك رئيسه المسؤول وزير الحقانية، ومنكرا على البرلمان ما له من حقوق واختصاصات.

وبما أن هذا التصرف لا يمكن أن يُحمل إلا على أحد وجهين: إما أن رئيس أعلى هيئة قضائية فى البلاد يجهل أصول النظام الذى يقضى بألا يرجع الموظف فى أى أمر يشكوه لغير رئيسه المباشر، وإلا كان فى تخطيه إياه استباحة للفوضى، كما يجهل أن من اختصاص البرلمان ومن حق كل نائب أن يسأل الوزارة عن كل شأن من شؤون الدولة.

وإما أنه لا يجهل ذلك، ولكنه فعل ما فعل متعمدا الاستخفاف بالوزارة الدستورية التى هو مرؤوس لها، وتحدى النظام البرلمانى الذى تُحكم البلاد بموجبه. وبما أنه على كلا الفرضين يكون التصرف الذى صدر من رئيس محكمة الاستئناف الأهلية مما لا يمكن قبوله، ولا يصح السكوت عليه، فإنى أرجو معاليكم التكرم بإفادة المجلس عما اعتزمتم اتخاذه من تدابير إزاء هذا الحادث».

«لما اطلعت على ما أذاعته الصحف عن التصريحات التى فاه بها أخيراً حضرة صاحب السعادة «عبدالعزيز فهمى باشا»، رئيس محكمة استئناف مصر، فى قاعة محكمة النقض، استدعيته فى صباح يوم السبت الماضى وسألته عن حقيقة الأمر فى ذلك، فقرر أن ما نشرته الجرائد مطابق لما حدث. فبينت له ما ينطوى عليه هذا التصرف من الخطورة، لما فيه من تخطى الوزارة ومخالفة الدستور، وعلى أثر ذلك قدم استقالته فقبلتها» (تصفيق).

■ «عبدالعزيز فهمى»، هو من هو، بكل زخم تاريخه السياسى والقانونى والتنويرى المهم. هو رفيق «سعد زغلول» فى بدايات «ثورة ١٩»، وهو «شيخ القضاة» و«نقيب المحامين».. «رئيس الأحرار الدستوريين»... وزير الحقانية الذى رفض أن يوقع قرارا بعزل الشيخ «على عبدالرازق»، أثناء أزمة كتاب «الإسلام وأصول الحكم». و«أحمد ماهر» أيضا له تاريخه السياسى المهم مع «ثورة 19» والوفد، وهو أيضا قامة قانونية أكاديمية، له مؤلفاته القانونية. اختلفت الدروب السياسية.. ولكنهما يظلان كبارا فى أعيننا.

■ فى ذات العام، وفى جلسة مناقشة ميزانية وزارة «الحربية»، بحضور وزيرها «حسن حسيب باشا». ناقش الأعضاء الوزير فى بعض بنود الميزانية المقدمة لاعتمادها من المجلس. ونقتطف فيما يلى بعضاً مما دار فى تلك الجلسة:

■ العضو «محمد الأسيوطى أفندى»: «لا يجوز لنا أن نقر الاعتمادات الواردة بالميزانية جزافاً (...)، اليوم يُطلب منا أن نقر اعتمادا لبناء ثكنات، يقول لنا أحد الخبيرين فى المجلس إنها لا تصلح للدفاع أو للهجوم، فإذا كان هناك رأى مخالف لهذا الرأى وجب أن يُطرح الآن أمام المجلس لكى يتفهمه، ومع أننا نسلم بأنه ليست لنا الخبرة الفنية الكافية فى هذا الموضوع إلا أن هذا لا يمنع من أن تطرح أمامنا الحجتان لنوازن بينهما ونتخير الحجة الراجحة، حتى لا نصدر قرارنا قبل أن نتبين وجه المصلحة فى إقرار هذا الاعتماد ونستنير فى هذا الموضوع (...) وبناء على هذا أطلب عدم الموافقة على هذا الاعتماد حتى يقدم للمجلس الدليل المقنع بأنه سيصرف فى مصلحة حربية هامة تتطلبها حاجة البلاد».

■ العضو «أحمد سيف النصر بك»:

«لم أقتنع بضرورة إيجاد ألف عسكرى فى منطقة السلوم، وأقول إن قوة تتألف من مائة عسكرى تكفى لمراقبة الحدود فى تلك الجهة، وقد سألت سعادة وزير الحربية عن تكاليف بناء ثكنة العريش فلم أحظ بالإجابة عن سؤالى».

«يقرر حضرة العضو المحترم أن منطقة السلوم لا تحتاج إلى أكثر من مائة عسكرى دون أن يقيم الدليل على هذا، وأرى أن الخبراء الفنيين بوزارة الحربية هم المختصون بتقرير مثل هذه الأمور، أما مقدار تكاليف بناء ثكنة العريش التى يطلب حضرة العضو المحترم معرفتها، فهى ستة آلاف جنيه، لأنها بُنيت بالطوب النيئ. أما السلوم فلا يمكن أن يبنى فيها بالطوب النيئ، لأن الأرض رملية فى تلك الجهة».

■ وتستمر أسئلة النواب المحترمين لوزير الحربية، ممن يعرف وممن يفتى بغير علم. أسئلة عن نوع وعدد الحيوانات التى يستخدمها الجيش، وعن الأعلاف.. وغير ذلك من أسئلة وتفاصيل عبثية. ويواصل الوزير المحترم ردوده المفحمة، بصبر لا ينفد ولغة مهذبة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل