المحتوى الرئيسى

دَعونا نشمّ المجدَ في أبنائنا

10/15 05:47

دَعونا نبحثُ عن نقطةِ وجودٍ نبدأ منها، نحفرُ فيها بإتقانٍ تضاريسَ بشريةٍ أشبه بالشلال أو طوفان غامر.. دعونا نجلس وسط منصة الحياة ونخرج فيها عن مألوف العتبات ومعروف العبارات.. دعونا نغامر بما تبقى من عزنا بأوراق عمرنا، لنرسم الصعود إلى مقاعد شاغرة لا بدّ أن نستعيدها بعد أن أضعناها.. دعونا نبحثُ عن لحظة متجذرة في عمق ملامح الكون وفي عمق ضميرنا الملقى دون طريق.. فبطولةٌ أن نسعى في تغيير خارطتنا الوراثية، ونجعل من تفردنا نسخة غير قابلة للنسخ أبداً.

أولادنا مجدنا وما تبقى من أملنا، إن أسأنا أو نجحنا في تربيتهم فالعود منا ولنا.. فلنكن مفصلاً في تاريخ دين الغرباء، انعطافة سلسلة، أو ربما طفرة جينية، اختارت الوثب بدل إتمام الطريق.

يطالعنا دائماً قول الإمام الغزالي -رحمه الله- في إحيائه: "الصّبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابلٌ لكلّ ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه، نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له".

وكم منا من يتغافل عن أعظم ما رُزق، ويتخلى عن أجود ما نزل من عند الله سبحانه.

تركنا أولادنا ضحية لأجهزتهم المحمولة، نزلوا بنا نحو دركات الجهل بعلمٍ يُسمى تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، فأمسينا أبعد شيء عن ما يسمى تواصلاً.. أضعنا تواصلنا مع الله، ومعهم، وقُطع الحبل الموصول بين الله وبيننا وبينهم.. أضعنا الخلافة التي استخلفناها، والأمانة التي حُمّلناها، جعلنا من ميراثنا المزعوم مالاً لا يعلقُ بنا عند موتنا، يكفينا بضعة أمتار من قماشٍ خام، وقطعة أرض دُفن فيها منسي من أولاده.. ولكن تذكر دائماً: معركتنا معركة قناعات تُزرع، لا أجهزة تنتزع!

جعلنا من خارطتنا الوراثية عاراً يطاردنا، وطاردنا حياة تفنى بأمر بارئها.. ونسينا أن نجعل من أجزائنا صدقة متناثرة تضيء عتمة ما أطفئ بسوء أفعالنا وتسيبنا، فلم نعهد من الجيل الجديد إلا الخنوع والكسل والاستسلام.

لا أقول إن المجد في أولادنا جينات تُزرع، ولا هي بالعفوية والحظ تُبلغ، بل هي مسألة تخطيطٍ وأخذٍ بالأسباب، ورسمٍ لملامح الجدّ والاستخلاف.

فازرعوا العقيدة والقيم والأخلاق والأدب، واغرسوا الثقة والفضول والجرأة، ورثوهم المسؤولية والاستقامة والشجاعة، عملية شاقة طويلة تبدأ منذ نعومة أظافرهم لا تنتهي أبداً إلا بحربٍ ثلاثية مع النفس والآخر والكون أجمع.

ها هو أسامة بن زيد يسوسُ جيشاً، وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، والزبير بن العوام أول من يسلّ سيفه لله في الإسلام، وهو ابن الخامسة عشرة، وعمرو بن كلثوم (15 سنة) قد كفّ الإسلام شرّ بني تغلب، وزيد بن ثابت (13 سنة) تعلّم السريانية واليهودية في 17 ليلة فقط، حتى يُصبح ترجمان القرآن وهو لا يزال صبياً.. ولا نذهل عن محمد الفاتح (22 سنة) الذي فتح القسطنطينية بعد أن استعصى فتحها على كبار القادة، وعبد الرحمن الناصر (21 سنة) الذي قضى على الاضطرابات في الأندلس وقام بثورة علمية منقطعة النظير لتصبح أقوى دولة في عصره.. وغيرهم كُثر يصعبُ عدّهم واستقصاؤهم.

فهؤلاء من أعاد لنا عزنا ومجدنا بنقاء فطرتهم التي لم تتدنس بأدران اللهو والفراغ، بآباء وأمهات ومربين استحقوا الخلود في خارطة الفتح الإسلامي.

دعوا أبناءكم يتحلّون بأهداف سامية، أطلقوا عليهم الأسماء الغابرة الخالدة، وارسموا لهم منها خارطة حياة يحكمون بها العالم بأفكارهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم المدروسة وفق أسس تربوية، وتجارب ملموسة، وسير السلف المجموعة، وأكف الدعاء المرفوعة.

ولا تنسوا أن سامرياً واحداً أضلّ قوم موسى، فما بالكم بجيوش سامرية تغزو بيوتنا عبر الوسائل المحمولة والتلفزيونات المشؤومة، والصحبة الكاسدة الملعونة.

ابدأوا بالإيمان بالله واليقين به، وانتهوا عند حافة الثقة التي تثمر كلما جعلنا من دعائنا أسهماً تُرفع في وجه كل موقف.

فكروا بمشروع بناء طفلٍ مسلم ليس كعدد يحصى عند كل تعداد، بل دعه يصبح نوعية فريدة غير قابلة للاختزال الجائر.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل