المحتوى الرئيسى

"رفاعة الطهطاوي" نبراس نهضة مصر.. قاد شعلة "العلم" من الأزهر إلى باريس.. أطفأها سعيد باشا والخديوي عباس بـ"النفي" إلى السودان.. ورحيله أُطفأ بريق "رحلة التنوير"

10/15 17:58

إذا تطرق درب الحديث إلى عصر النهضة التعليمية في مصر، فلن يذكر التاريخ قائدًا لهذه النهضة يضاهي "قامته" المُسطَّرةِ بحروفٍ من ذهب، و"مكانته" الخالدة بين حفائر المعرفة، فهو قائد النهضة العلمية، ورائد الفكر التنويري في مصر، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم.

في مدينة طهطا بمحافظة سوهاج.. ولد رفاعة رافع الطهطاوي في 15 أكتوبر عام 1801، ونشأ في عائلة من القضاة ورجال الدين ولقي عناية من أبيه، فحفظ القرآن الكريم والتحق بالأزهر الشريف وهو في السادسة من عمره حتى عام 1807، حيث شملت دراسته الحديث والفقه والتفسير والنحو والصرف، وغيرها.

وبعد أن أمضي ست سنوات في الأزهر، جلس رفاعة الطهطاوي للتدريس فيه سنة 1821، وهو في الحادية والعشرين من عمره، والتف حوله الطلبة يتلقون عنه علوم المنطق والحديث والبلاغة والعروض، ثم ترك التدريس بعد عامين والتحق بالجيش المصري النظامي الذي أنشأه محمد علي، ليصبح إمامًا وواعظًا لإحدى فرقه.

وكان سفر الطهطاوي للخارج نقطة فاصلة في تاريخ نهضة مصر التعليمية، بعد أن سافر إلى فرنسا ضمن بعثة مكونة من أربعين طالبًا، أرسلها محمد علي في 13 أبريل عام 1826 لدراسة اللغات والعلوم الأوروبية الحديثة، وبلغ عمر رفاعه حينها 25 عامًا.

وكان الشيخ حسن العطار وراء ترشيح سفر رفاعة مع البعثة كإمامٍ لها وواعظٍ لطلابها، وإلى جانب كونه إمامًا للجيش، اجتهد رفاعة ودرس اللغة الفرنسية في باريس وشرع في ممارسة العلم، وبعد خمسٍ سنوات حافلة أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذي نال بعد ذلك شهرة واسعة "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".

في عام 1831، عاد رفاعة لمصر مفعمًا بالأمل فاشتغل بالترجمة بمدرسة الطب، ثُمَّ عمل على تطوير مناهج الدراسة في العلوم الطبيعية.

وفي عام 1835 افتتح رفاعة مدرسة الترجمة التي صارت فيما بعد مدرسة الألسن، وعُيـِّن مديرًا لها إلى جانب عمله مدرسًا بها، وفي هذه الفترة تجلى المشروع الثقافي الكبير لرفاعة الطهطاوى ووضع الأساس لحركة النهضة التعليمية.

وظل جهد رفاعة يتنامى بين الترجمة والتخطيط والإشراف على التعليم والصحافة، فأنشأ أقسامًا متخصِّصة للترجمة في الرياضيات، والطبيعيات، والإنسانيات، كذلك أنشأ مدرسة المحاسبة لدراسة الاقتصاد ومدرسة الإدارة لدراسة العلوم السياسية.

ومن ضمن مفاخر رفاعة الطهطاوي، إصدار قرار بتدريس العلوم والمعارف باللغة العربية، بالإضافة إلى إصدار جريدة "الوقائع المصرية" باللغة العربية بدلاً من التركية، فضلًا عن إصداره عشرين كتابًا من ترجمته، وعشرات أخرى من الكتب أشرف على ترجمتها.

ولم يكن طريق رفاعة الطهطاوي مفتوحًا على مصراعيه، يسيرًا في خطاه، فمع تولِّي الخديوى عباس حكم مصر، قام بإغلاق مدرسة الألسن، وأوقف أعمال الترجمة، وحصر توزيع جريدة "الوقائع المصرية" على كبار رجال الدولة من الأتراك، وتم نفي رفاعة الطهطاوي إلى السودان عام 1850.

وعلى الرغم من نفيه خارج مصر؛ إلا أن "الطهطاوي" لم تُعِقهُ الغربة عن استكمال مشروعه، فترجم هناك مسرحية "تليماك" لـ"فرانسوا فنلون"، وجاهد للرجوع إلى أرض الوطن، وهو الأمرُ الذي تيسَّر بعد موت الخديوي عباس الأول عام 1854، وولاية سعيد باشا، بعد أن قضى رفاعة أربعة أعوام من النَّفْي خارج البلاد.

وبعد عودة الطهطاوي إلى القاهرة، أسندت إليه عدة مناصب تربوية، فتولى نظارة المدرسة الحربية التي أنشأها سعيد لتخريج ضباط أركان حرب الجيش عام 1856م، وعنى بها الطهطاوي عناية خاصة، وجعل دراسة اللغة العربية بها إجبارية على جميع الطلبة.

وأعطى رفاعة للطلاب حرية اختيار إحدى اللغتين الشرقيتين: التركية أو الفارسية، وإحدى اللغات الأوربية: الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، ثم أنشأ بها فرقة خاصة لدراسة المحاسبة، وقلمًا للترجمة برئاسة تلميذه وكاتب سيرته صالح مجدي، وأصبحت المدرسة الحربية قريبة الشبه بما كانت عليه مدرسة الألسن.

عاد رفاعة بأنشط مما كان، فأنشأ مكاتب محو الأمية؛ لنشر العلم بين الناس، وعاود عمله في الترجمة المعاصرة، ودفع مطبعة بولاق لنشر أمهات كتب التراث العربي.

وقضى رفاعة فترة أخرى حافلة بالعمل الجامع بين الأصالة والمعاصرة، إلى أن قام سعيد باشا بإغلاق المدارس، وفصل رفاعة الطهطاوي عن عمله عام 1861م.

وبعد وفاة سعيد باشا عام 1863م، وتولي الخديوي إسماعيل حكم مصر، عاود رفاعة عمله، ليشرف مرة أخرى على مكاتب التعليم، ويرأس إدارة الترجمة، ويصدر أول مجلة ثقافية باسم "روضة المدارس"، إلى أن توفي في عام 1873عن عمر ناهز 72 عاما.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل