المحتوى الرئيسى

محنة الفقيه الإخواني!

10/15 05:47

يعيش الفقيه في الإخوان -حاليا- محنة كبرى، ربما أفصح البعض عنها، وربما أحجم الكثيرون عن الإفصاح، لكنه بينه وبين نفسه، وبينه وبين إخوانه من أهل العلم في الجماعة يبوح ويبوحون بها، وفي داخله يعيشها، شاء أم أبى، تتلاقى آراء معظمهم حول هذه المحنة التي يعيشونها ويعيشها الفقيه الإخواني، وهذه بعض ملامح محنته:

فهو في محنة بين ما يطالب به الحكام والساسة والناس جميعا، من مبدأ المحاسبة، وتطبيق مبدأ: من أين لك هذا؟ ومحاسبة من يتولى أمرا عاما من أمور المسلمين، وبين من يريد في الجماعة عملا بلا حساب، وتلقي مال بلا تدقيق، فالفقيه يقرأ ويعلم الناس أن الإنسان يسأل يوم القيامة عن ماله، من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ ويقرأ قوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) النساء: 5. فالآية تبين أن اليتيم يؤخر إعطاؤه ماله الذي هو إرثه الشرعي وحقه، حتى يبلغ سن الرشد، أو يحسن التصرف فيها، فكيف بمن لا يحسن التصرف في مال غيره؟ هل يترك يفعل ما يشاء دون حساب، هذا كلام لم يقل به شرع ولا قانون ولا عقل، فكيف يخرج من هذه المحنة ويتسق الشرع الذي يعلمه للناس، مع الواقع الذي يعيشه في الجماعة بتفعيل مبدأ المحاسبة؟!

ويقوم الفقيه الإخواني بقول كلمة الحق، يستطيع أن يواجه طواغيت الدنيا، ويتحمل في ذلك كل ألوان العذاب البدني والنفسي دون تفكير، راجيا نيل الأجر من الله، لكنه مسكين أمام محنة أخرى، إذا رأى ظلما أو استبدادا من مسؤول في الجماعة، كبيرا كان أم صغيرا، هل يواجهه؟ أم يصبر عليه، وعندئذ يقع في محنة؛ إذ كيف يجمع بين نصوص تأمره بقول الحق، وبين واقع تسوقه عاطفته إليه، سواء ممن حوله، باسم الأخوة والصبر على خطأ الأخ، رغم أنه يقرأ نصوص الشرع لا تفرق بين ظالم في الإخوان أو خارجها.

وهو في محنة عندما يقرأ ويعلم الناس مبادئ الشورى، وأن الحاكم أو المسؤول الذي يرفض الشورى ويعطلها، فقد وجب عزله شرعا، هذا في المجال السياسي العام، لكن عندما يرى إهدارا للشورى، أو توظيفا لها، أو تلاعبا بها في الجماعة، يقع في حيرة ومحنة، فإذا نادى بعزل من فعل ذلك، أو محاسبته، يخشى من اتهامه بالسعي للمناصب، وأنه حاقد على من تولى المنصب، وإذا سكت، أو بحث عن مخرج، خان أمانة العلم والشرع.

وهو في حيرة في فتاوى الناس واستفتائهم له، هل ننزل المظاهرات أم لا؟ فلو أجاب الناس بالنزول، يطارده ضميره الفقهي، كيف تفتيهم بالنزول دون رؤية، ودون حماية، ودون خطة، وهل يجوز أن يفتيهم بذلك؟ وإن رأى أن هذه أسباب لا تدفعه للقول بالنزول، يخشى أن يتهم بأنه يخذل الناس، ويفض الناس من الحراك.

وهو في حيرة من أمره، فهو يرى المظلوم في الجماعة يذبح بسكين بارد، ويشوه من بعض إخوانه كبارا كانوا أم صغارا، ولا يتوجه بحديثه إلى الظالم، بل ينطلق للمظلوم طالبا منه الكف عن الصراخ، أو الكتابة والتعبير، فالمظلوم أو الطرف الأضعف أقرب سماعا له، واستجابة لنصحه، بينما الطرف الظالم لا يقوى على مواجهته، ولا يقدر على مقابلته أصلا، وهو في ذلك كله يروي للناس وإخوانه قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها"؟!

هو في حيرة ومحنة، فهو يجلد بلسانه وقلمه عبيد البيادة؛ عبيد السيسي، في سلوكهم، وفي تبريرهم لكل ما يفعله، وهم يرفضون بشدة أي نقد له، أو اعتراف بفشله، بينما يرى بعينه عبيد القيادة يفعلون الشيء ذاته، لكنه لا يستطيع مواجهتهم، ولا توعيتهم، فهو يخشى من انفضاضهم من حوله، أو تشويهه، فهل يسكت حفاظا على سمعته الدعوية، أم ينطق بالحق الذي سيجعل عرضه وسمعته مستباحا؟

وهو في حيرة من أمره، إذا ما انتخب الفقيه أو الداعية في موضع إشراف ورقابة، فإذا سكت خالف ضميره، وخان أمانة حملها له من اختاروه، وإذا تكلم واجهه من يراقبهم، أو يطالب برقابتهم وحسابهم، وضاقوا بذلك، وكأنهم يريدون الفقيه والداعية في الجماعة منزوع الدسم، منزوع الروح، ودون أن يدروا يتم تحيل الجماعة إلى نظام علماني، فيظل دور الشيخ الوعظ، بعيدا عن مجال التقويم والإصلاح، وهو عين العلمانية التي يحاربها ويحاربونها، أو كما يتوهمون.

تلكم بعض ملامح محنة الفقيه الإخواني الآن، وإن كانت لا تختلف عن محنته مع غيرهم، لكن كان يظن أن الحال يختلف مع من يرفع عقيرته هاتفا: الله غايتنا، فهل يتحقق الشعار ليكون عملا بعد القول، وتنتهي محنة الفقيه الإخواني أم لا؟!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل