المحتوى الرئيسى

الأعمال الوقائية السعودية أمام "جاستا"

10/15 05:47

قانون جاستا الذي يفسح المجال لمقاضاة الدول الراعية للإرهاب ربما سيمثل تغيراً كبيراً في سياسة المملكة الخارجية في حين تم البت في قضية ضحايا 11 سبتمبر/أيلول وتقديم المملكة لمقاضاتها.

سيخلق هذا بلا أدنى شك حالة من الخذلان الذي لم يمر على المملكة في علاقاتها الخارجية مع أحد أهم حلفائها وهو الحليف الأميركي.

ما يهم الآن دوائر السياسة السعودية وما يدور في فضاءات الإعلام وأذهان المفكرين، هو كيف للمملكة أن تواجه جاستا وتتصدى لعواقبه؟ ولمحاولة إيجاد سياسة مضادة لقانون جاستا في اعتقادي أنه من المهم البدء في فهم دوافع الولايات المتحدة الأميركية ومؤسستيها التشريعية نحو إقرار جاستا، وهل من المعقول أن يسرع بالعمل على القانون وهو الذي يكاد يجمع عليه المحللون بأنه بات موجهاً بشكل مباشر ضد السعودية؟

من الواضح أن توقيت إقرار القانون أتى في ذروة السجال الانتخابي بين الجمهوريين والديمقراطيين، وفي لحظة فارقة يرمي فيها كل من الحزبين أوراقه المهمة لجذب الناخبين الأميركيين، حتى وإن أقررنا بأهمية قانون جاستا في توجيه الناخبين خاصة أهالي ضحايا 11 سبتمبر، فإن كلا الحزبين صوت لإقرار القانون، ما يظهر أن تداعيات إقرار جاستا متعلقة بالسياسة الخارجية الأميركية الحالية بشكل كبير.

حكمت ملفات النفط والأمن علاقات أميركا بالسعودية، وقاد الانسجام الثنائي حول هذين الملفين إلى ما وصف في وقت مضى بمتانة العلاقة بين البلدين، بيد أن هناك أولويات للسياسة الخارجية الأميركية تبدو الآن في حالة غير مستقرة وهو ما انعكس في وجهة نظري على العلاقات مع المملكة وإقرار قانون جاستا لفرض سياسة الأمر الواقع التي تريدها أميركا بالنسبة للمملكة.

أولى هذه الأولويات الأميركية هو الإمساك بمفاصل القوى وتوازناتها في منطقة الشرق الأوسط، هذا ما عملت عليه أميركا منذ عقود، فحصار إيران لمدة ورفع الحصار بعد ذلك عنها يدخل في لعبة التوازنات والأدوار التي تتوزعها أميركا مع حلفائها في المنطقة؛ لما تشكله الجغرافيا والموارد من أهمية استراتيجية للأميركان، كذلك إسقاط نظام صدام والوقوف أمام التحول الديمقراطي لدول الربيع العربي كل ذلك يشير نحو سياسة أميركا المنطوية على التحكم بنطاق تحرك القوة وتحديد من يملكها، ما الذي يعني المملكة فيما ذكر؟

ما يهم هو أن اتجاه العلاقات الأميركية - الإيرانية بعد الاتفاق النووي خلخل لعبة توازن القوى، ما أسفر عن ديناميكية مختلفة للسياسة السعودية في مواجهة إيران والتدخل على أثره في اليمن، والتمسك أكثر بسياستها في الملف السوري.

بالطبع أدى ذلك لجنوح سياسة المملكة للاستقلالية أكثر والسعي لتكوين تحالفات جديدة، كما هو الحال مع تركيا اليوم، التغيير المحتمل في معادلة القوى من خلال خلق تحالفات بعيدة عن العين الأميركية قد ينجح، وبالتالي لا تريد الولايات المتحدة لدولة كالمملكة، وهي الحائزة على مكانة كبيرة عربياً وإسلامياً، وتنفرد بتأثير أكبر في أسواق الطاقة العالمية، أن تقود سياسة مستقلة تماماً ومع شركاء طامحين كتركيا في المنطقة.

ثاني أولويات السياسة الخارجية الأميركية هي السعي للحد من تنامي القوة الصينية، فما يمليه بقاء مستقبل القوة الأميركية هو احتواء القوى الصاعدة وإيقاف تحولها لقوى منافسة، بالفعل تدرك أميركا أن الصين هي الأقرب من حيث توافر فرص النهوض والتأثير على نطاق واسع دولياً في المستقبل القريب، الذي يتعلق بالسعودية هنا ويخيف أميركا هو علاقة أحد أهم مصدري الطاقة في العالم مع الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فحتى تنجح أميركا في إعاقة وتأخير التحول الصيني السريع من الضروري تقليل مستوى تعاون الصين مع الدول المصدرة للطاقة والتحكم بتلك الدول.

لذا فقانون جاستا يشبه محاولة ليّ الذراع إذا ما استحضرنا حجم السندات المالية للمملكة في أميركا، وكيف لحيثيات القانون أن تجيز تجميد أموال الدول التي ستقدم للمقاضاة وحجم التعويضات الهائلة المتوقعة لأهالي ضحايا 11 سبتمبر، ما يمكن النظر إليه بواقعية للوقاية من تداعيات جاستا في الوقت الذي تتراكم فيه الأعباء السياسية على المملكة في الداخل والخارج، هو التقدم في ملفَّي العلاقة مع الصين والتقارب أكثر مع حلفاء كتركيا، لإثبات توازن جديد في المنطقة ضد سياسة الفوضى، بدءاً من الملف السوري، ومروراً بالعراق.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل