المحتوى الرئيسى

«داعش» في «اللبيني» | المصري اليوم

10/14 21:48

لم أعد من المولعين بالتأمل في كتابات الجدران بعد أن غزتها البذاءة والفحش.. باتت تعكر صفوي وتخدش عيني.. ومع تتابع الأيام والسنين تفقد الشعارات قوتها وفعلها وسطوتها فيألفها الكارهون والمحبون على السواء، ثم تتلاشى تماماً كأنها لم تكتب يوماً.. شعار واحد استوقفني من يوم أن وطئت قدمي مسكني الجديد في شارع اللبيني منذ عامين كتب على باب من الصاج لأحد المحال المغلقة (الدولة الإسلامية باقية وتتمدد).

كلما مضيت في الشارع بخطى وئيدة أو متسارعة أجد رأسي وقد التفتت لتأمل ذلك الشعار فأجده باقياً لم يقترب منه أحد بطمس أو محو، ربما صمد طيلة العامين جهلا من مخبري الأمن أو شعوراً بالذنب من أولئك المحيطين الذين ربما لم يتجرؤوا على محو شعار يحمل في ثناياه كلمة الإسلام أو ربما كانت سلبية من بعضهم الذين أدركوا معناه ورمزيته إلا أنهم اجتنبوا الوقوع فيما ليس لهم فيه.

ترى من كتبه؟ هل هم داعشيون قريبون مني لتلك الدرجة؟ ربما كان بعضهم يقيم بجانبي أو أسفل مني أو فوقي؟ أيمكن أن يكون بائع الألبان الشاب الذي خاض جدلا أمامي مع صديقه ذات يوم حول الخلاف بين القاعدة وتنظيم الدولة في سوريا وكان منحازا وقتها للقاعدة في مواجهة صديقه المنحاز لموقف داعش؟

ذات ليلة هز انفجار عنيف المنطقة ... أكتشف أنه «خداع شراكي» لرجال الشرطة الذين توصلوا إلى مكان قائد منسق بين العديد من التنظيمات الإرهابية، لكنهم بعد اقتحام شقته قام بتفجيرها مستخدماً أسلوباً لا تعرفه إلا التنظيمات المقاتلة في العراق وسوريا وأفغانستان.. ليس من الضروري أن تكون تلك الخلية تدربت في الخارج على مثل هذا التكتيك لأنه من السهل للغاية اكتسابه عبر شبكة الإنترنت.

يقولون إن تلك المنطقة كانت منذ أقل من عقدين من الزمن يكتنفها مساحات من الزروع والأشجار تشقها ترعة المريوطية يسكن فيها أولئك الأثرياء الذين نفروا من ضجيج القاهرة والجيزة ليتنفسوا هواء نقياً إلا أنها في العقدين الأخيرين غزتها العشوائية وتحولت الرقعة الزراعية إلى كتل خراسانية وحجرية غير منسجمة تناطح السماء.

تحشدت مع مرور الوقت بعشرات الآلاف جاءوا من خلفيات اجتماعية متنوعة ومتعددة ومن محافظات شتى شمالية وجنوبية استأنسوا بها وخلقوا مجتمعا جديدا بعيدا عن سكان الأحياء المدنية التي نفروا منها ولم تنسجم مع طبائعهم بل ظلوا في كوامنهم ساخطين عليهم وعلى عاداتهم بدوافع اجتماعية أو دينية في بعض الأحيان.

كانت تلك التربة مهيأة لنمو بذرة الإسلاميين الذين ينشطون عادة في مثل تلك البيئات كما تنمو فيها أيضاً بذرة الجريمة والبلطجة.. أثناء مروري في شارع عثمان محرم المتكدس بالمارة والتكتوك والباعة الجائلين وسيارات الأجرة الخربة شاهدت باعة الحشيش علنا في الشارع ... واكتشفت بعد مدة طويلة أن كثيرا من باعة الملابس الجاهزة يدسون الأشرطة المخدرة في جيوب الملابس التي يرتديها المانيكان.. وأن تلك التجارة كانت واجهة للنشاط غير المشروع.

هي المنطقة نفسها التي كانت تمتلئ بالسلفية الحركية والجهادية ومساجدها في كل شوارعها الفرعية الضيقة والطويلة ... كانت تلك المنطقة ملاذا للجماعة الإسلامية في التسعينيات وفي نفس الشارع سقط علاء محيي الدين أول متحدث باسم الجماعة قتيلا في ظروف غامضة ... وظلت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير منطقة يسكنها غالبية الجماعة أيضاً.

لم تنقطع المسيرات المطالبة بعودة الرئيس الأسبق محمد مرسي عن المنطقة، وكانت قوات الأمن تتصدى إذا حاولت الخروج من شارع عثمان محرم إلى شارع الهرم الرئيسي، وكانت الاشتباكات تطول على قارعة شارع الهرم بالساعات حتى يتراجع المتظاهرون ... عاد المتظاهرون الذين كانت غالبيتهم من الشباب إلى الشوارع الخلفية كامنين فيها ربما لانتظار اللحظة المناسبة.

للشوارع الخلفية سراديب مخيفة... وقف رجل خمسيني يسب الحكومة الذي تغرمه 750 جنيها كل 3 شهور غرامة توصيل غير قانوني للتيار الكهربائي إلا أنها هذه المرة رفعت شريحة الكهرباء ليصل ما يدفعه إلى 850 جنيها ختم حديثه بدعاء عريض (إن شاء الله هتيجي غوره تأخذهم قريب) اضطر الرجل لسكنى المنطقة فهي الأرخص في القاهرة والجيزة تقريباً فبنيت آلاف الأبراج بدون رخصة من الحي الذي سمح بالبناء ضمنيا لكنه عاد ليعاقبهم بجلب الأموال فقط واضعاً عدد من الشروط الصعبة لإدخال عدادات كودية من المفترض أنها تقوم بتنظيم عملية استهلاك الكهرباء وتهرب غالبية بناة الأبراج من تحمل المسؤولية في إدخال العدادات وتركوا السكان يواجهون مصيرهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل