المحتوى الرئيسى

عُمّال مصر تحت الهجوم: استنساخ لأدوات قديمة

10/14 00:46

يُمثّل تاريخ السابع من كانون الأول 2006 نقطةَ تحوّل رئيسية في مسار الحياة السياسية في مصر. في ذلك التاريخ، انطلق إضرابُ عمال غزل المحلّة، لرفع مطلب اقتصادي ترفض إدارة الشركة تلبيته. ولكن على الرغم من أن المطلب كان محدوداً، إلا أن الإضراب لم يكن فقط بدايةً لصعود الحركة العمالية في مصر، التي انتشرت وقتها في كل محافظات الجمهورية تقريباً، وامتدت لسنوات، ولكن كان أيضاً بدايةً لتفاعل مهم بين الحركة العمالية وحركة «الإصلاح الديموقراطي»، وهو ما أدى بشكل غير مباشر لاحقاً إلى انتفاضة المحلة في السادس من أيلول 2008، كما أدى إلى تطورات لافتة في التنظيم والوعي في أوساط الحركة العمالية، ما نتج عنه تأسيس النقابات المستقلة التي حرمت الدولة، آنذاك، من السيطرة على الحركة النقابية عبر التنظيم الموالي لها.

الدور الذي لعبته الحركة العمالية في مصر قبل «ثورة يناير» بسنوات، والتأثير الذي تركته في الشارع المصري، جعل الأنظمة الحاكمة المُتلاحقة عقب «ثورة يناير» أكثر انتباهاً تجاه الحركة العمالية، وأكثر إصراراً على السيطرة عليها، وقطع الطريق على صعودها وتطوّرها. وأكبر دليل على ذلك، هو إصدار المجلس العسكري الحاكم في آذار 2011، أي في أعقاب الثورة مباشرةً، مرسوم قانون يُجرّم الإضرابات العمالية، ويُحيل العمّال المُضربين للمحاكمة العسكرية. وأدركت الأنظمة المتتابعة أن الحركة العمالية التي انفجرت قبيل «ثورة يناير» كانت أهم روافد الثورة ومُحرّكاتها، وهو ما ظهر جلياً حتى في شعارات الثورة «عيش، حرية، عدالة اجتماعية».

لا يُمكن فصل الهجوم الذي تشهده الحركة العمالية من قبل الدولة اليوم، عن الدور الذي لعبته الطبقة العاملة قبيل «ثورة يناير» وأثناءها وبعدها. فالدولة أدركت أن صعود الحركة العمالية لا يتوقّف تأثيره على علاقات العمل أو ظروف العمّال، ولكنه قد يمتد لتأثيرات أكثر جذرية، في ظلّ التراجع المستمر لشعبية النظام، وانفضاض الكثير من مؤيديه من حوله.

تمثّل الهجوم، الذي تتعرّض له الحركة العمالية، أخيراً، من ملاحقة الحركة العمالية وقياداتها بشكل غير مسبوق، في إحالة 26 من القيادات العمالية في الترسانة البحرية في الإسكندرية للمحاكمة العسكرية، بتهمة التحريض على الإضراب في منشأة تتبع للقوات المُسلّحة. هذا على الرغم من أن عمال الترسانة البحرية عمال مدنيون، ويعملون وفقاً لقانون العمل المدني، كما أن الإضراب حقٌّ منصوصٌ عليه في الدستور المصري، وقانون العمل.

ما حدث مع عمال هيئة النقل العام، لا يختلف في جوهره عما حدث تجاه عمال الترسانة. فقد جرى اعتقال ستة من القيادات العمالية في هيئة النقل العام، واتّهموا بالتحريض على الإضراب، وأيضاً، بالانتماء لجماعة «الإخوان المسلمين» المحظورة قانوناً. والمُفارقة في هذه التهمة، أن المُعتقلين من قيادات عمال النقل العام، هم أنفسهم الذين قادوا إضرابات هيئة النقل العام في العامين 2012 و2013، أثناء حكم الرئيس المخلوع محمد مرسي المنتمي لـ«الإخوان»، ما أدى إلى اتهامهم، يومها، بالانتماء لـ «جبهة الإنقاذ» المناهضة لـ«الإخوان المسلمين».

لا يبدو أن الهدف من الإجراءات التي اتخذت تجاه عمال الترسانة البحرية وهيئة النقل العام، مجرد منع إضرابٍ عمالي، ولكن يبدو واضحاً أن هدفها إرهاب الحركة العمالية، وإرسال رسالة لكل العمال بأن الإقدام على الاحتجاج سيكون عقابه متطرفاً.

الهجوم على الطبقة العاملة ليس أمنياً فقط، فالهجوم الأهم على الحركة العمالية، كان من نصيب التنظيم النقابي المستقلّ، والذي كان أحد أهم تجليّات الحركة العمالية في صعودها.

فبعد محاولات ممتدة من النظام لمحاصرة النقابات المستقلة وتفريغها من أي مضمون، تسعى الدولة حالياً للإجهاز على الحركة النقابية المستقلّة عبر إصدار تشريعٍ يُعيد أوضاع النقابات العمالية إلى عهد التنظيم النقابي الواحد والخاضع بالكامل للسلطة التنفيذية، ونزع الشرعية عن التنظيمات النقابية المُستقلّة عن الدولة وتنظيمها النقابي.

ملاحقة القيادات العمالية، مُصادرة الحقّ في التنظيم والحقّ في الاحتجاج السلمي، يُصاحبه هجوم هو الأقوى من نوعه على علاقات العمل. فعلى الرغم من تقلّب علاقات العمل في القطاع الخاص، وقطاع الأعمال، إلا أن قطاع العاملين في الدولة الذي يضمّ أكثر من ستة ملايين عامل، تمتّع باستقرار نسبي منذ ستينيات القرن الماضي. إلا أن الدولة اتجهت أخيراً لإعادة صياغة علاقات العمل في هذا القطاع، بحيث تُنهي عهد الاستقرار لعماله.

فمع صدور قانون الخدمة المدنية، بدأت أجور العاملين في الدولة بالتراجع، وفُتح الباب للتخلّص من أعداد من العاملين عبر المعاش المبكر. القانون الذي رفضه مجلس النواب في دورته السابقة، كان أول ما تمّ إقراراه في الدورة الجديدة، بعدما تحدّث رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي صراحةً عن ضرورة تخفيض عدد العاملين في الدولة. كما تحدّث وزير المالية عمرو الجارحي ووزير التخطيط أشرف العربي أكثر من مرة عن أهمية ضغط بند الأجور في الموازنة العامة للدولة.

في الوقت ذاته، تُعدّ الدولة لقانونٍ جديد للعمل، يُنظّم علاقات العمل في القطاع الخاص، والذي بالفعل يشهد تدهوراً ملحوظاً في علاقات العمل في ظلّ قانون العمل 12 لسنة 2003، والذي يمنح صلاحيات واسعة لأصحاب الأعمال في الفصل وتخفيض الأجور، ولا يمنح حماية تُذكر للعمال ضدّ الفصل التعسّفي. ولكن من المُتوقّع أن يتضمّن القانون الجديد صلاحيات أكبر لأصحاب الأعمال.

واللافت للانتباه أن التشريعات التي يجري إصدارها، سواء الخاصّة بعلاقات العمل في القطاعات المختلفة، أو في الحقّ في التنظيم، لا تخضع لحوار اجتماعي حقيقي بمشاركة من العمال وممثليهم، ولا تستجيب حتى لمطالب العمال التي أعلنوها مراراً في تحرّكاتهم.

ويأتي الهجوم الذي تُواجهه الطبقة العاملة في مصر حالياً، متزامناً مع أزمة اقتصادية تتحمّل أعباءها الطبقاتُ الفقيرة بالذات من دون غيرها. فمع ارتفاع عجز الموازنة والدين العام والخارجي، اتّجهت الدولة لزيادة الأعباء الضريبية عبر تطبيق ضريبة القيمة المضافة، التي أدّت إلى موجة تضخّم شديدة، كما اتّجهت لرفع قيمة استهلاك الكهرباء والغاز والمياه والوقود، بينما اتّجهت لخفض الإنفاق في الموازنة العامة عبر تثبيت بند الأجور وخفض الدعم المُوجّه للفقراء.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل